اللاذقية : الخراب القادم من البحر .. ليس جديدًا

244

imagesCAN8KZE7

لا يكاد المتمعن في سير الحياة في مدينة اللاذقية يلحظُ اختلافًا أحدثته الأنباء المتواترة عن اقتراب عدوان خارجي محتمل يطال الأراضي السورية، إذ تواصل المدينة حياتها اليومية الاعتيادية.

حياة طبيعية

لم يختلف السير المعتاد للحياة اليومية في المدينة، التي عادة ما تفخر بأنها قدمت للبشرية أولَ أبجدية في التاريخ، المقاهي مكتظة بروادها، ازدحام الشوارع مستمر، وحركة البيع والشراء في الأسواق شبيهة بما كانت عليه قبل الحديث عن العدوان المحتمل، مع اختلاف بسيط ناجمٍ عن الارتفاع الحاد الذي أصاب سعر الدولار  الأربعاء الماضي .

ولا تعتبر أنباء العدوان المحتمل الامتحان الأول لسير الحياة في المدينة، التي استطاعت مؤخرًا امتصاص الآثار الارتدادية للمذابح التي وقعت في ريفها الشمالي، برغم أنها تؤوي عددًا كبيرًا من أبناء المحافظات الأخرى الذي لجأوا إلى استقرارها في ظل الأزمات التي عصفت بمدنهم، إلا أن أيَّ حوادث لم تسجل ضدّ هؤلاء، لا قبل المذابح ولا بعدها.

350px-Lattakia10

ترقبٌ.. لا خوف

   يعزو علي، وهو مدرسُ الفيزياء، ذلك إلى أن المدينة بطبيعة الحال تعيش أجواء الحرب، وأن الاختلاف في الأدوات لا يشكلُ فرقًا كبيرًا. ويضيف “لا يكاد يمر يوم من دون أن تفقد المدينة عشرات الشهداء في المعارك المستمرة على امتداد الأراضي السورية”.

   وهو أمرٌ يوافق عليه إسماعيل العامل في أحد مقاهي المدينة، ولكنه يرى أن الأمر مختلف اليوم، حيث “يمكن أن تُستهدف المدينة بصواريخ أو غارات جوية، وهذا سيخلف عدداً كبيراً من الشهداء، كما من شأنه أن يحمل إلى المدينة الخراب الذي ظلت حتى الآن بمنأى عنه، لكن هذا لا يعني أننا خائفون، إذا كان لا بدَّ من الحرب، فأهلاً بها”.

   يضحكُ أبو إبراهيم الرجل الستيني المنهمك بلعب الورق مع ثلاثة من أقرانه لدى سؤاله عن الحرب، ويقول “عم نلعب ورق ونستنى، وما بقي من العمر أكتر مما مضى”. ويضيف بعد لحظات من الصمت “الله يحمي هالبلد أحسن شي”.

أصواتٌ تطالب بالرد

   ترى منال أن العدوان بات أمرًا واقعًا. ولكن الطالبة الجامعية، التي استقرت مؤخرًا في اللاذقية، بعدما غادرت وأهلها مدينة حلب، تطالبُ بالرد عليه فورَ حدوثه. وتقول “يجب عدم السكوت كما حصل في مرات سابقة، نحن في حالة حرب منذ زمن طويل، وعلى رأي المثل: إذا ما كبرتْ ما بتصغر”.

   ثمة أصوات كثيرة تتبنى رأياً مشابهاً، ومن بينها أصوات لأشخاص يؤكدون أنهم معارضون للنظام، لكنّ هذا لا يعني القبول باعتداء خارجي.

   وبالنسبة لفادي فإنه “إذا حدث العدوان فالنظام يتحملُ مسؤوليته، هو الذي أوصل البلد إلى هذه الحال، ولو أنه لم يلجأ إلى الحل الأمني منذ البداية لكان المسار مختلفًا، لكن هذا ليس وقت تصفية الحسابات، يجب على النظام الرد إذا وقع العدوان، فالسلاح أولى بأن يوجه إلى الخارج”.

وتبعًا لاختلاف موقفه السياسي، يؤكد سائق التاكسي حسين أن النظام هو الذي يتحمل مسؤولية وصول الحال إلى ما وصلت إليه، لكن من زاوية أخرى، فبرأيه أن النظام “تهاون منذ البداية، وتأخر في الحسم العسكري، إلى أن تفاقم الأمر وخرج عن سيطرته”.

   وفي المقابل، ثمة أصواتٌ قليلةٌ ترى أن “الضربة إذا حصلت ستكون خدمة للنظام، إذ ستسمح له بالظهور بمظهر المدافع عن البلد ضد اعتداء خارجي”. ويرى كرم أنّ “توقيت هذه الضربة مشبوه، فالمعارضة المسلحة تحقق تقدمًا على الأرض”.

جبلة.. على المسار ذاته

   ولا تخرج الحياة في مدينة جبلة المجاورة عن هذا المسار، إذ تستمر الحياة فيها بصورتها المعتادة مع وجود بعض المظاهر التي تغالي في ردود الفعل. وعلى سبيل المثال، شهدت المدينة صباح أمس كرنفالات متفرقة من إطلاق الرصاص في الهواء، رأى فيها بعض الشبان وسيلةً للتعبير عن التحدي والصمود في وجه التهديدات بعدوان محتمل.

   ويرى سائق الميكروباص أبو حسن في هذه المظاهر “رسالة لبعض من قد تسول له نفسه استغلال أي عدوان خارجي قد يحصل، فالحرب من الخارج لن تلهينا عن الحرب في الداخل”.

imagesCATHXDAQ

الخراب القادم من البحر.. ليس جديدًا

   تلحظ السيناريوهات الكثيرة التي تم تداولها للعدوان المحتمل دورًا كبيرًا للبوارج والمدمرات القادمة من البحر، الأمر الذي سيحيلنا إلى التاريخ لنتذكر أن أول غزو تعرضت له اللاذقية كان في عهد آخر ملوك أوغاريت : “عمورافي”، والذي تعرضت المدينة للخراب في عهده عندما غزتها “شعوب البحر” سنة 1182 قبل الميلاد. ولكنَّ المدينة عادت إلى الحياة مجدداً، شأنها في ذلك شأن معظم المدن السورية التي طالها الخراب في عهود كثيرة، بل ربما هو شأن الحياة في كل زمان ومكان.

صهيب عنجريني / السفير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*