ماذا تعرف عن شركات (الأوف شور) وعن (الملاذات الضريبية الآمنة) ؟
582
شارك
الحكمة – متابعة: استفاق العالم على إحدى كبرى عمليات تسريب الوثائق للصحافة في التاريخ؛ إذ سلَّم مصدرٌ مجهولٌ 11.5 مليون ملف سري من سجلات شركة “موساك فونسيكا” ومقرها بنما، التي قدَّمت خدمات لـ 72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين (بعضهم قامت ضده ثورات واحتجاجات) تهدف في النهاية إلى إخفاء أموالهم عن أعين الضرائب والرقابة، وإلى عدم إثارة الكثير من الأسئلة عن مصادرها، وشرعية الحصول عليها.
تضم الوثائق مراسلات بريدية، وحسابات بنكية، وسجلات عملاء يرجع تاريخها إلى 40 عامًا، خاصة بعملاء الشركة الذين لم يقتصروا على “الطُغاة” المعروفين في العالم، ممن قامت ضدهم ثورات الربيع العربي أو عُرفوا بصلاتهم بقضايا فساد وتهريب أموال، بل ضمَّت القائمة 140 سياسيًّا، وأفراد عائلاتهم، وشركاءهم، ومسؤولين حكوميين في إفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
عملية التسريب قادها المصدر المجهول إلى الصحيفة الألمانية “زود دويتشه تسايتونج” (süddeutsche zeitung) منذ عامٍ تقريبًا؛ فقرَّرت الصحيفة مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (icij) وحوالي 400 صحافي عالمي من 107 مؤسسات صحافية في 78 دولةً لتحليل هذا الكم الهائل من البيانات (تذكَّر أنَّنا نتحدَّث عن أكثر من 11 مليون وثيقة) التي جاءت في 2.62 تيرابايت (ألف جيجابايت) من البيانات.
ولكن ما هي شركات (الأوف شور) “offshore company” ؟؟
تعرف شركات (الأوف شور) بشركات تأسست بمناطق وتمارس عملها وأنشطتها بمناطق أخرى، وبالعادة يتم تأسيس هذه الشركات بمناطق ذات ضرائب دخل قليلة أو معدومة ( ملاذات ضريبية) ، حيث تقوم الشركات المؤسسة في هذه المناطق بتأسيس شركات والإستثمار بمناطق أخرى من العالم حيث تساعدها قوانين الإستثمار ببعض الدول من الإفلات من دفع الضرائب مرتين وبحسب القانون الأردني ينبغي على الشركات دفع ضريبة الدخل مرتين حيث تدفع الضرائب على أرباح الشركة قبل التوزيع ثم يدفع المستثمرون الضريبة عن حصتهم من الأرباح، بينما يتيح قانون الإستثمار الأردني للشركات الأجنبية المستثمرة في الأردن عدم دفع الضرائب على الأرباح بعد التوزيع مما يحقق للشركات فائدة عدم دفع الضرائب.
وتتيح القوانين بالملاذات الضريبية الآمنة مثل بنما أو جزر العذراء البريطانية لمؤسسي الشركات إخفاء هوياتهم الحقيقية، وحتى إجتماع الهيئة العامة لها يكفي أن يحصل على الهاتف.
ويلجأ معظم المستثمرين إلى الملاذات لتخفيف الضرائب والاستثمار بمشروعات ببلدانهم الأصلية دون الحاجة لدفع الضرائب المحلية.
ويشار انه يشترط على طالب الترخيص للعمل من خلال تلك المناطق بموجب قانون شركات الأعمال الدولية أن لا يعمل في المجال البنكي أو التأمين أو أعمال الثقة أو الخدمات المالية سواء بالتشغيل أو الإدارة أو القيام بالعمل ذاته.
وتسجيل الشركات (الأوف شور) يتم عبر الإنترنت ويمكن تسجيلها بأي رأس مال، من خلال شركات مختصة بهذا الأمر مثل شركة موساك فونسيكا التي ذكرت في الوثائق .
وتجدر الإشارة إلى أنه ليس كل شركات ( الأوف شور) هي شركات غير قانونية أو تمارس أعمالاً غير مشروعة.
وتظهر الخريطة التالية عدد شركات ( أوف شور) في الأردن، وعدد المستفيدين منها بحسب “وثائق بنما”.
“موساك فونسيكا”..
كما تصفها صحيفة الجارديان البريطانية، هي واحدة من أكبر أربع شركات على مستوى العالم في مجال الخدمات القانونية ومقرها جزيرة بنما، تُمارس عملها بصورةٍ حصريةٍ تقريبًا مع زبائنها من الشخصيات الدولية، أو رجال الأعمال، أو السياسيين وقادة الدول، لإدارة أموالٍ وأصولٍ بالمليارات عبر تحويلها إلى عدة محطات في شبكةٍ من الشركات الخارجية (خارج إطار قوانين دولهم) بأسماءٍ غير أسماء مُلَّاكها الحقيقيين (سنتحدَّث عن هذا بعد قليل)، تُقدَّر بأكثر من 214 ألف شركة، قبل أن تعود إلى المصدر بصورةٍ يصعب تعقُّبها، وتحديد المستفيد النهائي منها.
تأسَّست (موساك فونسيكا) بجهود مشتركة بين المحامي الألماني المولد (جوردجان موساك)، والمحامي البنمي (رامون فونيسكا)، الذي أنهي عمله مستشارًا لرئيس بنما «خوان كارلوس فاريلا»، قبل شهر.
الملاذات الضريبية
في العالم دول ومقاطعات معروفة بكونها (ملاذات ضريبية)، تنشط فيها عمليات غسيل الأموال، وإخفاء الثروات والمستفيدين منها؛ فيكون من السهل فيها إنشاء شركات وحسابات بنكية وهمية تساعد في التهرُّب من الضرائب والرقابة على التربُّح من الوظائف الرسمية أو العلاقات بالسياسيين والشخصيات الدولية. بنما من بين هذه الملاذات بكل تأكيد، ومنها أدارت «موساك فونسيكا» شبكة شركاتها الوهمية في دولٍ أخرى، هي نفسها «ملاذات ضريبية»، مثل سويسرا، وقبرص، والجزر البريطانية، والجزر الكاريبية.
جزر “الأوف شور” أو التي يُطلق عليها جزر الملاذ الضريبي، والتي يتم استخدامها كممر آمن للتستر على الأموال بهدف حمايتها من الضرائب أو أية مستحقات أخرى، إلى جزر قريبة من النفوذ الأوروبي، مثل: جزر البهاما، وجرسي، والكايمان، والتي كانت جزءًا من مستعمرات سابقة.
وتُعَد هذه الأماكن ملاذات آمنة لإيداع أموال الأثرياء أو تلك الناتجة عن الفساد والجريمة المنظمة؛ حيث تضمن سرية المودِعين، ولا تكاد تُخضع أموالهم لضرائب تُذكَر؛ والملاذات موجودة في العديد من العواصم الكبرى. ولذلك يُستخدم تعبير “الأوف شور” للدلالة على تلك الملاذات الآمنة للأموال.
ما هي أبرز الملاذات الضريبية حول العالم؟
يضم العالم أكثر من 80 منطقة “أوف شور”، تمثل “النعيم الضريبي” للأثرياء، مقسمة إلى 4 مجموعات: الأولى منطقة الملاذات الأوروبية، والثانية منطقة الملاذات البريطانية، والثالثة المنطقة الأمريكية، والرابعة أماكن هامشية غير مصنفة مثل الصومال وأروجواي.
والمنطقة الأولى تضم سويسرا، ولوكسمبورج التي سبقت الدول الأوروبية جميعًا في العمل منذ عام 1929 في شركات الأوف شور، وتصنف بأنها من أكبر ملاذات الضرائب في العالم، وهولندا التي تُمثل أموالُ الأوف شور فيها حوالي 18 تريليون دولار، أي 4 أمثال إجمالي الناتج الهولندي. كما تضم تلك المنطقة النمسا وبلجيكا، والدول “الماكرو أوروبية”، مثل موناكو، وليشتنشتاين، وجزر ماديرا البرتغالية.
أما المنطقة الثانية، فتضم أكثر من ثلث أموال الأوف شور في العالم، وتشمل جرسي، وجورنزي، وآيل أوف مان، وكلها جزر تابعة للتاج البريطاني، بجانب المناطق الواقعة عبر البحار، مثل: جزر كايمان، برمودا، فيرجين، “الترك وكايكوس”، جبل طارق، وتخضع جميعها لسيطرة بريطانية. ويقع في نطاق تلك المنطقة أيضًا هونج كونج، وجزر البهاما، وجزر فانواتو بجنوب المحيط الهادي، وإيرلندا ودبي وهي لا تخضع لسيطرة بريطانية.
المنطقة الثالثة وهي الأوف شور الأمريكي، وله 3 مستويات؛ الأول البنوك التي تقبل بشكل قانوني عائدات لبعض الجرائم مثل التعامل في الأملاك المسروقة طالما أن تلك الجرائم تم ارتكابها في الخارج. والمستوى الثاني بنوك الأقليات اللاتينية مثل بنوك ولاية فلوريدا التي يربطها تاريخ طويل في إيواء أموال عصابات تجار المخدرات، والتي غالبًا ما ترتبط بشراكات معقدة مع الملاذات الكاريبية البريطانية القريبة. والمستوى الثالث الجزر التابعة لأمريكا مثل مارشال (كانت مستعمرة يابانية)، والتي تُعتبر مكانًا رئيسيًّا لتسجيل السفن بالخارج، وكذلك بنما التي تُعتبر بالوعة غسيل الأموال في العالم.
أما المنطقة الرابعة فهي دول مثل أوروجواي والصومال والجابون، وهي لا يمكن تصنيفها ضمن المحاور السابقة، ولكنها تلعب دورًا كبيرًا في تسهيل عمل شركات الأوف شور، ففي الجابون تم تخصيص ملايين الدولارات كصناديق لأموال قذرة للشركات والنخب الفرنسية.
ماهو حجم خسائر الدول بسبب التهرب الضريبي، والتدفقات المالية غير المشروعة؟
يقدر تقرير التجارة والتنمية لعام 2014 بأن إجمالي خسائر الدول النامية بسبب التهرب الضريبي والتدفقات المالية غير المشروعة خارج تلك البلدان يتراوح بين 66 مليار دولار و84 مليار دولار سنويًّا، وذكر التقرير أن ما يتراوح بين 8% و15 % من صافي الثروة المالية للدول النامية يتم الاحتفاظ به في دول الملاذ الضريبي.
كذلك قدر البنك الدولي ميزانيات الجزر الصغيرة في الكاريبي والمحيط الهادي والهندي والتي تمثل مراكز مالية ضخمة بـ18 تريليون دولار، أي ما يساوي ثلث الناتج المحلي للعالم بأكمله في هذا العام. وذكر تقرير مكتب المساءلة الحكومي في أمريكا (gao) أن 83 شركة من قائمة أكبر 100 أمريكية لها أفرع في مناطق “الأوف شور” الآمنة، ويرتفع الأمر أكثر في أوروبا لتسجل شبكة “عدالة الضرائب” الأوروبية أن 99 من أكبر 100 شركة في القارة تستخدم أفرع وحيل “الأوف شور”.
ما هي أشهر عمليات التهرب الضريبي حول العالم؟
قيام سلسلة المقاهي العالمية “ستاربكس” والتي حققت مبيعات 400 مليون جنيه إسترليني في بريطانيا، بتحويل بعض الأرباح لشركة تابعة لها في هولندا في شكل تكلفة استخدام، واقترضت من تلك الشركة للشركة الأم بنسب فوائد عالية، للتهرب من الضرائب عن طريق تحويل أرباحها.
كذلك قيام رئيس كوريا الشمالية “كيم يونج-إيل”، بالتستر علي 4 مليارات دولار في أوروبا من مبيعات التكنولوجيا النووية والمخدرات والاحتيالات التأمينية، بإرسالها إلي لوكسمبورج الملاذ الضريبي الآمن لهذه الأموال .
ومن ضمن الشخصيات التي وردت أسماؤهم في «أوف شور ليكس» ، أمين صندوق الحملة الانتخابية للرئيس الفرنسي “فرنسوا هولاند” “جان جاك أوجييه” والذي تبيّن أنه يملك أسهما في شركات «أوف شور» في جزر الكايمان، ورئيس أذربيجان إلهام علييف، أرزو وليلى، والذي أنشا 3 شركات في 2008 في الجزر العذراء البريطانية باسم إبنتيه.
ماهي أبرز الشركات العربية التي لجأت إلى هذه الجزر للتهرب من دفع الضرائب؟
شركة القلعة، وهي صندوق استثماري أفريقي يبلغ حجم تعاملاتها 9.5 مليار دولار أمريكي، ويرأسها رجل الأعمال المصري “أحمد هيكل” نجل الكاتب الصحافي “محمد حسنين هيكل”، وقد كشف برنامج الكشف عن ممارسات التمويل غير القانوني للصحفيينillicit finance journalism programme أن شركة القلعة تدفع ضرائب شركات منخفضة منذ تأسيسها قبل 10 سنوات، وهي تعتمد بشكل كبير على أكثر مناطق الاختصاص المالية سريةً في العالم.
تشير السجلات الحديثة للشركة إلى أن ثلث الشركات التابعة لها تقريبًا مسجل في ملاذات ضريبية، فمن أصل 130 شركة تابعة. هناك 38 شركة تابعة في الجزر العذراء البريطانية، وخمس شركات في موريشيوس، وواحدة في لوكسمبورج.
ومن المستفيدين من الشركات المؤسسة في الملاذات الضريبية رجل الأعمال حسين سالم، المعروف بقربه من الرئيس الأسبق حسني مبارك، فقد امتلك سالم حصة في شركة غاز شرق المتوسط -التي كانت مسئولة عن تصدير الغاز للكيان الصهيوني والأردن وأسبانيا- عن طريق شركة أخرى مسجلة في جزر العذراء البريطانية mediterranean gas pipeline المملوكة لشركة أخرى مسجلة في بنما clelia assets corp. والشركة الأخيرة كانت تمتلك حصصا في 18 شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان تحت اسم egypt fund بحصة تقدر بـ 3 مليون دولار، ويشارك عائلة سالم في هذا الصندوق الاستثماري السري أحمد عز بشخصه وجمال وعلاء مبارك من خلال صندوق آخر مسجل في ملاذ ضريبي آخر وهو جزر العذراء البريطانية وتدعى panworld investments.
من ناحية أخرى امتلكت panworld investments حصة في شركة بوليون القبرصية المملوكة أيضا لعلاء وجمال مبارك وهي الشركة التي امتلكت نسبة 35% من صندوق efg-hermes private equite المسجل في جزر العذراء البريطانية والذي يدير ثلاثة صناديق منهما اثنان مسجلان في جزر الكايمان.
ووفقا لقائمة مساهمي شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) في يناير 2011، امتلكت شركة تدعى october property development نسبة 16% من شركة سوديك.
وهناك بعض الشركات التي تضمنتها التسريبات عاملة في الأردن مثل: انفرامينا ليمتد بارتنرشيب، شاهين بزنس اند انفستمنت جروب اس.اي، أوليه هولدنغز ليمتد ، الشركة الدولية لتنمية العقارات المحدودة، انفست كورب سيكوريتيز، إضافة لشركات اخرى لم يعلن عنها بعد بانتظار نشر ما تبقى من الوثائق تباعاً.