قــراءة فـي خطــاب أوباما

233

 mepanorama311947

الخروج من المنطقة الرمادية

ما أراد قوله الحاج ‘حسين أوباما’ في خطابه أمس، وبجانبه نائبه ‘جو بايدن’ بدل وزير الدفاع ‘هاغل’ وقائد القوات المشتركة ‘ديمبسي’ المفترض أن يكونا حاضرين في خطاب إعلان الحرب على سورية وفق ما يقتضيه البروتوكول، هو التالي: “لقد قمت بواجبي، واتخذت قراري بالذهاب إلى الحرب، ولأن أمريكا دولة ديمقراطية عريقة، فمن الضروري طرح المسألة للنقاش العام على الكونجرس الذي يقع عليه عبء اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا باعتباره ممثلا للشعب”.

قرار الحرب اتخذ و التنفيذ مؤجل

هذا معناه، أن أوباما أدرك أخيرا أنه فعلا وقع في الفخ السوري الذي نصبه له محور الممانعة والمقاومة، وفهم أخيرا أن الذهاب إلى الحرب من دون تحالف دولي واسع، وأمام المد الشعب المتنامي المعارض للحرب، يعني الهزيمة المحققة.. كما أن التراجع يعني الكارثة لما لمثل هذا الموقف من انعكاسات سلبية على سمعة وهيبة ومكانة أمريكا في العالم.. فقرر الهروب إلى الأمام باتخاذ قرار الحرب ليخرج من منطقة التردد الرمادية في اتجاه الهاوية، من دون رؤية واضحة أو بصيص أمل في مخرج مشرف ينقذه مما هو فيه من حيرة وضياع، خصوصا وأن فترة 15 يوما التي يفترض أن يتخذ فيها الكونجرس قرارا بشأن دعم الرئيس من عدمه، مدة لا تسمح لـ’أوباما’ سوى بهامش ضيق للمناورة.

أوباما يستغيث من الرمضاء بالنار

قرر الرئيس ‘أوباما’ أن يهاتف الرئيس الفرنسي ‘هولاند’ الجمعة ليلا، فناقش معه الموضوع لمدة 45 دقيقة، ووصل إلى قناعة أن الحرب على سورية لن تكون نزهة، وأن الضربة الموضعية المحدودة عبث في عبث لا تبررها دراسة الجدوى من حيث الكلفة والمردودية، لجهة استحالة تحقيق أهداف العدوان في ثلاثة أيام، وأن دخول إيران على خط الأزمة سيكون له تداعيات كارثية قد تفجر المنطقة برمتها، فتدفع ثمن المغامرة غير المحسوبة إسرائيل والسعودية والأردن.. وهي البلدان التي سبق لأوباما أن ذكرها بالإسم وقال أنه يخاف على أمنها.

أمام هذه المعضلة، لم يجد ‘أوباما’ من سبيل للهروب من الفخ سوى باتباع نهج رئيس وزراء بريطانيا ‘كامرون’، الذي عرض القرار على البرلمان فأسقط بالتصويت، وخرج من الفخ كالشعرة من العجين، من دون أن يبدو ضعيفا أو مربكا. وهذه هي ميزة الديمقراطية التي تعني استشارة نواب الأمة في القرارات الصغيرة والكبيرة، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بقرار مصيري خطير كالذهاب إلى حرب تدل كل المؤشرات أنها ستتدحرج لتتحول إلى حرب إقليمية طاحنة، وقد تؤدي إلى حرب عالمية ثاثة، فتتحق نبوؤة العبقري ‘ألفريد أنشتاين’ الذي سألوه: “كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة؟” فأجاب: “لا أعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة، لكنني أعرف يقينا أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة”.

أخيرا وجد أوباما الحل، أوهكذا اعتقد على الأقل من غبائه.. فقرر سلوك الآلية الديمقراطية وعرض القرار على الكونجرس علّه يمده بطوق نجاة يساعده على الإفلات من الهاوية. وهذا يعني باللغة السياسية: “إلقاء الكرة في ملعب الكونجرس”. غير أن رئيس فريق الجمهوريين لم ينتظر طرح الموضوع للمناقشة، بل فاجأ ‘أوباما’ بنصف ساعة بعد الخطاب فقال: “نحن نثق في الرئيس وندعم قراره”. وهذا معناه، لا تراهن على معارضتنا لإنقاذك، واعلم منذ الآن أنه عليك البحث عن طوق نجاة في مكان آخر غير الكونجرس.

وطبيعي بعد هذا الموقف من المعارضة أن يدعم الديمقراطيون من حزب الرئيس قراره، فيكون ‘أوباما’ كمن أراد الهروب من الرمضاء فاستجار بالنار.. ووجد نفسه يهرب إلى الأمام من خلال الدوران في حلقة مفرغة ستعيده بعد أسبوعين إلى نفس النقطة التي انطلق منها، لتعريه وتكشفه للشعب الأمريكي والعالم كرئيس ضعيف، مربك، متردد، وغير قادر على قيادة دولة عظمى كالولايات المتحدة، خصوصا وأنه اتخذ قرار الذهاب إلى الحرب ولا يمكنه التراجع عنه بمجرد خطاب، مما يعقد المشكلة أكثر مما هي معقدة أصلا.

لمـــاذا..؟

لأن الديمقراطية الأمريكية لا تشبه في شيىء الديمقراطية البريطانية الأعرق في العالم، وأوبانا الأستاذ الجامعي في القانون الدستوري يعلم أن الدستور الأمريكي لا يلزمه باستصدار قرار من الكونجرس للذهاب إلى الحرب في حال كانت مدتها لا تتجاوز 60 يوما، وأن عودته لممثلي الأمة يكون فقط في حال قرر خوض حرب طويلة تتجاوز مدتها الشهرين بسبب ما يتطلبه مثل هذا القرار من موافقة على التمويل.

وعليه، فقرار ‘أوباما’ العودة إلى الكونجرس معناه، أنه كان يكذب حين تحدث عن حرب قصيرة وأهداف محدودة لا تشمل إسقاط الرئيس الأسد. كما أنه وفي غياب قرار أممي، ودعم شعبي، وتحالف دولي واسع، وجد ‘أوباما’ نفسه وحيدًا في الفخ بعد أن تركه أصدقاؤه وحلفاؤه الأقربون يعاني في صمت من محنته.

وما يؤكد هذا الطرح، هو أن نواب من الكونجرس وعلى رأسهم ‘جون ماكين’ قالوا بعد خطاب ‘أوباما’ أن الحرب إذا لم تكن من أجل تغيير الواقع في سورية من خلال إسقاط النظام فلا معنى لها، وأنهم سيعملون على إقناع الرئيس بالذهاب في اتجاه خيار الحسم. ومعلوم أن اللوبي الصهيوني والمال السعودي سيلعبان دورًا حاسمًا في هذا الاتجاه، لذلك يقول مراقبون، إن الكونجرس سيدعم قرار الذهاب إلى الحرب بمروحة أهداف واسعة، لأن الأمر يتعلق بهيبة، وقوة، وموقع الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، وبأمن واستقرار حلفاء واشنطن في المنطقة.

أوباما يبحث عن مخرج لدى الروسي

وبالرغم من أن الرئيس ‘أوباما كان قد أعلن أنه لن يقابل الرئيس ‘بوتين’ في اجتماع ‘سان بطرسبورغ’ الذي سيعقد الأسبوع القادم، إلا أنه بعد تصريحات أعضاء الكونجريس المؤيدة لقرار الحرب مع ضرورة توسيع مروحية أهدافها، فهم الرئيس أن حظه لن يكون مثل حظ ‘كامرون’، فأعلن البيت الأبيض أن ‘أوباما’ يعتزم لقاء الرئيس ‘بوتين’ على هامش المؤتمر، ليناقش معه الوضع في سورية.

ويعتقد ‘أوباما’ أن لقاءه بالرئيس الروسي، قد يوفر له مخرجا ينقذه من الفخ الذي وقع فيه، وذلك بالهروب من قرار الحرب تجاه قرار السلام، لمعرفته أن الروسي يعارض الحرب ويصر عقد مؤتمر “جنيف 2″ للتسوية السياسية في سورية.

ويعتقد ‘أوباما’ كذلك، أن اتخاذه لقرار الحرب قبل لقاء الرئيس الروسي، سيشكل ورقة ضغط قوية تمكنه من فرض رؤيته للسلام في سورية، من دون حرب لإسقاط الأسد، لكن شريطة أن يقبل الرئيس السوري بمشاركة المعارضة “السعودية” في حكومة إئتلافية بصلاحيات واسعة، وأن لا يترشح للإنتخابات المقبلة سنة 2014 كمخرج مشرف له. غير أن هذه الرؤية الوهم سبق للرئيس ‘بوتين’ أن رفضها، باعتبار أن ترشح الأسد من عدمه قرار يعود إليه، وأن الشعب السوري هو وحده من يملك حق اختيار من يحكمه.

وحيث أن ‘أوباما’ لا يمكن بحال من الأحوال أن يتنازل عن شروطه، خوفا على أمن اسرائيل والسعودية من انتقام الأسد مستقبلا.. وحيث أن الروسي يوجد اليوم في موقع قوة ومطمئن للتقدم الذي أحرجه الجيش العربي السوري على الأرض، فلا يرى حاجة لتقديم هدايا مجانية لنظيره ‘أوباما’، وهو الذي على وشك كسب معركة كسر العظم في سورية والنفاذ إلى مصر بفضل حلفائه في محور الممناعة والمقاومة، ويفهم الموقف الضعيف الذي يوجد فيه ‘أوباما’ اليوم، ويدرك أن لا خيار له إما القبول بشراكة وفق شروط الروسي وحلفائه في المقاومة أو الذهاب إلى الحرب وخسارة ما تبقى لأمريكا من مصالح في المنطقة.

قدر المقاومة أن تنتصر

وعليه، يمكن أن نقول اليوم، أن محور الممانعة والمقاومة نجح في تحقيق نصر تكتيكي سياسي كبير من دون أن يخوض الحرب، وفي حال قرر ‘أوباما’ وزمرته من الفاشلين الذهاب إلى الحرب، فسيحقق محور المقاومة نصرًا استراتيجيّا تاريخيًّا يغير وجه المنطقة.

والخيار الأخير هو ما يراهن عليه محور المقاومة، لأنه يعتبره مناسبة لتحويل الكارثة إلى فرصة تخرج منها المنطقة بدون دولة يهودية اسمها ‘إسرائيل’، وبدون دولة ‘وهابية’ يحكمها آل سعود، وبدون السلطان أردوغان وحزبه “الإخواني” المتآمرين على الأمة خدمة لإمريكا وإسرائيل..

نهاية عصر العمالة وميلاد عالم جديد

ومن رماد الحرب سيولد عالم عربي وإسلامي جديد بزعامة سورية ومصر والعراق وايران، وسينتهي الإرهاب والفتن المتنقلة، بنهاية الوهابية الإجرامية وفكر الإخوان الظلامي.. فتنتهي ثقافة العمالة والخيانة، لتحل محلها ثقافة المحبة والاحترام والتعاون والسلام، فتتمتع شعوب المنطقة بخيرات أراضيها ومقدرات شعوبها التي تسخر اليوم للأمريكي والصهيوني وقوى مصاصي الدماء من حكومات الغرب لضرب الأمة وتفتيت جيوشها وتقسيم أوطانها.

وهذا هو الطريق الوحيد لميلاد عصر جديد، لأمة عربية وإسلامية قوية، عزيزة، كريمة، ومقاومة…

 أحمد الشرقاوي / بانوراما الشرق الأوسط  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*