اللغة العربية آلة الدين
د. محمد أحمد عبدالهادي رمضان
قال صاحبي: إن اللغة العربية آلة الدين.
قلت: كيف؟ قال: لأنها أقدر وسائل البيان تعبيراً، ومن ثم فهي ملكة مكتسبة، لاستعمال الطاقة التي خلقت في الإنسان، فقام علماء العربية بتوفير أمهات الكتب التعليمية الزاخرة، التي تمثل تجارب تعليمية حقيقية في بيئات عجمية نجحت لتكون مثالا يحتذى، وأسوة تقتدى، حتى كأن كل بيئة في الشرق الإسلامي أو الغرب تحملت أن تثبت قدرتها في تعليم العربية، مع الاتصال بأخواتها، بل ومنافستها، واعتبروا قواعد العلوم الثلاثة في مجملها هي النحو بمفهومه الشامل عند الكلام معنى ومبنى، فالنحو هو النهج العلمي الذي يقابله اللحن.
قال الرافعي: “واللغة لا تخلق على لسان أحد، بل لابد من التقليد والمحاكاة”. ويحل ابن خلدون عقدة كبرى في الميدان فيقول: “إذا سبقت العجمة إلى اللسان قعدت بصاحبها عن تحصيل العلوم باللسان العربي، والسر أن مباحث العلوم إنما هي في المعاني الذهنية والخيالية، فالعلوم الشرعية أكثر مباحثها في الألفاظ، وموادها الأحكام المتلقاة من الكتاب والسنة ولغاتها المؤدية لها، وكلها في الخيال، والعلوم العقلية كلها في الذهن.
ثم يتوجه صاحبي بالنصح إلى المعلم: “وينبغي ألا يطول التعليم في الفن الواحد بتفريق المجالس، لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن، فيعسر حصول الملكة، لأن الملكات تحصل بتتابع العمل وتكراره”.
فابن خلدون يصطفى الكتاب التعليمي الأنسب ليخفف عبء كثرة المؤلفات، ويضع خطة دقيقة لمراحل تعليم اللغة: “وقبل تعلم المنطق لابد من تعلم دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة، ثم دلالة الألفاظ على المعاني المطلوبة، ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال بقوالبها المعروفة في صناعة المنطق ثم تلك المعاني مجردة في الفكر وهي إشراك يقتنص بها المطلوب، وليس كل أحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة، بل ربما وقف الذهن في حجب الألفاظ أو عثر في إشراك الأدلة، وقعد عن تحصيل المطلوب.
فإذا حصل المطلوب فليراجع إلى قوالب الأدلة لإفراغه فيها، وتوفيته حقه من القانون الصناعي.
وبالله التوفيق.
(بوابة الشرق)