المساواة في العمل تُذكّي الإحباط
حسان شعبان*
يشتبه صنّاع القرار بين مفهوم المساواة الذي يساوي بين الموظفين جميعاً في الحقوق والواجبات وبين مفهوم العدل الذي يكافئ الموظفين المتميزين ويعاقب المقصرين، فيضعون القوانين التي تساوي بين الأفراد في الثواب والعقاب من دون الأخذ بعين الاعتبار معايير الكفاءة والفعالية.
بينما كان السائق يقود سيارته بسرعة، فوجئ بثلاثة شبان يجتازون الشارع من دون عناء استخدام جسر المشاة. على يساره لمح فتى يمشي وحيداً على الرصيف. كان عليه أن يتّخذ قراره في ومضات قليلة فجنح سيارته إلى الرصيف، فدهس فتىً واحد أقل خسارة من دهس الشبان الثلاثة.
أغلب من طرحت عليهم هذه المسألة رأوا الصواب في قرار السائق ولربما قارئي هذه السطور أيضاً. يميل الناس غالباً إلى التضحية بالأقلية لصالح الأكثرية من دون أن يتبينوا الحق من الظلم، معتمدين على موازين المساواة الكمية حيث يصبح مبرراً معاقبة فتى التزم بالقانون ومشى على الرصيف ومكافأة شبان مستهترين يعرّضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر. والأرجح أن هؤلاء المخاطرين مُهيؤون لهكذا ظروف طالما أنهم تعمدوا عبور الشارع السريع فلعل بإمكانهم القفز الى جهة أخرى والنجاة، بينما الفتى المغلوب على أمره لم يضع في حسبانه التعرّض للخطر كونه التزم المكان المخصص للمشاة.
ينسحب الأمر أيضاً على عالم الإدارة، إذ يشتبه صنّاع القرار بين مفهوم المساواة الذي يساوي بين الموظفين جميعاً في الحقوق والواجبات وبين مفهوم العدل الذي يكافئ الموظفين المتميزين ويعاقب المقصرين، فيضعون القوانين التي تساوي بين الأفراد في الثواب والعقاب من دون الأخذ بعين الاعتبار معايير الكفاءة والفعالية. فنجد المنظمة تتّخذ إجراءات إدارية صارمة بحق موظف مشهود بكفاءته وفعاليته لأنه أتى إلى العمل متأخراً بضعة دقائق أو خرج قبل انتهاء دوامه من دون أن تتأثر انتاجيته سلباً أو يحدث إرباكاً وتقتر في مكافأته لتميزه. ونرى مؤسسات تزيد رواتب موظفيها بنسبٍ متساوية من دون تقييم إنتاجية وفعالية الأفراد، فيحصل الموظف المجتهد على العلاوة نفسها التي حصل عليها زميله الكسول. ويقوم بعض المدراء بتوزيع المهام المميزة على جميع العاملين معتمدين مبدأ المداورة فيحظى الخامل بالفرص والامتيازات عينها التي يحظى بها الألمعي والماهر.
المساواة مبدأ ظالم في كثيرٍ من الأحيان يُثبط عزيمة الموظفين ويجرهم إلى الإحباط، فالشعور بعدم العدل يتلف الدوافع المحفّزة للعمل على عكس العدالة التي تعطي كل ذي حقٍ حقه فيعم الرضى أرجاء المؤسسة. قد ثبت علمياً بأن الموظفين يحفزون بتحقيق العدالة الاجتماعية في المكافآت التي يتوقعون الحصول عليها مقابل الإنجاز الذي يقومون به. يقول رائد نظرية العدالة في الوظيفة ستايسي أدامز “إن الأفراد يقارنون معدل ما يقدّمونه ويحصّلونه بمعدل ما يقدّمه ويحصّله زملاؤهم ليكوّنوا شعوراً معيناً تجاه العدل”. والمقصود بتقديمات الفرد الجهد والخبرة والمهارة والمؤهلات والالتزام والولاء. وأما محصّلات الفرد فتكون مادية كالراتب والحوافز تارةً ومعنوية كالمركز والتقدير تارةً أخرى.
ليس انعدام التوازن بين ما يقدّمه الفرد مع ما يحصّله دافعاً للإحباط عند الموظف إنما شعور الغبن الذي يتكوّن حينما يعلم بأن زميله يمتلك مكتسبات أكثر منه بالرغم من تساوي تقديماتهما. يرى أدامز أن الموظف الذي يجد نفسه مغبوناً سيسعى لإعادة التوازن في عمله وتحقيق العدالة بلجوئه إلى إحدى الطرق التالية:
-
تغيير التقديمات: يقلّل الموظف من الجهد المبذول في العمل ويخفّف إنتاجيته للتوافق مع مكتسباته.
-
تغيير المحصّلات: يطلب الموظف زيادة على الراتب أو يسعى للحصول على مركز أعلى أو ربما يبحث عن مسارات إضافية لتحقيق النمو والتطور.
-
تغيير تقييم الفرد لنفسه: قد يحاول الموظف بعد شعوره بعدم العدالة إلى إقناع نفسه بأن انتاجيته منخفضة وأن أداءه دون المستوى فيقتنع بأنه لا يستحق ما ناله زملاؤه. ولعل هذه الطريقة هي الأخطر على الموظف لأنها ستدمّر ثقته بذاته وتضعف شخصيته في العمل.
-
تغيير محور المقارنات: قد يسعى الموظف حين شعوره بغياب العدل إلى تبرير ذلك بأن زملاءه المنتفعين يقومون بأعمال غير مهنية للوصول الى مكتسبات إضافية أو الادعاء انهم أكثر حظاً منه أو اعتمادهم على المحسوبيات والوساطات.
-
ترك الموقع: قد يلجأ الموظف إلى طلب نقله إلى قسم أخر أو قد يقرّر ترك العمل في المؤسسة بشكل نهائي.
إن المدير الناجح الذي يسعى إلى الريادة والتألّق يعمل على إرساء قواعد العدالة في العمل معتمداً على سياسة التحفيز لرفع الأداء والكفاءة بشكل مُستدام. ويحرص على وضع أسس ومعايير للحوافز والمكافآت داخل المنشأة مبنية على تقييم الإنتاجيات كماً ونوعاً، ملزماً جميع الموظفين بفهم هذه الأسس والمعايير كي يزيل اللبس حول اّليات الثواب والعقاب وسياسة الترقيات المعتمدة، ويضع أنظمة عادلة لقياس فعالية الأداء لكل فرد كي ينصف موظفيه المميزين ويحث الآخرين على التميّز والتفوّق.
* حسان شعبان رئيس قسم المكاتب الخارجية في قناة الميادين و إداري في غرفة الأخبار، بدأ العمل في قناة الميادين في العام 2012، حائز على ماجيستير في ادارة الاعمال و لديه دراسات حول ادارة المؤسسات الاعلامية و التنمية البشرية.
المصدر: الميادين نت
س ف