“الفيفا” تحرج العرب.. الكاتب الأردني باسل رفايعة

380

Babil

basilباسل رفايعة*

الثلاثاء 29 آذار 2016

لم يكنْ حدثاً عربياً مؤلماً وحزيناً أن يستشهدَ أكثرُ من 40 عراقياً، معظمهم من الأطفال والفتيان في ملعب بابل، في مجزرةٍ همجيَّة، نفذتها عصابةُ “داعش”، بما لا يقلُّ وحشيةً وغدراً عن جرائم باريس وبروكسل ولاهور، وسواها، و”قِسْ على ذلك”.. وهذه مجرد عبارةٍ عابرة لمن يكتبُ مثلي، ولكنَّ الموتَ العراقيَّ لا يُقاسُ حتى بالفجائعِ، ولا يُقاسُ عَلَيْهِ بالدمِ حينَ يسيلُ من العيونِ، ومن الشوارع والمدن، بما يشقُّ على الذاكرة: انتحاريٌّ في ديالى في العيد. آخرُ في البصرة. ثالثٌ في الحلّة.

ولا “تَقِسْ على موت العراقيّين”.. فذلكَ يتيهُ فيه الإحصاءُ، وترتبكُ الأرقامُ. فقط تذكَّرْ أنَّ أزيدَ من 2000 من شبابهم غدرهم الدواعشُ والبعثيون في “سبايكر” قبل نحو عامين، ولعلَّ بعض ذوي الضحايا جلسوا الجمعة الماضية على خطِّ الملعبِ يُصفِّقون لضربةٍ حرةٍ مباشرةٍ، يركلها فتى في ملعب بابل، قبل أنْ تضربَ الفجيعةُ قلوبهم، وتسيلَ الدماءُ على “الطوبة”، وقريباً من نقطة الجزاء.

هذا جزاءُ الفتى الذي كانَ في أشدّ حماسته لتسديد الكرة. لعلَّ اسم الولد “كرار”. يكرهُ الانتحاريُّ الوضيعُ “كرّاراً” ويقتلهُ لأنَّهٌ شيعيٌّ، يلعبُ كُرةَ قدمٍ، هُوَ يقتلُ السنيَّ والمسيحيَّ أيضاً، لكنه يعرفُ أنَّ الصمتَ سينافسُ المقابرَ حينَ يكون الضحايا عراقيين شيعة.

لولا أنه ملعبٌ، يلعبُ فيه الأولاد، لما أصدرَ الاتحادُ الدوليُّ لكُرة القدم بيانَ إدانة. “الفيفا” أحرجت العرب، وذكّرتهم أنّ أطفالاً في العاشرة ماتوا، وتناثرت أجسادهم الصغيرةُ، لأنهم كانوا يمرحون في يوم جمعة، وهي لا تعرفُ شيعتهم، من سنّتهم، ولكنه البروتوكول يقتضي ذلك، وحتى هذا يعجزُ عنه العربُ، حينما يموتُ العراقيُّ، ليسَ منذُ بابل، بل منذ ألف عام.

غداً، تلعبُ منتخباتٌ عربيةٌ عدة في التصفيات المؤهلة لبطولة آسيا، ولكأس العالم. أقلُّ ما يضمدُ في جرحَ العراقيين الغزير والعميق أنْ يلفَّ اللاعبون العرب سواعدهم بشرائط سوداء، حداداً على شهداء ملعب بابل، ويُرفعَ عَلَمُ العراق، وتصمت المدرجاتُ قليلاً، لأجل ملابس رياضية خضَّبها الدمُ على أجسادِ فتية، كانوا يلعبون كُرةَ القدم..

*كاتب أردني

(صحيفة العالم الجديد)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*