عائلاتٌ جزائرية تحوّل “حشائش” الربيع إلى أطباقٍ “ملكية” رغم خطر السموم والأشواك!

609

n-ALHSHAISH-large570 (1)الحكمة – متابعة: تتحوّل الحقول والبساتين خلال فترة الربيع في الجزائر خاصةً بالمناطق الريفية والجبلية، إلى مزار لآلاف العائلات التي تقصدها بغرض انتقاء بعض الأعشاب التي تتحول إلى أطباق غداء وعشاء.

هذا الأسلوب من الحياة، يعكس نمط المعيشة في هذه المناطق، خاصةً في ظل غلاء المواد الغذائية الأكثر استهلاكاً في الأسواق، وتراجع دخل الفرد بسبب خطة التقشف المنتهجة من قبل الدولة كما أكد الخبير الاقتصادي صالح سليماني.

أكثر من 18 نوعاً

يؤكد البروفيسور ناصر جيرار متخصص في علم النباتات لهافينغتون بوست عربي، أن هناك أنواعاً كثيرة من الحشائش التي يستهلكها الجزائريون، أكانت طازجة أو بعد الطهي.

وتختلف حسب جيرار تلك الحشائش باختلاف المناطق والتضاريس وحتى المناخ لاتساع مساحة الجزائر، إلا أن أغلب تلك الحشائش المستهلكة تتمركز بالمناطق الشمالية الساحلية والمناطق الداخلية (مناطق الهضاب العليا).

ويؤكد المتحدّث وجود زهاء 18 نوعاً من الأعشاب البرية يتم تحضيرها كأطباق استهلاكية في العديد من المناطق، وهذا ثبت بعد بحث أعد في هذا الإطار، يضاف لها أنواع أخرى يتم استهلاكها طازجة.

الأربعة الأكثر شعبية

يطلق على الأعشاب والحشائش التي يستهلكها الجزائريون بعد تحضيرها ب”لحلول” أو “آحلول” باعتبارها تحضر من حشائش غير مصنفة ضمن الخضار الموجودة في الأسواق.

وتبين لـ”هافنغتون بوست عربي” وجود أربعة أنواع من الحشائش هي الأكثر شعبية واستهلاكاً من قبل العائلات خلال الربيع.

هذه الأنواع كما تسمى محلياً “القرنينة” ،”تيغجغجت”، “خرشف لخلا” و”آسكيم”.

كما توجد أنواع أخرى مثل “الحلحال”، “تيلفاف”، وغيرها لكنها في نظر البروفيسور ناصر جيرار أقل شعبية من الأنواع الأربعة الأولى.

القرنينة…. طبق مشترك

تعد عشبة “القرنينة “من النباتات الأكثر انتشاراً في المناطق الساحلية والداخلية للجزائر، لذا كانت الأكثر استهلاكاً من طرف العائلات في فترة الربيع، وهي نبتة مسطحة على الأرض ذات أوراق عريضة بنهايات شوكية.

وتؤكد جميلة عقون من منطقة ماوكلان شرق العاصمة، أن القرنينة من النباتات التي تستهلكها مع عائلتها كل ربيع، يتم إحضارها من الحقل، ويتم تنقيتها ونزع النهايات الشوكية بها قبل تقطيعها وغسلها.

وتضيف المتحدثة: “يجب علينا بعد غسلها بالماء، وضع القرنينة في قدر لنغليها، أو فوق الكسكاس لتعريضها للبخار، وذلك بغرض إزالة الحشرات والجراثيم التي قد تحتويها”.

وبعدها هناك طريقتان لتحضير هذا الطبق فإما بجعله خلطة مع بعض الخضار ودهنه بزيت الزيتون، وإما عن طريق القلي بوضع “القرنينة” مع الطماطم والبصل والبيض.

“تيجغجغت”… طبق الملوك

تنتشر نبتة “التيجغجغت” في مناطق متفرقة من الجزائر، وتتمركز أساساً حسب البروفيسور جيرار بمناطق الهضاب العليا والقريبة من المناطق الساحلية، وهي نبتة قصية بأوراق صغيرة، وكأنها صورة مصغرة جداً لنبتة السبانخ.

ويعد طبق “تيجغجغت” من الأطباق الربيعية المشهية، إلا أن صعوبة انتقاء النبتة من المساحات الزراعية والحقول، ووجود بعض الحشائش التي تشبهها، يجعله طبقاً يتطلب الصبر والتضحية.

دليلة عقون من ولاية سطيف 300 كلم شرق الجزائر، تؤكد بأنها تخرج مع قوافل النساء كل ربيع من أجل إحضار هذه النبتة من الحقول، إلا أنها تعاني في إحضار الكمية المطلوبة لان النبتة قصيرة وإيجادها يتطلب صبراً كبيراً.

وتعتبر دليلة أن مائدة العشاء أو الغداء التي تحتوي هذا الطبق في نظرها، هي مائدة ملكية، لأن الطبق شهي ويحمل قيمة غذائية كبيرة كما أخبرها بذلك بعض الأطباء خاصة بالنسبة للمصابين بمرض فقر الدم.

أما عن التحضير فيكون من خلال التنظيف جيداً، ثم الغلي والقلي مع بعض التوابل وكبد الدجاج، وهناك من يمزجه بالبيض تضيف دليلة.

“خرشف لخلا”.. من الطبيعة إلى السوق

نبتة “خرشف لخلا” أو الخرشف البري، من النباتات المنتشرة بالمناطق الجبلية والهضاب العليا في الجزائر، وتتميز عن الخرشف المعروف في الخضار كونها نبتة قصيرة وأوراقها بها أشواك مكثفة.

سليمان بن سبع شاب في الثلاثينات من عمره يقف على جانب الطريق الذي يربط منطقة الشاوية، بالقبائل الصغرى شرق الجزائر، يبيع حزم الخرشف البري.

سليمان يؤكد بأن كثرة الطلب على هذه النبتة جعلته يقحمها في السوق، رغم الصعوبات الكبيرة التي تعترضه في إيجاد هذه النبتة وتنقيتها من الأشواك المكثفة التي تحتويها.

ويعد المصابون بالسكري الأكثر لجوءاً إلى استهلاك هذا النوع من الحشائش بحسب سليمان، إذ يؤكد بأن هناك عائلات تقوم بالحجز من أجل توفير الكمية المرجوة.

أما عن التحضير، فيؤكد سليمان بأنها تحضر على شكل مرق، أو مع طبق “الكسكسي”، وهناك حتى من يعرضها للبخار ثم يشبعها بزيت الزيتون ويستهلكها، ومنهم أيضاً من يتناولها طازجة رغم نسبة المرارة التي تحتويها.

آسكيم…….. طبق الأمازيغ

من الأطباق المستخلصة من النباتات الربيعية المنتشرة بكثرة في منطقة القبائل بالجزائر، طبق “آسكيم”، وهم من نبتة تنتشر في المناطق الجبلية، تكون في البداية عبارة عن براعم لينة قبل تحولها إلى سيقان صلبة شائكة.

سلطانة عزازقة ربة بيت من منطقة تازمالت ببجاية 270 كلم شرق الجزائر، تؤكد أن العائلات هناك يقدسون هذه النبتة، ويستهلكونها بكثرة.

أمازيغ الجزائر يعشقون “آسكيم”، ويعتبرونه طبق الأقوياء، لأنه في نظرهم حسب سلطانة يجعلهم يملكون الصلابة كما تتحول تلك البراعم في الطبيعة يوماً.

أطباق غنية…. لكن؟

يؤكد البروفيسور ناصر جيرار، بأن مثل هذه الأطباق تكون في الغالب غنية بالقيم الغذائية العالية، لأن الإنسان كلما عاد إلى الطبيعة وجد صحته وعافيته والقيمة الغذائية المفقودة في غيرها.

لكن يؤكد في المقابل ضرورة حسن اختيار تلك النباتات نظراً لأن لها نباتات مثيلة أو شبيهة سامة أو تضر بالصحة، كما يطالب بضرورة التنظيف الجيد لها، كون الفلاح مؤخراً بات يعتمد “على مبيدات” تكون آثارها عكسية على صحة الإنسان.

محمد قادري آرزقي مهندس دولة في التغذية، يؤكد لهافينغتون بوست عربي بأن الأبحاث تشير إلى وجود فوائد جمة في مثل هذه الأطباق المستحضرة من النباتات الربيعية، كونها تحمل نسبة يخضور عالية وبالتالي بروتينات وفيتامينات مفيدة لجسم الإنسان.

وطالب بقيادة حملات للتدريب بشأن كيفية استعمالها، خاصة التركيز على نقطة النظافة، وانتقاء الأعشاب الصالحة للاستهلاك.

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*