موت أغلى من الحياة..مسلمو أميركا يعانون ارتفاع نفقات الدفن

422
مراسم دفن ثلاثة طلاب مسلمين في أميركا (واشنطن بوست-أرشيفية)
مراسم دفن ثلاثة طلاب مسلمين في أميركا (واشنطن بوست-أرشيفية)

الحكمة – متابعة: في عام 2011، صارت حادثة وفاة الشاب التونسي علي محمود، حديث الجالية العربية في ولاية نيويورك، إذ قضى الشاب وهو نائم، وبعد بحث مطول، لم تجد الشرطة الأميركية، أقارب له، وبصعوبة بالغة عرفت الشرطة، أنه تونسي ينحدر من مدينة المحمدية (تبعد 20 كيلومتراً عن العاصمة). بينما “ظل علي في ثلاجة الموتى لأكثر من ثلاثة أسابيع، إذ لم يتمكن أصدقاؤه من دفنه من دون موافقة أقاربه”، وفق صديقه جمال خلاد.

جمال أيضا تونسي، ويعتقد أن ابن بلده “مات لأنه كان يعيش ضغوطا كبيرة بعد أن طرد من العمل، وعجز عن إرسال تحويلة مالية شهرية لأسرته في تونس”، غير أن أكثر ما جعل جمال يشعر بقسوة الحياة، على صديقه حيا وميتا، هو تكاليف دار الدفن الإسلامية والتي وصفها بـ”الباهظة جدا”، إذ بلغت 5000 دولار للدفن في أميركا، أما تكاليف إرسال الجثمان إلى تونس، “فتصل إلى 25 ألف دولار، حسب شركات الطيران” كما يقول جمال الذي بحث كل الخيارات وقتها في محاولة لتكريم صديقه المتوفى.

جمع أبناء الجالية العربية تبرعات للتكفل بنقل جثمان علي إلى تونس، تحقيقا لرغبة أسرته، “لكنها لم تكن كافية”، حسبما يقول جمال مردفا، “بعد أن اتصلنا بزوجته، رضخت الأسرة للأمر الواقع، دفناه في مقبرة مشتركة للمسلمين والمسيحيين في ولاية نيوجيرسي”.

وتوفر مقبرة “مونت ساناي” خدماتها للمسلمين في نيويورك، لكنها لم تعد تتسع للأعداد الكبيرة من المسلمين في بروكلين وكوينز. وطالب مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) منذ 2011 بتوفير مقبرة مشابهة وقريبة، “حتى لا يضطر الناس لدفن موتاهم في ولاية نيوجيرسي المجاورة”، كما يقول مدير التواصل في مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية “كير” إبراهيم هوبر لـ”العربي الجديد”.

يؤكد هوبر، أن عدد المسلمين في نيويورك “في تزايد مضطرد”، مستطردا “امتلأت مقبرة نيويورك. الآن نريد مقبرة أخرى في لونغ أيلاند. ليس من المعقول السفر إلى ولاية نيوجيرسي من أجل دفن الموتى”.

وترفض بعض الأسر دفن أبنائها في مقابر مشتركة مع أديان أخرى، أو انتظار ثلاثة أيام من أجل إيجاد بقعة صغيرة للدفن. يقول هوبر: “الدين الإسلامي يأمر بتعجيل دفن الميت. انتظار ثلاثة أيام بسبب عطل نهاية الأسبوع مسألة تتناقض مع الشريعة الإسلامية”.

الغسل والدفن

توجد في أميركا عشرات دور الدفن الإسلامية، “لكن مسلمو أميركا يشتكون من أسعارها غير الإسلامية”، ومن هؤلاء الثلاثيني الجزائري أحمد، والذي توفيت والدته العام الماضي، ليخوض تجربة مريرة بسبب إجراءات الدفن. يقول أحمد: “عندما تصاب الأسرة بفاجعة الموت، آخر همّها هو المال. كان هذا الأمر بديهيا بالنسبة لي، لكن عندما توفيت الوالدة هنا عرفت بأن الموت في أميركا باهظ أكثر من الحياة”. ويؤكد أحمد أن جنازة والدته كلفته 10 آلاف دولار، وهو ما تجاوز نفقات المشفى.

في اتصال مع أحمد كارغي أحد المسؤولين بدار “الرحمة” للدفن في نيويورك، نفى استغلال مصائب الآخرين للاغتناء، مضيفا أن “الناس تعودت في بلداننا على الدفن والغسل بالمجان، لكن في أميركا هذه وظيفة، فالذي يغسل الموتى هو شخص له أسرة وحياة أيضا”.

يضيف كارغي، وهو تركي الجنسية، أن دار “الرحمة” تحترم مذهب الميت ومطالب أهله، خلال تجهيز الجثمان للدفن، “لكن لسنا مسؤولين عن حفر القبر أو إيجاد مكان لدفن الميت. مهمتنا تنتهي عند تجهيز الجثمان وتكفينه وفق الشريعة الإسلامية”.

ويشير إلى أن المسلمين، “وبسبب الشريعة، أعفتهم السلطات من وضع الجثامين في توابيت، فبعض الناس يعتبرونها غير إسلامية، لكن السلطات تفرض وضع غطاء بلاستيكي على الجثمان حتى لا يلامس جسده التراب مباشرة”.

وبخصوص أسعار تجهيز الميت ونقله إلى المسجد وأخيرا المقبرة، قال إنها تختلف حسب رغبات الأهل “البعض يحرص على توابيت باهظة الثمن، آخرون يرفضونها أصلا، لكن عموما لا يقل السعر عن 2000 دولار”.

بعد وصول الجثمان إلى المقبرة، تنتهي مهمة دار “الرحمة” ليدخل أقارب الفقيد في مفاوضات جديدة مع المقابر، التي لها أيضا أسعارها الخاصة. يقول كارغي “المقبرة هي التي تتولى حفر ووضع الميت في القبر وكل الإجراءات الأخرى. هناك نوعان من القبور: اللحد والشق. وفي الغالب تتراوح أسعار المقابر في نيويورك بين 3000 و4000 دولار”.

(alaraby)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*