هناك بعض المعاني والتراكيب التي يصعب على المترجم ترجمتها، خاصة في ظل الفوارق والمميزات اللغوية والثقافية لكل لغة ، وقد تضطر الترجمة -في هذه الحالة- إلى التضحية بأحد المكونات التي ترتكز عليها للوصول إلى مرحلة الكمال، ولا ضير في ذلك، فخلال أي عملية تواصل بشري تفقد الرسالة المنقولة بين (المرسل- صاحب النص) و(المتلقي- القارئ/ السامع) بعضاً من مكوناتها حتى في اللغة الواحدة، إذ أن (الرسالة/ النص) تتأثر بعوامل عديدة بعضها يتعلق بالمرسل، وبعضها بالمتلقي والبعض الآخر بالوسط الذي يتم من خلاله نقل هذه الرسالة، ويدفعنا هذا إلى التركيز على أن دور المترجم ليس الوصول إلى حالة التطابق التام بين النص الأصلي بلغة المصدر والنص المترجم بلغة الهدف، فهذا التطابق التام مستحيل، بل إن دور المترجم هو السعي إلى الوصول لهذا التطابق دون يقين بتحقيقه، أي محاولة إيجاد نص مكافئ يكاد يقترب من النص الأصلي، فالمترجم يسعى لمحاكاة محتوى ومضمون النص الأصلي بلغة الهدف، وهو في ذلك يركز على إحداث أقصى قدر من المقاربة بين النص المصدر والنص الهدف، ومن ثم فإن الإصرار على الوصول إلى المطابقة بين النصين –المصدر والهدف- ينطوي على قدر كبير من الظلم للمترجم، فقد يستطيع المترجم التغلب على الصعوبات اللغوية، والنجاح في عملية المواءمة الثقافية، إلا أنه لا يمكننا أن نضمن أن يكون المترجم على نفس مستوى صاحب النص، ويستطيع مجاراته في كل سماته الشخصية التي يعكسها النص، اللهم إلا إذا كان المترجم هو نفسه صاحب النص الأصلي.
قد يحسب البعض أن إحداث التكافؤ Equivalence أقل شأناً أو أنه أيسر من إتمام التطابق Adequateness، وهذا خطأ واضح، فالتطابق بين اللغات مستحيل، وبالتالي يتأثر المخرج النهائي للترجمة إذا ما أصر المترجم على إخراج نص مترجم يطابق النص الأصلي، خاصة وأن التطابق تغلب عليه المعايير الكمية والشكلية مثل عدد الألفاظ، وقالب النص، أما التكافؤ فيتخطى ذلك بكثير إلى مراحل أعمق وآفاق أوسع وأشمل، فنجد أن سعي المترجم لإيجاد النص المكافئ يدفعه إلى التعمق في دراسة المقصود من النص الأصلي، واستخلاص الأفكار الضمنية التي احتواها، والتعبير عن المجازات والمحسنات الأسلوبية من خلال ما هو موجود في اللغة الهدف.
إننا إذا نظرنا إلى ترتيب المتطلبات التي تسعى الترجمة إلى تحقيقها من خلال عملية الترجمة، سنجد أن تحديد وتوصيل المعنى الذي تضمنه النص الأصلي يأتي على رأس هذه الأولويات، بل ويشكل النسبة الأكبر من اهتمام المترجم، ويليه بعد ذلك إيجاد المكافئ الدلالي في اللغة الهدف بما يضمن توصيل المعنى المقصود في النص الأصلي، وبعدهما يأتي الاهتمام بمحاكاة الأسلوب والمكونات الشكلية للنص، لذا فإنه يتعين على المترجم أن ينظر إلى النص الذي يسعى إلى ترجمته وكأن هذا النص كائن حي، روحه هي المعنى وجسده الصفات الشكلية للنص، وعلى المترجم أن يحافظ على هذه الروح في صورة هذا الجسد قدر ما يمكنه، وإن اقتضت الضرورة التضحية بأي مكون من المكونات، فليكن اختيار المترجم هو أن يصيب البدن، أو يجرحه بدلاً من أن يزهق روح النص ويقتله.