العتبة العلوية وأزمة التخطيط

187

بقلم: جبار الكرعاوي

من ضمن الرياضات الروحية التي اعتاد عليها الناس، التوجه لدور العبادة ومراقد الأولياء والمعصومين والمؤمنين، وهذه سنّة اكتسبناها من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ففي هذه الأماكن تحل البركة والطمأنينة والرجوع إلى الذات الإلهية، وفيها تُحل معاقد الأمور وتنطلق النفس إلى عليين لترجع من بارئها مستبشرة فائزة ومزدانة من الفيوضات الربانية، وفي هذا العالم الغيبي تتلاطم اللجج وتزدحم الأمنيات لتسفر لك عن كنه ما كنت تصبو إليه، وهذه حقائق محسوسة وملموسة لكل من زارها وفي قلبه حاجة .

وفي أحد الأيام كنت متوجهًا لممارسة هذه الرياضة وأدندن مع نفسي ذلك البيت الشعري المشهور (يا صاحب القبة البيضاء في النجف…. من زار قبرك واستشفى لديك شفي)، وفجأة استوقفني زائر عربي في أحد شوارع المدينة القديمة القريبة من الحرم العلوي قائلًا : أي وجهة تنصحني لأسلكها في وصولي إلى الحرم المقدس ؟ الحقيقة أذهلني سؤاله نظرًا لقربه من الحرم، فعدت لأجيبه فقلت له إن حجم الأعمار الذي حدث مؤخرًا من بناء فنادق وبنايات هو الذي حجب عنك الرؤيا للقبة الشريفة.

فرد عليِّ هل النجف فرغت من الساحات واستعصى الأمر عليهم ليشيدوها، إلا في هذا المكان، فمررت بالجانب الغربي للمدينة “والحديث له” ووجدتها فارغة وصالحة لإقامة بناء كهذا ليخلوا بوجه الزائر صحن أمير المؤمنين … أجبته قائلًا : أتظن أن الحكومة المحلية التي تدير هذه المدينة عاجزة عن إدارة هذا المكان والإشراف على معالمه ..أم غاب عن نباهتها قدسية هذا الأثر الديني .. وقد تعددت الاستفهامات بيني وبينه، فلا أنا استطعت إقناعه في بقائها، ولا هو راض بما يحصل من تغيير خانق حول المشهد الشريف .. وفي إطراق مخجل استصحبته كي أوصله إلى أحد منافذ العتبة التي غابت رؤيتها عنه . وبعد أن شكرني على إيصاله تركته وعدت إلى طريقي الذي كنت متوجهًا إليه .

وأنا أنظر بما حل في هذه المدينة، فرغم الجهات والتيارات الإسلامية التي تحكمهما إلا أنها ما زالت تعاني من أزمة التخطيط العمراني للمشاهد المقدسة، فهذا المنظر الذي استوقفني ربما يكون من باب الصدفة، ولكن كم استوقفهم هذا المنظر يوميًّا في سؤال محير أين المرقد الشريف ؟  فما زال الأمر كذلك بل يسوء بين فترة وأخرى عندما نرى تصاعد البنايات في جنبات الضريح المقدس، ويبقى ارتفاع الأبنية في تصاعد مستمر دون أدنى خجل، أو أي واعز ديني من هذه الارتفاعات المهولة مقارنة بقبة الصحن الشريف دون رقيب بل بمرأى وبمسمع الجميع .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*