الثامن من صفر ذكرى رحيل الإمام الخوئي (قدس سره الشريف)
572
شارك
نبذة من حياته
لم تتعرض المرجعية الدينية في تاريخها وحوزتها العلمية منذ تحولها من بغداد إلى النجف الأشرف عام ٤٤٩ للهجرة (١٠٥٧م)، على يد شيخ الطائفة الإمام الطوسي (قدس سره)، إلى ظرف قاهر مشابه، كالذي مرت به خلال مرجعية الإمام السيد أبوالقاسم الموسوي الخوئي، إذ تزامنت مرجعيته مع حكم جائر في العراق جعل من الشيعة والتشيع هدفا لطغيانه وإرهابه، خصوصا بعد الثورة الإسلامية في إيران، ألتي قلبت كثيرا من الموازين واعتبرها النظام البعثي في العراق خطرا مباشرا عليه، لذلك جعل من الشيعة والمدن الشيعية هدفا لهذا الطغيان، وفي تلك الظروف الصعبة الموجهة ضد الحوزة العلمية، كانت مهمة المرجع الأعلى الإمام الخوئي تكاد تنحصر في المحافظة على دور الحوزة واستقلالها، لمتابعة مهامها العلمية والفقهية، واستمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف، ألتي تضم مرقد اميرالمؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(ع)، في احتضان الحوزة الدينية ومعاهدها العلمية.
في حين أرادت السلطة العراقية انحياز المرجعية إلى جانبها في مواقفها اللاانسانية واللااسلامية، وخصوصا في حروبها الظالمة مع الجيران، وطالبت السلطات الإمام بإصدار فتوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعندما رفض ذلك رضوان الله تعالى عليه، كشرت السلطات العراقية أنيابها، وكانت أول بادرة إجرامية منها هى الاعتداء على منزل نجله الأكبر المغفور له السيد جمال الدين في محاولة لقتله عام ١٩٧٩م، والذي اضطر من جرائها مغادرة العراق إلى سوريا حتى توفي بعدها في إيران عام ١٩٨٤م.
كما قامت السلطات باعتقال مجموعات كبيرة من رجال الدين وتلامذة الإمام في الحوزة العلمية وأعدمت الكثيرين منهم، وفي مقدمتهم تلميذ الإمام وابنه البار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وفي عام ١٩٨٠م قامت السلطات بتفجير سيارة الإمام الخاصة وهو في طريقه إلى جامع الخضراء لأداء صلاة الظهر، وقد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة كذلك تم اعدام الشهيد آية الله السيد محمد تقي الجلالي معاون الإمام الخاص في عام ١٩٨٢م، وفي عام ١٩٨٥م اغتيل صهر الإمام سماحة الشهيد آية الله السيد نصر الله المستنبط، بواسطة زرقه بإبرة سامة، كما اعتقل نجل الإمام الشهيد السيد ابراهيم، وصهر الإمام الشهيد السيد محمود الميلاني، وأكثر من مائة من أفراد أسرته ومعاونيه من العلماء.
ولادته وهجرته إلى النجف
ولد الإمام الخوئي في ليلة النصف من شهر رجب سنة ١٣١٧هـ الموافق ١٩/١١/١٨٩٩م، في مدينة خوي من اقليم آذربيجان، وقد التحق بوالده العلامة المغفور له آية الله السيد علي اكبر الموسوي الخوئي الذي كان قد هاجر قبله إلى النجف الأشرف، وحيث كانت المعاهد العلمية في النجف الأشرف هي الجامعة الدينية الكبرى ألتي تغذي العالم الإسلامي كله وترفده بالآلاف من رواد العلم والفضيلة على المذهب الإمامي، فقد انضم سماحته وهو ابن الثالثة عشر إلى تلك المعاهد، وبدأ بدراسة علوم العربية والمنطق والأصول والفقه والتفسير والحديث.
منهجه العلمي
يمتاز سماحة الإمام الخوئي (قدس سره) بمنهج علمي متميز واسلوب خاص به في البحث والتدريس، ذلك انه كان يطرح في أبحاثه الفقهية والأصولية العليا موضوعا، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلا دليلا، وما أن يوشك الطالب على الوصول إلى قناعة خاصة، حتى يعود الإمام فيقيم الادلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الادلة وقدرتها على الإستنباط، فيخرج بالنتيجة ألتي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الإستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للأفكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث، ولذا فقد عرف بعالم الأصول والمجدّد.
ولا تقتصر أبحاثه وتحقيقاته على هذين الحقلين في الأصول والفقه، فهو الفارس المجلّي في علم الرجال او (الجرح والتعديل) وقد شيّد صرحا علميا قويما لهذا العلم ومدخليته في استنباط المسائل الإسلامية، جمعها في كتابه الشهير ‘‘ معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة ‘‘، كما بذل جهدا كبيرا في التفسير وعلوم القرآن وضعها في مقدمة تفسيره ‘‘ البيان في تفسير القرآن ‘‘، وغيرها من الحقول العلمية.
ولهذا فقد جمع من حوله طيلة فترة تدريسه اعدادا كبيرة من طلبة العلوم الدينية والأساتذة اللامعين، ينتمون إلى بلدان العالم المختلفة، فكان هناك طلاب من سوريا ولبنان والاحساء والقطيف والبحرين والكويت وايران والباكستان والهند وافغانستان ودول شرق آسيا وافريقيا مضافا إلى الطلبة العراقيين، ولم يكتف سماحة الإمام بتغذيتهم علميا وثقافيا، ورعايتهم روحيا، بل امتد ذلك ليشمل تغطية نفقاتهم المعيشية من الحقوق الشرعية ألتي كانت تصل اليه، وهكذا فقد أسس سماحته مدرسة فكرية خاصة به ذات معالم واضحة في علوم الفقه والتفسير والفلسفة الإسلامية والبلاغة وأصول الفقه والحديث.
مشايخه
تتلمذ الإمام الخوئي (قدس سره) على كوكبة من أكابر علماء الفقه والأصول، ومراجع الدين العظام في بحوث الخارج، ومن أشهر أساتذته البارزين:
آية الله الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة، المتوفى سنة ١٣٣٩هـ.
آية الله الشيخ مهدي المازندراني، المتوفى سنة ١٣٤٢هـ.
آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي، ١٢٧٨-١٣٦١هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين الغروي، ١٢٩٦-١٣٦١هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين النائيني، ١٢٧٣-١٣٥٥هـ، الذي كان آخر أساتذته.
كما حضر قدس سره، ولفترات محددة عند كل من:
آية الله السيد حسين البادكوبه أي، ١٢٩٣-١٣٥٨هـ، في الحكمة والفلسفة.
آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي، ١٢٨٢-١٣٥٢هـ، في علم الكلام والتفسير.
آية الله السيد ميرزا علي آقا القاضي، ١٢٨٥-١٣٦٦هـ، في الاخلاق والسير والسلوك والعرفان.
وقد نال درجة الإجتهاد في فترة مبكرة من عمره الشريف، وشغل منبر الدرس لفترة تمتد إلى أكثر من سبعين عاما، ولذا لقب بـ ‘‘ أستاذ العلماء والمجتهدين ‘‘.
وله إجازة في الحديث يرويها عن شيخه النائيني عن طريق خاتمة المحديثين النوري، المذكور في آخر كتاب ‘‘ مستدرك الوسائل ‘‘ لكتب الإمامية، وأهمها الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والإستبصار، ووسائل الشيعة، وبحار الأنوار، والوافي، كما وله إجازة بالرواية عن طرق العامة، عن العلامة الشهير السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي قدس سره، المتوفى سنة ١٣٧٧هـ.
مؤلفاته
لقد ألف سماحته عشرات الكتب في شتى الحقول العلمية المختلفة نذكر المطبوع منها:
١- أجود التقريرات، في أصول الفقه.
٢- البيان، في علم التفسير.
٣- نفحات الإعجاز، في علوم القرآن.
٤- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، في علم الرجال، في 24 مجلدا.
٥- منهاج الصالحين، في بيان أحكام الفقه، في مجلدين وقد طبع 28 مرة.
٦- مناسك الحج، في الفقه.
٧- رسالة في اللباس المشكوك، في الفقه.
٨- توضيح المسائل، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه، طبع أكثر من ثلاثين مرة وبعدة لغات.
٩- المسائل المنتخبة، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه باللغة العربية، طبع أكثر من عشرين مرة.
١٠- تكملة منهاج الصالحين، في بيان أحكام الفقه، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
١١- مباني تكملة المنهاج، في أسانيد الأحكام الفقهية، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
١٢- تعليقة العروة الوثقى، لبيان آرائه الفقهية على كتاب ‘‘ العروة الوثقى ‘‘ لفقيه الطائفة المغفور له آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره، كما ولا يزال بعض الآخر من مؤلفاته مخطوطا.
تلامذته
لقد تتلمذ بين يدي سماحته عدد كبير من أفاضل العلماء المنتشرين في المراكز والحوزات العلمية الدينية الشيعية في أنحاء العالم، والذين يعدون من أبرز المجتهدين من بعده، ومنهم :
١- آية الله السيد علي البهشتي – العراق.
٢- آية الله السيد علي السيستاني – العراق.
٣- آية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض – العراق.
٤- آية الله الشيخ ميرزا علي الفلسفي – ايران.
٥- آية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي – ايران.
٦- آية الله السيد محمدرضا الخلخالي – العراق.
٧- آية الله الشيخ محمد آصف المحسني – افغانستان.
٨- آية الله السيد علي السيد حسين مكي – سوريا.
٩- آية الله السيد تقي السيد حسين القمي – ايران.
١٠- آية الله الشيخ حسين وحيد الخراساني – ايران.
١١- آية الله السيدعلاء الدين بحرالعلوم – العراق.
١٢- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا علي الغروي – العراق.
١٣- آية الله المرحوم السيد محمد الروحاني – ايران.
١٤- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا يوسف الايرواني – ايران.
١٥- آية الله المرحوم السيد محي الدين الغريفي – البحرين.
١٦- آية الله الشهيد السيد عبدالصاحب الحكيم – العراق.
١٧- آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر – العراق.
وغيرهم كثير من السادة العلماء والمشايخ الكبار وأفاضل الأساتذة، ممن تتلمذ على الإمام مباشرة أو على تلامذته في جميع الحوزات العلمية الدينية المعروفة.
تقريرات بحوثه
وقد ترك آية الله العظمى الإمام الخوئي (قدس سره) أبحاثا قيمة كثيرة في حقلي الفقه والأصول، وهي الدروس ألتي كان يلقيها سماحته خلال مدة تزيد على نصف قرن على عدد كبير من أفاضل العلماء وأساتذة الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف، من المجتهدين ذوي الاختصاص في الدراسات الدينية العليا، المعروفة بـ ‘‘ البحث الخارج ‘‘ ( فقد ابتدأ رضوان الله تعالى عليه، بتدريس بحث الخارج سنة ١٣٥٢ إلى ١٤١٠هـ، من دون انقطاع ) وقد قررت ودوّنت نظرياته الجديدة، وآرائه العلمية القيمة تلك في تقريرات كثير من السادة والمشايخ العلماء من تلامذته الأفاضل، وألتي تعتبر اليوم من أمهات المصادر الفقهية والأصولية الحديثة للباحثين والعلماء، مما لا يستغني منها الأساتذة والطلاب معا، وعليها يدور رحى البحوث والدروس في هذين الحقلين في جميع الحوزات الدينية المعروفة.
ومن تلك البحوث ألتي عرضت على سماحته وأجاز طبعها هي:
١- التنقيح في شرح العروة الوثقى : تقرير آية الله الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي رحمه الله في مجلد واحد يبحث عن الإجتهاد والتقليد وتسع مجلدات في الطهارة.
٢- تحرير العروة الوثقى، تقرير الشيخ قربانعلي الكابلي (قدس سره)، جزء واحد (فقه).
٣- دروس في فقه الشيعة، تقرير السيد محمد مهدي الخلخالي، أربعة أجزاء(فقه).
٤- محاضرات في أصول الفقه : تقرير آية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض حفظه الله يبحث في أربع مجلدات مباحث أصول الفقه قسم الألفاظ.
٥- المستند في شرح العروة الوثقى : تقرير آية الله الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي رحمه الله في عشر مجلدات تبحث عن الصلاة ومجلدان في الصوم ومجلدان في الزكاة ومجلد واحد في الخمس ومجلد واحد في الإجارة.
٦- الدرر الغوالي في فروع العلم الاجمالي، تقرير الشيخ رضا اللطفي، جزء واحد (اصول).
٧- مباني الإستنباط، تقرير السيد ابوالقاسم الكوكبي، أربعة أجزاء (اصول).
٨- مصباح الفقاهة : تقرير آية الله الشيخ ميرزا محمد علي التوحيدي رحمه الله خمس مجلدات يبحث في المكاسب المحرمة والبيع والخيارات.
٩- مصابيح الأصول تقرير آية الله الشهيد السيد علاء الدين بحر العلوم رحمه الله؛ في مجلد واحد من مباحث الألفاط لعلم الأصول.
١٠- المعتمد في شرح العروة الوثقى وفي شرح المناسك : تقرير آية الله الشهيد السيد محمد رضا الموسوي الخلخالي رحمه الله في أربع مجلدات تبحث في الحج.
١١- مصباح الأصول : تقرير آية الله الشهيد السيد محمد سرور الواعظ البهسودي رحمه الله يبحث في مجلدين مباحث أصول الفقه قسم الحجج والأصول العملية
١٢- المباني في شرح العروة الوثقى : تقرير العلامة الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد تقي الخوئي رحمه الله في مجلدين تبحث في النكاح ومجلد واحد في المضاربة والمساقاة.
١٣- دراسات في الأصول العملية، تقرير السيد علي الحسيني الشاهرودي (قدس سره)، جزء واحد(اصول).
١٤- فقه العترة في زكاة الفطرة، تقرير الشهيد السيد محمد تقي الجلالي (قدس سره)، جزء واحد (فقه).
١٥- الرأي السديد في الإجتهاد والتقليد، تقرير الشيخ غلام رضا عرفانيان (قدس سره)، جزء واحد(فقه).
١٦- محاضرات في الفقه الجعفري، السيد علي الحسيني الشاهرودي(قدس سره)، اربعة أجزاء (فقه).
١٧- جواهر الأصول تقرير آية الله الشيخ فخر الدين الزنجاني حفظه الله.
١٨- رسالة في الأمر بين الأمرين : تقرير آية الله الشيخ محمد تقي الجعفري رحمه الله يبحث في موضوع كلامي.
١٩- رسالة في الرضاع : تقرير آية الله الشيخ محمد تقي الإيرواني رحمه الله وآية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي حفظه الله.
مرجعيته
تدّرج سماحته في نبوغه طالبا للعلم، فأستاذا، ثم مجتهدا ومحققا يفوق المجتهدين، فما أن التحق في عنفوان شبابه بدروس الخارج وتقرير بحوث أساتذته على زملائه، سرعان ما عقب شيوخه في أروقة العلم، بالتصدي لتدريس بحث الخارج، فانهالت عليه هجرة طالبي العلم من كل مكان، وقلدته المرجعية العليا جميع مسؤولياتها وشؤونها، حتى أصبح زعيمها دون منازع، ومرجعا أعلى للمسلمين الشيعة، يقلده ملايين المؤمنين من أتباع مذهب الإمامية في مختلف بقاع العالم، وطبعت رسائله العملية لبيان الأحكام الشرعية لمقلديه وبعدة لغات، وتلك بفضل نبوغه وتضلعه في مختلف العلوم الإسلامية، وبلوغه الغاية من التقوى، وألمعيته في إدارة الحوزات، وإهتمامه البالغ برفع مستوى العلماء، علميا ومعيشيا، وفي رعايته للمسلمين عموما. فكان (قدس سره) منذ أيامه الأولى يعدّ بحق، زعيمها الواعد، حتى أصبح رمزا بارزا من رموز المرجعية الرشيدة، وعلما من أعلام الإسلام، يخفق على قمة الحوزات العلمية في كل مكان.
خدماته الاجتماعية
لم تتوقف قضية الخدمة والإهتمام بالشؤون الاجتماعية لديه عند حد دون حد، أو بلد دون بلد بل كان للامة بحق بمثابة الاب المشفق على ابنائه والمرجع الاعلى لهم، ومثلا لقيادة أهل البيت عليهم السلام، الذين هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله، الذى يصفه الله تعالى بقوله (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، وقد تجلت هذه المشاعر الابوية بشكل عملي واضح في كل يوم من ايام حياته الشريفة، وخصوصا في المحن والشدائد ألتي حفل بها تاريخ هذه الامة المعاصر.
كان الإمام الراحل يحمل بين جنبيه قلبا كبيرا يتحرق ويتألم لمعاناة المسلمين، ولم يكتف بالتحرق الصادق بل قام بكل ما كان بوسعه لمساعدتهم عمليا، وتخفيف معاناتهم. وكان رضوان الله تعالى عليه يتابع بنفسه اخبار المسلمين ويصرف وقتا غير قليل من وقته الثمين، لمتابعة أهم الأخبار ألتي تتعلق بالإسلام والمسلمين، وطالما كان يؤرق ويترك النوم جرّاء حادثة محزنة يمني بها المسلمون هنا أو هناك ويمكن تناول خمسة محاور رئيسية لتوضيح إهتمام ورعاية الإمام الراحل بشؤون الامة:
أولا : الحوزات العلمية :
لقد تجاوزت رعاية الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه للحوزات العلمية كل الحدود السابقة ألتي كانت مألوفة قبل مرجعيته العامة. فبعد أن كان الإهتمام منصبا على رعاية طلاب ومدرسي حوزة النجف الأشرف وقم المقدسة ومشهد المقدس في خراسان، فقد توسع إهتمام الإمام السيد الخوئي رضوان الله تعالى عليه ليشمل الحوزات العلمية في كل المدن العراقية والإيرانية بتوسع أكثر، فشمل المدارس العلمية في باكستان والهند، ثم تايلند وبنغلاديش، ثم افريقيا، ثم اوروبا وامريكا.
وكذلك من جانب الرعاية المالية حيث لم تشهد الحوزات العلمية ازدهارا معاشيا في عصورها المختلفة كما شهدت تحت رعاية الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه.
ومن جانب التوسع الكمي والكيفي اللذين شهدتهما الحوزات العلمية تحت توجيهاته ورعايته، فيكفي ذكر انه أمر بإنشاء عشرات المدارس العلمية ألتي أصبحت مراكز للتعليم والتعلم في بلاد كثيرة، نذكر بعضا منها في بلاد الهند وبنغلادش، كمدرسة صاحب الزمان في كهولنا – بنغلاديش، ومدرسة أهل البيت في هوالي – البنغال الغربية، ومدرسة أميرالمؤمنين ألتي تعد اليوم نموذجا للحوزات العلمية في تلك البلاد، ومدرسة الإمام الباقر عليه السلام في بهيوندي، ومدرسة الإمام المهدي في علي ئور، والمدرسة الإيمانية في نبراس والحوزة العلمية في حيدر آباد، بالإضافة إلى كثير من المدارس المنتشرة في أنحاء البلاد الهندية ألتي أنشئت بأمره، أوألتي تم احياؤها بعد أن اضمحلت بسبب صروف الدهر.
ولن ينسى أربعون مليون مسلما شيعيا في الهند، أن الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه، كان محيي الحوزات العلمية والمراكز الدينية وباعث النهضة الإسلامية الجديدة في ربوع تلك البلاد الواسعة.
وأما في باكستان فقد تأسست العشرات من المدارس العلمية وازدهرت عشرات أخرى بسبب الإهتمام الكبير الذي اولاه هذا المرجع العظيم، وفي افريقيا أنشئت بأمره وتحت رعايته مدارس علمية في عدة بلدان، خرّجت المبلغين الكثر الذين يرشدون الناس إلى دين الحق. وفي بريطانيا انشئت مدرسة السيد الخوئي في لندن للدراسات الحوزوية، وفي امريكا الشمالية انشئت المدرسة الدينية في مدينة مداينا وكذلك في لبنان وسوريا وتركيا، فان رعاية سماحة الإمام الراحل عبر وكلائه قد أدت إلى تطور كبير في وضع طلبة العلوم الدينية في تلك البلاد، مضافا لما قدمه من خدمات جليلة وما أضفى على الحوزات العلمية الرئيسية ومدارسها ومكتباتها ووضع طلابها وأساتذتها كحوزة النجف الأشرف وحوزة قم المقدسة وحوزة مشهد الرضوي، بتوابعها المختلفة المتعددة، ألتي تعتبر اليوم أساس وقوام الحوزات الدينية للطائفة وبإختصار يمكن القول بأن الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه، كان رائد النهضة العلمية الحديثة وراعيها في العالم الإسلامي الشيعي المعاصر من دون منازع.
ثانيا : المشاريع :
لقد كان الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ينتظر لسنوات طويلة أن تتوفر لديه الإمكانات اللازمة لإنشاء مشاريع كبيرة يستمر نفعها إلى الأجيال القادمة وتتسع دائرة الإستفادة منها إلى أبعد حد ممكن كان ذلك إدراكا منه بطبيعة ظروف هذا العصر، وضرورة إنشاء المشاريع ألتي ترفع شأن المؤمنين وتوفر لهم مصدرا ومركزا باقيا من مراكز النفع العام، فتوجه رضوان الله تعالى عليه إلى انشاء مدينة متكاملة لطلاب العلم ومدرسي الحوزة العلمية في قم المقدسة وهي اليوم مدينة شامخة باسم ‘‘ مدينة العلم ‘‘ وهي غنية عن التعريف لشهرتها وذيوع صيتها في أوساط أهل العلم.
كما أنشيء بأمره رضوان الله تعالى عليه، مدرسة علمية في مدينة مشهد المقدسة تعد أكبر مدرسة علمية حوزوية في العالم الشيعي أجمع، وهي عماد ومركز الحوزة في الوقت الحاضر، وفي لبنان كان مشروعه الكبير المعروف باسم ‘‘ مبرة الإمام الخوئي ‘‘ دارا للأيتام، تضم اليوم أكثر من الف ومائتي يتيم ويتيمة، يعيشون منعمين بوسائل الراحة والرعاية، وقد شهدت بعض المنظمات الدولية المتخصصة، لهذه المبرة، بأنها من أفضل دور رعاية الأيتام في منطقة الشرق الأوسط.
ومضافا لما ذكر في الهند، فقد تفضل رضوان الله تعالى عليه بالأمر بإنشاء مجمع ثقافي ضخم قرب مدينة بومبي على مساحة من الأرض تقارب المليون قدم مربع، يعد أكبر مشروع اسلامي شيعي في العالم على الاطلاق، يشمل مدارسا وثانويات وكليات أكاديمية، ومدارسا حوزوية، ومعاهدا مهنية، ومستشفى كبيرا، ومسجدا ضخما وتوابعا كثيرة، تجعل من المشروع مدينة متكاملة.
وهذا المشروع الثقافي الخيري الإسلامي العملاق لوحده كاف لبيان عظمة الإمام الراحل وسعة افقه وبعد نظره، وعلوّ همته كما وقد أمر رضوان الله تعالى عليه بإنشاء مشروع تعليمي ضخم آخر في مدينة اسلام آباد في باكستان.
كما وأن مشروع المركز الإسلامي للإمام الراحل مشهور في نيويورك، ومعه مدرسة للاطفال ألتي أصبحت محط آمال المؤمنين هناك، لانها السبيل الوحيد لانقاذ أبنائهم من الضياع في ذلك المجتمع الملوث الفاسد وهناك مشاريع كثيرة تفضل سماحته بدعمها ماديا ومعنويا منتشرة في أنحاء العالم كالمكتبات العامة والمشاريع المتعددة في العراق وباكستان والهند وتايلند وافريقيا وغيرها من البلاد.
وينبغي أن نوضح هنا جانبا هاما آخر من جوانب رعاية سماحته رضوان الله تعالى عليه للمشاريع النافعة، وذلك عن طريق إجازاته السخية للمؤمنين بدفع الحقوق الشرعية المتعلقة بذمتهم للمشاريع الخيرية العامة مباشرة، ولا نبالغ اذا قلنا أن الألوف من المدارس والمساجد والحسينيات ودور الأيتام والمستشفيات والمستوصفات وغيرها من مشاريع الخير لم تكن تنجح وتتطور لولا إجازات سماحته ودعمه المادي والمعنوي لها، وهي منتشرة في أنحاء المعمورة، ويحتاج رصدها إلى كتاب ضخم.
كما أن رعايته رضوان الله تعالى عليه للامة تجاوزت ذلك الحد وتعدته إلى تشجيعه للرجال المخلصين أن ينظموا صفوف الأمة وينظموا أعمالها ومشاريعها وخدماتها. فكان رحمه الله تعالى، يشجع كثيرا ويؤكد على (تنظيم الأمور) في الأعمال الدينية والخيرية والإجتماعية ولقد لقيت منه الجمعيات الشيعية المعروفة والنشيطة في مختلف البلدان كل الدعم والأسناد والتأييد، بل أجاز بعضها بإستلام الحقوق الشرعية وصرف جزء منها في المشاريع النافعة للامة.
وكم هو ضروري لنا وللعاملين جميعا الإستمرار على هدى مرجعنا الأعلى الراحل رضوان الله تعالى عليه، والسير قدما في تنظيم صفوف المسلمين وأتباع أهل البيت عليهم السلام وتنسيق جهودهم، ففي ذلك عزهم وفوزهم في الدنيا والآخرة.
ثالثا : مواقفه في معالجة أضرار الكوارث الطبيعية :
كان الإمام الخوئي رضوان الله تعالى عليه سبّاقا لإغاثة الملهوفين ونجدة المنكوبين في أية بقعة من بقاع الأرض يسكنها اتباع آل البيت ويتوطن فيها التشيع، وليس أدل على ذلك من موقفه الرائع لإغاثة المنكوبين في الزلزال الأخير الذي ضرب أجزاء من شمال ايران، حتى أسعفهم بمبلغ تجاوز المليون دولار امريكي لإعادة الإعمار وبناء وتعمير المدارس والمنازل والمرافق العامة والقرى المتضررة، وكذلك مساعدته الفورية لمنكوبي الخسف الذى أصاب كركيل في كشمير قبل بضع سنوات، وكذلك مساعدته لضحايا الجفاف في الهند.
رابعا : مواقفه في الأزمات والمحن :
كان حريصا على متابعة الأزمات والمحن ألتي يتعرض لها المؤمنون والمسلمون في انحاء الأرض ويسعي بكل جهده لمساعدتهم ففي ايام الحرب العراقية الإيرانية قدم رضوان الله تعالى عليه لمنكوبي ومشردي الحرب كل انواع الرعاية والمساعدات الممكنة. وكان في الوقت نفسه طودا شامخا أمام الظالم الطاغية الذي حاول بكل وسائل الضغط والإيذاء أن ينتزع منه ولو كلمة واحدة لصالح نظامه الجائر فلم يفلح وانتصر الصبر الحسني والجهاد الراسخ للإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه على ظلم الطاغية ودهائه خصوصا أن المعونات والخدمات كانت متواصلة في المدن على طرفي النزاع تقدم المساعدات وتقدم الخدمات للمتضررين المقهورين في ايران والعراق طوال ثمان سنوات من الحرب وبعدها.
وكان موقفه رضوان الله تعالى عليه من محنة المسلمين في افغانستان واضحا جليا، فقد قدم كل انواع الدعم، حتى انه أجاز المؤمنين بدفع الحقوق الشرعية لتمويل عمليات الجهاد ضد الغزاة السوفيت وكان رضوان الله تعالى عليه يرسل مبالغ كبيرة مباشرة لدعم جهاد المؤمنين الأفغان ضد الكفار.
و في لبنان وفلسطين كان الإمام رضوان الله تعالى عليه يشجب باستمرار أعمال اعداء الإسلام، ويستنهض المسلمين لجمع صفوفهم في مواجهة عدوهم، وكان اضافة إلى ذلك يرعى فقراء لبنان بتوزيع المواد الغذائية عليهم، ويدعم الوجود الإسلامي لهم بكل الوسائل الممكنة.
كما وفي أثناء غزو الكويت من قبل النظام الجائر في العراق عام ١٩٩٠م، كان للإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه أروع المواقف في احتضان أبناء الكويت المشردين والمنكوبين، فقد أمر وكلائه في كافة البلاد ألتي تواجدوا فيها، لإحتضان أبناء الكويت المشردين من بلادهم، وبدفع مبالغ كافية لرعاية شؤونهم وعوائلهم، إلى أن انجلت الأزمة، وأصدر فتواه الشهيرة إبان الغزو الغاشم، بحرمة الإستفادة او البيع والشراء من مسروقات الكويت، وهو يرزخ في العراق تحت سلطة النظام الجائر الذي لا يرحم.
وكذلك موقفه الخيّر في مساعدة المظلومين من المهربين العراقيين قبل الإنتفاضة الأخيرة وبعدها في الخارج، ورعاية أهليهم في الداخل، وغير ذلك من المواقف ألتي تثبت أنه كان رضوان الله تعالى عليه، كهفا يلوذ به اللائذون ويلجأ اليه المؤمنون.
خامسا : تأسيس مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية :
أمر سماحة الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه بتأسيس مؤسسة خيرية عالمية مسجلة رسميا، تجاوبا مع إحساسه بضرورة إرساء قواعد مؤسسات قوية قادرة على تقديم خدمات مستمرة للمؤمنين فلقد كانت المرجعيات الدينية تبني بنيانها وترعاه، حتى اذا توفي المرجع توقف النمو وتراجع تدريجيا بينما تقوم مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية بوضعها الشرعي والقانوني اليوم برعاية المشاريع الكبرى ألتي أسسها سماحة الإمام رضوان الله تعالى عليه، وهي مؤهلة للإستمرار لوقت طويل جدا أن شاء الله تعالى في خدمة المسلمين.
ان تأسيس هذه المؤسسة بادرة مباركة ترسي مشاريع الطائفة على أسس قوية وتكلف لها الإستمرار والتطور، وهي إنجاز رائع وخطوة شجاعة قام بها المرجع الاعلى الذي ترك لهذه الأمة تراثا ضخما من العلم والعلماء، والمساجد والمدارس، والمشاريع النافعة… وفوق كل ذلك المباديء العظيمة ألتي عاش من اجلها وكرس كل حياته الشريفة لها … الا وهي إعلاء كلمة الله تعالى ورفع راية محمد وآل محمد صلوات الله تعالى عليهم، وخدمة المؤمنين.
نسبه الشريف
١- أبو القاسم ٢- بن علي أكبر ٣- بن هاشم ٤- بن تاج الدين ٥- بن علي أكبر ٦- بن قاسم ٧- بن ولي ٨- بن علي ٩- بن رحمة الله ١٠- بن علي ١١- بن ولي ١٢- بن صادق ١٣- بن خان ١٤- بن تاج الدين ١٥- بن علي ١٦- بن محمد ١٧- بن أحمد ١٨-بن حسن ١٩- بن مرتضى ٢٠- بن محراب ٢١- بن محمد ٢٢- بن محمود ٢٣- بن أحمد ٢٤- بن حسين ٢٥- بن عبد الله ٢٦- بن محمد العابد ٢٧- بن الأمام موسى الكاظم (ع) ٢٨- بن الإمام جعفر الصادق ٢٩- بن الإمام محمد الباقر ٣٠- بن الإمام علي زين العابدين ٣١- بن الإمام حسين الشهيد ٣٢- بن الإمام علي أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء ٣٣- بنت رسول الله محمد (ص).
وفاته (قدس سره الشريف)
توفي المرجع السيد أبو القاسم الخوئي (قده) في العراق في مدينة النجف الأشرف يوم الثامن من صفر الخير 1413 هجرية التي توافق سنة 1992 وقد صلى على جثمانه سماحة المرجع السيد علي السيستاني في مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
المصدر:
١- كتاب النسب تأليف السيد محمد حسين الحسيني مطبعة النجمة ١٩٩٨م
٢- كامل مزارات أهل البيت عليهم السلام في العراق تأليف السيد قاسم الحسيني الجلالي
٣- كتاب مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف تأليف كاظم عبود الفتلاوي