التمييز الديني في الدنمارك.. مسلمات جديدات يعانين وأبناؤهن

426

34الحكمة – متابعة: خسرت الشابة الدنماركية كارينا، عملها في محطة بنزين ومطعم بيتزا في كوبنهاغن، عقب اعتناقها الإسلام، إذ شعر أصحاب المطعم بالخوف، وأبلغوها أنهم لا يستطيعون الاحتفاظ بها على رأس عملها، لأن المظهر الخارجي مهم على حد قولهم. غير أن الفتاة الدنماركية كانت تتوقع ردود الفعل هذه، بعد أن تعرضت للطرد من بيت العائلة، “حين ارتدت الحجاب”، كما تقول قبل أن توضح أن النقاشات التي دارت في المنزل عقب خطوتها، كانت تتسم بالعنصرية، ما جعلها تشعر بأن المستقبل لن يكون سهلا.

الخوف من المستقبل، دفع الدنماركية ترينا إلى عدم ارتداء الحجاب بعد إسلامها، “خوفا من صعوبة الحصول على عمل، والقلق من التمييز الذي سيمارس بحقي”، كما تشرح وتتابع موضحة: “سوق العمل ليس معتادا على المحجبات، فما بالك لو كن دنماركيات”. البعض يعتبر هؤلاء “خائنات” في تعليقه على إسلامهن، وكثيرا ما أستمع إلى تعليقات “تحاول النيل النفسي من المحجبات”. وهو ما وقع للمواطنة الدنماركية فاطمة (كريستينا سابقا)، والتي فوجئت عقب خروجها من مقهى رفقة صديقتها، بشاب يصرخ في وجهها ويهاجمها محاولا انتزاع حجابها بالقوة في جريمة تصنف وفقا للقانون الدنماركي تحت طائلة قانون مكافحة العنصرية “رقم 266” المعروف بقانون العنصرية “راسيسما براغراف” والذي يعاقب من يمارس العنصرية والتمييز بمخالفة مالية أو السجن لمدة عامين، بحسب كبيرة الباحثين في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان “ايفا ماريا لاسن”.

تصاعد جرائم الكراهية والعنصرية

خلال العام الماضي تصاعدت جرائم الكراهية في الدنمارك، ما دفع الاستخبارات والشرطة ووزارة العدل، إلى عدم نشر تقرير جرائم الكراهية للعام 2015 للمرة الأولى منذ سنوات، الأمر الذي عرض هذه الجهات لانتقادات حقوقية واسعة ويعترف مركز الإحصاء الدنماركي الرسمي بأنه لا يملك رقما محددا لجرائم الكراهية للعام الماضي، إذ يستند إلى تقارير الشرطة ووزارة العدل التي اختارت “لسبب مجهول” عدم الإعلان عن تلك المعلومات وهو ما دفع المركز للتحقيق في سبب عدم الإعلان عن تلك المعلومات منذ فبراير/شباط 2016 وحتى اليوم.

“ربما لأن الأرقام صادمة” كما يقول مصدر في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان أو لسبب آخر يدعيه مصدر حقوقي من لجنة مكافحة الكراهية قائلا “الشرطة والوزارة تخشيان من أن يؤدي نشر الأرقام إلى مشاكل في المجتمع”، لكن بالعودة إلى أرقام رسمية سابقة، فإن العام 2013 شهد 372 عملا جنائيا على خلفية كراهية وتطرف بينما شهد عام 2012، تنفيذ 320 عملا من أعمال الكراهية.

ووفقا للتقرير الرسمي للعامين الماضيين فإن “جهاز الاستخبارات” يذكر صراحة بأن لجرائم الكراهية طابعها الاثني، إذ إن أغلبها ارتكب من قبل دنماركيين أصليين ضد آخرين من إثنيات آخرى، بينما يؤكد المركز الدنماركي لحقوق الإنسان بأن العديد من حالات التمييز وجرائم الكراهية لا يجري التبليغ عنها، وبالتالي لا تدخل ضمن هذه الإحصائيات. وتعبر المستشارة القضائية نانا مارغريتا كروسو من المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، على قلقها من حالات التمييز هذه قائلة “يجب أن تقرع الأجراس الحمراء لدى الجهات القضائية، والشرطة يتوجب عليها القيام بعمليات تحر وبحث”.

ويقدر عدد الدنماركيات اللواتي اعتنقن الإسلام بحوالي 4 آلاف مواطنة، من مجموع ما يقارب 220 ألف مسلم في البلاد، غالبيتهم من أبناء المهاجرين إلى كوبنهاغن، وفقا لمركز الإحصاء الدنماركي الرسمي، وبحسب دراسة حديثة للبرفسور في علم الاجتماع الديني بريان أرلو ياكوبسن فإن عدد المسلمين في الدنمارك، زاد في يناير/كانون الثاني من عام 2016 إلى حوالي 284 ألفا مع قدوم اللاجئين السوريين.

قلق من المستقبل

وفقا للمادتين 70 و71 من الدستور الدنماركي فإن “حرية العبادة والدين ومنع التمييز” مكفولة لجميع المواطنين. لكن الإمام أبو محمد (رفض ذكر اسمه لأسباب قضائية)، يرى أن التطبيق على أرض الواقع، ازدادت سلبياته، إذ أصبحت المجتمعات الأوروبية تنتابها شكوك وتوجس تجاه الأقلية الدينية المسلمة”.

غير أن البروفيسور في علم اللاهوت سفيند أندرسن، أكد لـ”العربي الجديد”، أن الدين لا يلعب دورا كبيرا في الفضاء العام في مجتمعات اسكندنافيا، وعلى الرغم من ذلك فإن نساء دنماركيات أسلمن يؤكدن أن “النصوص شيء” والممارسة شيء آخر، إذ تؤكد 8 من الحالات اللاتي التقاهن معد التحقيق، أنهن يشعرن بالقلق على مستقبل أولادهن، إذ بمجرد معرفة بعض الشركات وسوق العمل أن المتقدم للعمل من أم أو أب مسلمين يجري التمييز بحقهم وتوضع طلبات التوظيف جانبا، على الرغم من أن بعض هؤلاء الشبان يحمل أسماء دنماركية.

التمييز غير المباشر

تمنع القوانين الدنماركية التمييز وتجرمه، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر الموقع الرسمي لـ “قطاع الأعمال”، أكبر تجمع للأعمال والشركات في البلاد، إذ يمنع قانونا التمييز بناء على الأصل ولون البشرة والدين/المعتقد والخلفية السياسية والتوجه الجنسي والأصل القومي أو الاجتماعي.

لكن الواقع مختلف وفق ما تراه بعثة تابعة للأمم المتحدة وصلت في مارس/آذار الماضي إلى كوبنهاغن، يترأسها هيانر بيلفيلت، مقرر الأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، وبعد أن أجرت البعثة لقاءات شاملة مع مستويات عدة من الباحثين والسياسيين وممثلي الأقليات الدينية، خلصت إلى أنه “على الدنمارك فعل الكثير للتخلص من التمييز ضد أقليات دينية، وخاصة المسلمين”. ومن المقرر أن يعاد النظر في تلك الأوضاع في تقرير سيصدر في عام 2017.

ما دفع اللجنة إلى اعتبار “أن المؤسسات الدنماركية تحتاج إلى مزيد من العمل”، هو ما أطلق عليه “الاستثناء من الدنماركية” وخصوصا للأقلية المسلمة التي لا ينظر إليها نظرة “الدنماركيين” رغم ولادتهم وقضاء حياتهم في البلاد، كما تفسر كبيرة الباحثين في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان ايفا ماريا لاسن، والتي تتفق مع هاينر بيلفيلت في تركيزه على ضرورة قيام الحكومة بتطبيق النواحي القانونية المتعلقة بالتمييز.

ويحذر المركز الوطني لمكافحة التمييز، مما يصفه بالتمييز البنيوي غير المباشر إذ تعمد بعض الشركات إلى وضع شروط في اللباس تستثني المسلمات المحجبات والسيخ، بينما تقوم أخرى بفرز طلبات التوظيف بناء على الأصل العرقي.

وتعبر اللجنة الأوروبية لمناهضة العنصرية والتعصب (The European Commission Against Racism and Intolerance (ECRI) بشكل متكرر عن قلقها من التعاطي الإعلامي مع المسلمين والعرب في الإعلام الدنماركي المحلي. وطالبت اللجنة في أكثر من مناسبة منذ عام 2012 بضرورة تطبيق قانون مكافحة العنصرية 266 بشكل أوسع وأشمل حين يتعلق الأمر بالتمييز ضد المسلمين، ومنهم الدنماركيات وأبناؤهن.

واستندت اللجنة إلى حالة التصريحات السياسية “التي تحمل ضمنا نوعا من الكراهية”. ومن الأمثلة التي عبرت اللجنة عن قلقها تجاهها، ما قامت به إحدى المدرسات في مدرسة تابعة لمدينة أودنسة (تقع وسط البلاد)، إذ قالت في الصف: “لقد تعبت منكم أيها المسلمون وأنتم تخربون دروسي”. ما جرى في تلك القضية هو استدعاء المعلمة من قبل البلدية وتأنيبها والاعتذار بدون أن يطبق قانون العقوبات 266، وهو ما دعا الأنثروبولوجية والناشطة الحقوقية في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان، ليزبيث غارلي أندرسن، إلى مطالبة الحكومة باتخاذ خطوات عملية “لمكافحة جرائم الكراهية والتمييز بشكل فوري”.

هجوم كوبنهاغن

تجمع المؤسسات الدنماركية الإسلامية، على أن هجوم كوبنهاغن في شهر فبراير/شباط 2015 والذي راح ضحيته 3 أشخاص بينما جرح 5 آخرون، شكل نقطة تحول في المجتمع ونظرته للمواطنين المسلمين، إذ ازدادت الفجوة وتوسع التوجس، كما تؤكد مؤسسات الاتحاد الإسلامي الدنماركي، والمركز الدنماركي الإسلامي، والوقف الاسكندنافي.

ووفقا لاستطلاع قام به معهد غالوب لقياس الرأي في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 فإن 8 من 10 دنماركيين، و78 في المئة منهم، يرون أن التمييز على الخلفية العرقية منتشر في الدنمارك.

ويعترف 63 في المئة ممن استطلعت أراؤهم بأن التمييز في الدنمارك منتشر على خلفية دينية. بينما كانت نفس النسبة على مستوى الاتحاد الأوروبي 50 في المئة. واعترف 7 في المئة من الدنماركيين أنهم “يشعرون بسوء لوجود زميل/زميلة من أصل إسلامي في العمل”، أما في دول الاتحاد الأخرى الـ28 والتي أجري فيها ذات الاستطلاع، فكانت النسبة 13 في المئة، بينما 61 في المئة لا يرون مشكلة بوجود زميل مسلم في العمل.

برلماني يدعو المسلمين لحسن التصرف

يرفض عضو البرلمان الدنماركي عن حزب المحافظين، ناصر خضر، تعرض مواطنات للتمييز، والاعتداء اللفظي والجسدي، ورفض تشغيلهن وأولادهن. قائلا لـ”العربي الجديد”:”تلك الممارسات مرفوضة تماما، ورغم أني ضد التطرف الإسلامي والنقاب، إلا أن الاعتداء على المحجبات والتمييز بحقهن لا يجب التسامح معه بأي حال من الأحوال”.

غير أن خضر طالب الدنماركيين المسلمين بـ”حسن التصرف وعدم ترك المجال للمتشددين في المجتمع، والذين يعطون الإعلام ما يحتاجه من مواد يجري استخدامها ضد المسلمين”، وهو ما تؤيده كارينا و7 من الدنماركيات اللاتي التقاهن معد التحقيق.

الشرطة: يصعب إثبات جرائم الكراهية

تواصل “العربي الجديد” مع شرطة مدينتي (آرهوس وكوبنهاغن وأودنسا التي تعرضت فيها شابتان لاعتداء ومحاولة نزع الحجاب قبل أيام)، وأبدى ممثلو الشرطة “قلقا وجدية في تصنيف هذه الجرائم ضمن أفعال الكراهية”. لكن الشرطة الدنماركية قالت عبر البريد الإلكتروني لـ”العربي الجديد”:”يصعب في حالات كثيرة أخرى إثبات تلك الجرائم التي تحدث في أوقات لا يكون فيها شهود ويهرب الفاعلون. لكن الإشارة في وسائل الإعلام عن هذه الجرائم مهم جدا لكي يجري لجمها وتوعية المجتمع بأن القانون يعاقب تلك الممارسات”.

(Alaraby)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*