السعودية وإيران : خصومة عصيّةٌ على الحلّ

253

1376504439

«نسأل الله أن يقينا شرهم».. هكذا نقلت برقية من السفارة الأمريكية في الرياض سربها موقع ويكيليكس عن العاهل السعودي الملك عبد الله قوله لمسؤولين أمريكيين في إشارة لإيران. وفي برقية أخرى قال لدبلوماسيين سعوديين إنه يريد أن تقطع واشنطن «رأس الأفعى».

وعلى الجانب الآخر من الخليج يظهر أيضا ازدراء إيران للسعودية من خلال تقرير نقله موقع مشرق الالكتروني المتشدد وجاء به أن الأسرة الحاكمة بالسعودية «غارقة في الفساد والعهر. »

ووسط هذه الأجواء المسممة يأتي الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني ويعد بتحسين علاقة قد تكون هي الأسوأ بين بلدين في الشرق الأوسط برمته.

والبغضاء بين السعودية وإيران – والتي أججت عنفا دام عشر سنوات في المنطقة – من القوة بحيث يصعب إضفاء أي مبالغة عليها.

في سوريا والعراق ولبنان واليمن تدعم الدولتان قوى بالوكالة في صراعات إما مستترة أو علنية يروح ضحيتها الالاف شهريا.

ففي سوريا تتبادل السعودية وإيران الاتهامات بالمسؤولية عن حمام الدم حيث تدعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد وتمول السعودية مقاتلي المعارضة الساعين للاطاحة به. وفي العراق وصل العنف الطائفي إلى أسوأ مستوياته منذ عام 2008.

وتتهم السعودية إيران بتأجيج الاضطرابات في البحرين بل وفيها هي نفسها بينما تتهم طهران الرياض بالتآمر مع واشنطن على تدميرها.

لكن روحاني – وهو من المعتدلين نسبيا بعد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد – يقول إنه يريد أن يقيم علاقة ودية مع السعودية. ومما يبعث على الامل في حدوث ذلك خبرة الرئيس الإيراني الجديد في التفاوض مع الرياض.

قال روحاني في مؤتمر صحفي في يونيو حزيران «أتمنى أن تكون لنا إن شاء الله خلال فترة الحكم القادمة علاقات جيدة جدا مع الجيران وخصوصا السعودية. »

لكن لا يرى كثيرون أن بمقدور روحاني أن ينزع السم من الخصومة القائمة بين الدولتين الواقعتين في قلب منطقة الشرق الأوسط.

كوكاكولا وبيبسي..

من مصلحة السعودية وإيران التحدث إلى بعضهما البعض. فالسعودية تريد أن تتوقف إيران عما تصفه بالتدخل في شؤون الدول العربية بدعم الشيعة أو حلفائهم في سوريا والعراق ولبنان والبحرين واليمن وفي السعودية نفسها.

وفي المقابل تريد طهران أن تكف الرياض عن الحث على شن عمل عسكري على المواقع الذرية الإيرانية وعن تعزيز العقوبات الغربية من خلال زيادة الامدادات النفطية لتعويض النقص الناجم عن حظر الخام الإيراني.

وأبدى روحاني والملك عبد الله استعدادا في الماضي لتحقيق السلام.

وعندما كان روحاني رئيسا للمجلس الأعلى للأمن القومي في إيران في عام 1998 قضى ليلة بأكملها في التفاوض مع الأمير نايف وزير الداخلية السعودي الراحل بشأن اتفاقية أمنية مع المملكة بعد توتر دام سنوات.

وبتوقيع هذه الاتفاقية تغاضى الملك عبد الله عن شكوك سعودية وأمريكية في مسؤولية إيران عن تفجير ثكنات أمريكية بمدينة الخبر السعودية عام 1996. كما نحت إيران جانبا ذكريات ما حدث في موسم الحج عام 1987 عندما قتل المئات من حجاجها في اشتباكات مع قوات الأمن السعودية.

قال روبرت جوردان سفير الولايات المتحدة في الرياض من عام 2001 إلى 2003 «الملك عبد الله يعرف روحاني منذ فترة. أعتقد أن علاقتهما طيبة وأفضل بكثير من علاقته بأحمدي نجاد. يمتلك الاثنان قدرة على التواصل بقدر من الاحترام. »

لكن رغم أن التاريخ قد يبشر بانفتاح في الجانبين إزاء فكرة التعاون يرى محللون ومسؤولون ودبلوماسيون أن فرصة التقارب محدودة.

فالظروف ساءت بكثير عما كانت عليه عند توقيع الاتفاق الأمني قبل 15 عاما مع كثرة الحروب الأهلية والانتفاضات بالمنطقة.

وفي مارس اذار 2009 زار وزير الخارجية الإيراني السابق منوشهر متكي الرياض في محاولة لتهدئة التوتر بين الدولتين لكن اجتماعه بالملك عبد الله لم يسر على ما يرام.

وبعد ذلك بأيام أبلغ الملك عبد الله المستشار الأمريكي لمكافحة الارهاب جون برينان أنه قال للوزير الإيراني «ليس من شأنكم أيها الفرس التدخل في أمور العرب. »

ونقل برينان عن العاهل السعودي قوله «هدف إيران هو إثارة المشاكل.. هناك بلا شك خلل ما لديهم… نسأل الله أن يقينا شرهم. »

ويرسم الزعيم الإيراني الاعلى آية الله علي خامنئي السياسة الخارجية أكثر مما يرسمها رئيس البلاد مما يعني أن انتخاب روحاني للرئاسة لن يغير على الأرجح مواقف طهران تغييرا جذريا.

وقال علي أكبر صالحي وزير الخارجية الايراني المنتهية ولايته في مقابلة مع وكالة مهر للأنباء «هل يمكن أن يفعل أو يقول أحد شيئا دون رأي الزعيم الأعلى؟ » وأضاف أنه منع من زيارة الرياض.

ولا تعقد السعودية آمالا. وشبه عبد الله العسكر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي الفارق بين روحاني وأحمدي نجاد بالفارق بين «كوكاكولا وبيبسي. »

وقال لرويترز «لا أعتقد أنه سيفعل مثلما فعل أحمدي نجاد ويتحدث بغلظة… لكن عندما يصل الأمر إلى الملفات الرئيسية أعتقد أنه سيعمل داخل إطار يرسمه خامنئي. »

وقالت صحيفة سعودي جازيت في مقال افتتاحي الاسبوع الماضي «إيران ستعود إلى نفس الحيل القديمة ولكن بساحر مختلف. »

مناصرة الأعداء..

أي تحسن في العلاقات سيتوقف بالنسبة للسعودية على وقف دعم إيران للأسد الذي وصف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل هجومه على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية بأنها إبادة جماعية.

ويرجح أن تكون هذه الخطوة خطا أحمر بالنسبة لزعماء إيران الذين يرون في سوريا حلقة مهمة في قدرتهم على ممارسة النفوذ في الشرق الأوسط وصولا إلى لبنان وحدود إسرائيل.

ومما يغضب إيران أكثر من غضبها من سياسة السعودية تجاه سوريا هو قرار اتخذته الرياض العام الماضي بزيادة صادرات الطاقة لتعويض النفط الذي خرج من السوق بعد حظر النفط الخام الايراني في خطوة تعتبر مشاركة فعلية في العقوبات الأمريكية.

وقال ناصر سوداني نائب رئيس لجنة الطاقة بالبرلمان الايراني في يناير كانون الثاني 2012 تعليقا على زيادة امدادات النفط السعودية «بدلا من أن يهبوا لخدمة المسلمين يناصرون أعداء المسلمين ويقفون بجانبهم. »

وتتهم السعودية إيران بمحاولة تأجيج التوتر داخل أقليتها الشيعية وزرع حلقة تجسس على أراضيها كما اتهمتها بمحاولة اغتيال سفيرها في الولايات المتحدة. وتنفي طهران كل هذه الاتهامات.

ويعود تاريخ الخصومة إلى عام 1979 عندما حاولت إيران تصدير ثورتها الاسلامية إلى الشيعة في دول الشرق الأوسط بما فيها السعودية الأمر الذي يخل بتوازن القوى بالمنطقة.

وانحازت السعودية ودول خليجية أخرى إلى ما اعتبرته طهران تحالفا مع الشيطان عندما أخذت جانب صدام حسين الذي غزا إيران عام 1980 حيث مولت حربه لثماني سنوات بينما استخدم هو الأسلحة الكيماوية ضد الجنود والمدنيين الإيرانيين.

وبعد فترة هدوء تدريجية أججت الإطاحة بصدام في عام 2003 صراعا جديدا على النفوذ بين السنة والشيعة في العراق. ودعمت الرياض السنة بينما ساندت طهران الشيعة.

وعلت النبرة الطائفية في الصراع بين الدولتين في السنوات القليلة الماضية ويتبادل رجال الدين فيهما عبارات الازدراء دون مواربة.

ويؤيد الحكام الإيرانيون الشيعة في العالم العربي بما في ذلك الحكومة العراقية وميليشيات في العراق وحزب الله في لبنان ومحتجين في البحرين إضافة إلى الحوثيين في اليمن. وينتمي الأسد إلى الطائفة العلوية المنبثقة عن الشيعة.

وتؤيد السعوية مهد الاسلام والفكر الوهابي المتشدد الجانب الاخر في كل من هذه الصراعات.

وترى الوهابية في التشيع بدعة. وكان الاتباع الأوائل للفكر الوهابي قد هدموا أضرحة للشيعة بالعراق في القرن الثامن العاشر.

وحاول الملك عبد الله التخفيف من الأمر وقال العام الماضي إنه سيؤسس مركزا بالرياض لدراسة الاختلافات بين المذاهب لكن برقية سربها موقع ويكيليكس عام 2006 تسجل له انتقاده الشيعة «لتقديسهم أضرحة وتماثيل وأفرادا. »

وعلى الجانب الاخر يرى الشيعة الوهابية مذهبا خطيرا يؤجج التشدد الطائفي. وأعطت الحرب على الأسد موطيء قدم جديدا لمقاتلي تنظيم القاعدة السنة الذين يستخدمون الدين في تبرير هجمات على العلويين والشيعة في سوريا والعراق.

وقال المحلل محمد صادق الحسيني في مقابلة أجرتها وكالة فارس الاخبارية الايرانية في يوليو تموز «خلقت السعودية القاعدة الجديدة» في إشارة إلى دعم الرياض للمعارضة السورية.

ويقول دبلوماسيون خليجيون إن الرياض تعمل على الحيلولة دون وصول أسلحتها وأموالها إلى الجماعات الإسلامية المتشددة في ائتلاف المعارضة السورية.

ضرر غير عادي..

ولأنه من غير المرجح أن يعدل روحاني عن السياسات التي تعارضها السعودية بشدة لا يبدو هناك مجال كبير لحدوث تقدم بخلاف وجود نبرة أقل عدائية.

وقال علي أنصاري أستاذ التاريخ الايراني في جامعة سانت اندروز البريطانية «إن مستوى الضرر الذي حدث في فترة الثماني إلى العشر سنوات الماضية غير عادي مما يثير سؤالا عما إذا كان الايرانيون يعتقدون أن بإمكانهم تجميل الأمر وحسب أم أنهم مستعدون لاجراء تغييرات حقيقية. »

ومع هذا فإن اتخاذ إيران خطوات مثل استخدام لغة أكثر ميلا للمصالحة في البث الاعلامي المتعلق بالبحرين ودول خليجية أخرى ووقف دعم جماعات يمنية قد تلطف الموقف.

قال جوردان «قد تكون سوريا جسرا بعيدا للغاية لكن من الممكن أن يتوصل الجانبان إلى شكل من أشكال التفاهم المؤقت بشأن وضع الشيعة في البحرين. ولي العهد هناك في موقف يتيح له التفاوض بشكل أفضل وقد يميل إلى المساعدة في التوصل إلى حل. »

ولا يتوقع دبلوماسيون في الخليج تحركا يذكر في قضايا هامشية ولا يرون فرصة كبيرة في استجابة الرياض لمبادرات إيران دون حدوث تغيير كبير في السياسة.

لكن هذا التشكك لم يمنع الإصلاحيين الإيرانيين من الضغط حتى يقدم روحاني غصن زيتون للسعودية في إطار سياسة انتهجها قبله الرئيسان السابقان أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي .

وقال الاصلاحي الايراني سعيد هاجريان في مقابلة صحفية هذا الشهر «أصبح الوضع في سوريا معقدا لدرجة أن العالم الاسلامي انقسم فعليا إلى قسمين.. لدرجة حدوث حرب بالوكالة. »

وأضاف «علينا أن نوضح لهم أن هذه ليست حربا بين السنة والشيعة. وعلينا أن نمنع بكل قوتنا الأطراف المختلفة عن التحريض الديني .

 راصد

العنوان من وضع (االحكمة)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*