هل نحتاج إلى نهج جديد لتفادي الإصابة بأمراض الحساسية؟

352

160720152034_avoiding_allergies_640x360_thinkstock_nocreditالحكمة – متابعة: على الرغم من أن البكتيريا النافعة يمكن أن تحمينا من الأمراض، إلا أننا لا يجب أن نتخلى عن العادات الصحية الشائعة. وقد لاحت في الأفق طرق عديدة أكثر فعالية للحفاظ على “الميكروبيوم”، أي مجموع الكائنات الدقيقة النافعة التي تعيش داخل أجسادنا.

على مدار السنوات القليلة الماضية، تبيّن أن الكثير من البكتيريا والطفيليات لا تؤذينا كما كنا نظن، بل قد تعمل على حماية أجسامنا، إذ تحول دون دخول الكائنات الدقيقة الأكثر ضررا إلى أجسادنا، وتعدل جهازنا المناعي تعديلا طفيفا ليصبح أكثر فعالية.

وقد دفع ذلك البعض إلى اقتراح تفادي غسل اليدين بالصابون كليا، زاعمين أن الإفراط في النظافة قد يضعف صحتنا في واقع الأمر، إذ قد يزيد من معدل الإصابة بأمراض مثل التهاب الأنف الناتج عن استنشاق مسببات الحساسية (والذي يسمى بحمى القش) والربو، والحساسية من بعض الأنواع من الطعام.

ولكن هل آن الأوان لدحض هذه النظرية؟ كانت هذه رسالة لجنة من الخبراء التي اجتمعت بناء على دعوة من الجمعية الملكية للصحة العامة بالمملكة المتحدة، والمنتدى العلمي الدولي للحفاظ على الصحة والنظافة في المنازل.

وفي الوقت الذي زادت مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية والقابلية للإصابة بالأمراض المعدية، لا يفسد غسل اليدين وحده الجهود التي تبذل لمحاربة الأمراض، بل إن الإفراط في تنظيف جميع أسطح المنزل بالمُطهرات لا يجدي نفعا. وعلى الرغم من أن علينا الاعتناء بكائنات الميكروبيوم الدقيقة التي تعيش في أجسامنا، فإن ثمة طرقا للاعتناء بها أكثر أمانا وفعالية من عدم المواظبة على النظافة.

إذا دلفت إلى قسم الأدوات المنزلية في أي متجر، كبيرا كان أو صغيرا، ستجد أمامك جدارا به شتى أصناف المنظفات، والصابون، والجِلّ المطهر لليدين، وكل منها يعدك بالتخلص من البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض مثل فيروس الأنفلونزا وبكتيريا إيشريشيا كولاي.

وفي الوقت نفسه، أثار الوعي المتزايد بالميكروبيوم، والدور الذي يلعبه في الحفاظ على صحة البشر، ردود أفعال معاكسة لدى بعض المعنيين بدراسة الميكروبيوم، وقد ذهب البعض منهم إلى حد اقتراح أن التوقف عن غسل اليدين قد يكون أكثر نفعا للصحة.

ولكن بحسب ورقة بحثية جديدة، نشرت مؤخرا في دورية “بريسبيكتيف إن بابليك هيلث” الصادرة عن الجمعية الملكية للصحة العامة في بريطانيا الشهر الحالي، تحت عنوان “فرضية النظافة الزائفة”، لا الإفراط في النظافة يفيد، ولا عدم غسل اليدين يجدي نفعا.

وفي المقابل، علينا أن نضع إطار “النظافة المطلوبة”، لنحدد بموجبه الخطوات التي من شأنها أن تحد من انتقال الكائنات الضارة، مع عدم المساس بالبكتيريا النافعة.

تقول سالي بلومفيلد، الأستاذة الفخرية بكلية لندن للصحة العامة والطب المداري، وأحد الناشرين الرئيسيين لهذه الورقة البحثية: “يظن الناس أن المشكلة تكمن في إفراطنا في النظافة، لكن النظافة هي ما يجب أن نفعله في الوقت المناسب والمكان المناسب. فليس المهم أن تكون الغرفة نظيفة من حولنا، بل العبرة بما سنفعله نحن في هذه الغرفة”.

وقد طُرح هذا الرأي في أعقاب مؤتمر عقدته الجمعية الملكية للصحة العامة في فبراير/ شباط، اجتمع فيه اختصاصيون في مجالات المناعة، والكائنات المجهرية، والحساسية، وخبراء في الصحة العامة لاستعراض الاستراتيجيات التي تتناول القضايا ذات الصلة بالحساسية والأمراض المعدية في ضوء زيادة فهمنا لأهمية الميكروبيوم، أو ما يسمى بالنظام البيئي للكائنات الدقيقة التي تعيش بداخلنا وعلى جلودنا.

ويقول غراهام روك، الأستاذ الفخري بجامعة لندن كوليدج، والمشارك في كتابة الورقة البحثية: “في الحقيقة أن النظافة المنزلية، كما يفهمها الناس، لا تحدّ من تعرضنا للكائنات الدقيقة بقدر ما تحد منه المضادات الحيوية، والأنظمة الغذائية الحديثة، وأنماط الحياة في المدن”.

وأضاف: “لا ينبغي علينا أن نتوقف عن غسل أيدينا”.

ويزعم الكثير من الناس أن الإصابة بالحساسية هي الثمن الذي يجب أن ندفعه في مقابل خلونا من الأمراض المعدية مثل الحصبة. وهذا يتوافق مع “فرضية النظافة”، (التي تنص على أن المبالغة في النظافة في مرحلة الطفولة تضعف الجهاز المناعي وتزيد من احتمالات الإصابة بأمراض الحساسية)، التي طرحها للمرة الأولى البروفيسور ديفيد ستراشان، اختصاصي الأوبئة بمستشفى سانت جورج في توتنغ، ساوث لندن، سنة 1989.

وحاول ستراشان جاهدا الوقوف على أسباب زيادة نسبة الإصابة بأمراض الحساسية على الرغم من توافر المياه النظيفة للشرب، وتطعيمات الأطفال ومرافق الصرف الصحي، وكل ذلك كان من شأنه الحد من الإصابة بالأمراض المعدية القاتلة مثل التيفود والكوليرا.

وعندما لاحظ ستراشان أنه كلما قل عدد الأشقاء الأكبر سنا في المنزل، زادت معدلات الإصابة بالتهاب الأنف الناتج عن استنشاق مسببات الحساسية لدى الأطفال، استنتج أن تعرض الأطفال للإصابة بالأمراض المعدية الشائعة قد يساعد في تحسين الجهاز المناعي، وأنه في حالة عدم الإصابة بالأمراض المعدية تزيد احتمالات الإصابة بالالتهابات، حيث تستجيب الخلايا المناعية استجابة مفرطة تجاه المواد التي تتعرض لها يوميا مثل حبوب اللقاح أو البيض.

ومع مرور الوقت، باتت الرسالة أكثر وضوحا، ومفادها: “الإفراط في النظافة يجعلنا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض”. بيد أن فرضية النظافة هذه لها مشاكل أخرى.

فإذا دققنا في البيانات، سنجد أن الارتفاعات المفاجئة في نسب الإصابة بالتهاب الأنف الناتج عن استنشاق مسببات الحساسية والربو وحساسية الطعام قد ظهرت في أوقات مختلفة على مدار السنوات الـ 120 الماضية، أي بعد التطورات الكبيرة التي طرأت في مجالات معالجة المياه بالكلور، والصرف الصحي، والنظافة العامة.

وهذا يشي بأن ثمة عوامل عديدة قد أدت إلى ارتفاع نسب الإصابة بالحساسية. كما دحضت دراسات أخرى الرابط المفترض بين الأمراض المعدية في مرحلة الطفولة والحساسية.

يقول بول تيرنر، اختصاصي الحساسية ومناعة الأطفال لدى جامعة “إمبريال كوليدج لندن”، وقد شارك في الورقة البحثية أيضا: “لقد طرأت تغيرات هائلة على مدار القرن الماضي على النمط الذي نعيش به حياتنا، والوقت الذي نقضيه في الداخل وفي الخارج، وكيف نقضي هذا الوقت في الهواء الطلق”.

وتابع: “نحن نحافظ على نظافة معظم أجزاء أجسامنا ونرتدي الأحذية، فلسنا ملطخين بالأوساخ، ولا نسير حفاة الأقدام، ولا تتخذ مختلف الكائنات الحية أجسامنا مرتعا لها. ولهذا من الصعب للغاية أن تُعزي هذا كله إلى سبب واحد بعينه (أي الإفراط في النظافة)، بل إن هذا يعد من قبيل التضليل”.

وأفضل الافتراضات في الوقت الحالي هو أن الإصابة بالبرد والحصبة وغيرها من الأمراض المعدية لا تقوي الجهاز المناعي السليم، ولكن يعززه ويدعمه “أصدقاؤنا القدامى” الذين كانوا يلازموننا في كافة مراحل التطور التي مرّ بها الجنس البشري، مثل الميكروبات البيئية، والديدان الطفيلية، التي يصعب العثور عليها في البلدات والمدن.

وهذا فضلا عن عوامل أخرى مثل زيادة معدلات التلوث، والتعرض لحبوب اللقاح الدخيلة التي نُقلت من أراض أخرى، ولولا كل هذه العوامل لزاد احتمال الإصابة بأمراض الحساسية.

يقول ويليام باركر، الذي يجري أبحاثا في مجال بيولوجيا القناة الهضمية بجامعة ديوك في نورث كارولينا، ونشر تعليقا منفصلا في هذا الإصدار الخاص: “إن النظام المناعي في البيئة الحالية يشبه السيارة التي تحتاج إلى بعض التعديلات. إذ أن الجهاز المناعي لا يعمل بكفاءة، بسبب كثرة الالتهابات، كما تنقصه بعض التعديلات الطفيفة التي يجب أن تطرأ على الجهاز المناعي”.

وتابع: “إن الجهاز المناعي كالقوة الشرطية التي لا تملك إلا قنابل يدوية”.

ويوافقه الرأي ديفيد داولينغ، الباحث الزميل في طب الأطفال بمستشفى الأطفال في بوسطن، إذ يقول: “تشوب فرضية النظافة، التي طُرحت في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، نقيصة قد يصعب ملاحظتها ولكنها خطيرة، إذ لم تضع في الحسبان أنه بينما قد يكون التعرض لبعض الكائنات الميكروبية مضرا وقد يؤدي إلى الإصابة بالعدوى، فإن التعرض للبعض الآخر في بيئتنا قد يكون نافعا ولكن بطرق لم ندركها بعد”.

وأضاف قائلا: “وإيجازا، إن أهم ما في الأمر هو زيادة التعرض للكائنات الميكروبية المناسبة بالقدر المناسب، ولكن لا يوجد دليل قوي على أن التعرض المناسب يقتضي الإصابة بمسببات الأمراض”.

نحن في حاجة إلى استراتيجيات تزيد من تعرضنا للميكروبات النافعة، وفي الوقت نفسه تقلل من تعرضنا للميكروبات المسببة للأمراض. ولكن ليس الحل في أن نحيا وسط الملوثات والأوساخ وألا نغسل أيدينا.

وقد زادت بالفعل في الوقت الحالي معدلات الإصابة بالأمراض المُعدية التي تصيب الأمعاء مثل بكتيريا كامبيلوباكتر (العطيفة) بنسبة 43 في المئة عما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي. كما زادت مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية، ومع زيادة عدد كبار السن، سيزيد عدد الأشخاص المعرضين للإصابة بالأمراض المعدية.

وأحد الحلول المطروحة الالتزام بالنظافة المطلوبة. ويقول بلومفيلد: “هذا يعني أنه ليس من المهم أن تحافظ على نظافتك في كل الأوقات، ولكن المهم أن تحرص على الالتزام بالنظافة في الأوقات والأماكن ذات الأهمية للحفاظ على الصحة”.

من المهم مثلا أن تنظف يديك وأسطح المطبخ عقب ملامسة اللحوم النيئة (ولا سيما الدجاج)، وأن تغطي يديك وفمك (باستخدام منديل ورقي)، إذا سعلت أو عطست، ثم اغسل يديك وتخلص من المنديل. ولا تغسل يديك فقط بعد قضاء حاجتك في المرحاض، بل طهر قاعدة المرحاض، وصندوق طرد المياه والصنابير وكل مقابض المرحاض.

وفي الوقت نفسه، يوصي بعض الخبراء باتخاذ عدد من الخطوات لتحسين طرق التعرض للميكروبات النافعة، ولا سيما في مرحلة الطفولة.

وكتب هؤلاء الخبراء في توصياتهم: “لدينا الآن أدلة قوية تكفي للحث على التغيير، مثل تشجيع الولادة الطبيعية، والتلامس بين الأطفال، سواء أكانوا أشقاء أم غير أشقاء، والانخراط في الرياضة بأنواعها وغيرها من الأنشطة في الهواء الطلق، (بما فيها الخروج بالأطفال الرُضع في العربة المخصصة لهم) وقضاء وقت أقل في الداخل، وتقليل استهلاك المضادات الحيوية”.

ويضيف روك أن نظامنا الغذائي لا يقل أهمية أيضا، ويقول: “يبدو أن الألياف والبولي فينول (الذي يوجد في النبيذ الأحمر والفاكهة والخضروات) يسهما في الحفاظ على تنوع الكائنات المجهرية التي تعيش في القناة الهضمية (التي تسمى مجهريات البقعة)، في حين تقلل الأنظمة الغذائية التي تخلو من هذين العنصرين من هذا التنوع، حتى إن بعض الأنواع الهامة من الميكروبات تندثر تماما”.

إن الجراثيم التي تعيش على جلودنا وداخل أجسامنا تمثل جزءا من النسيج المتنوع الغني الذي يميزنا كبشر عن غيرنا. ويبدو أننا نزداد قوة بالفعل كنسيج واحد.

(بي بي سي)

س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*