هل يجب غلق خزائن الأمتعة فوق مقاعد الطائرة مركزيا؟
354
شارك
الحكمة – متابعة: الركاب الذين توقفوا لإحضار حقائب اليد الخاصة بهم أثناء اشتعال النيران في طائرة ركاب إماراتية في دبي الأسبوع الماضي عرّضوا أرواح 300 شخص للخطر. ولحسن الحظ، تمكّن جميع الركاب من الفرار قبل أن تأتي ألسنة اللهب على الطائرة بالكامل، لكن كان يمكن أن يكون الوضع مختلفا. فما الذي يمكن القيام به لإقناع الركاب بالتخلي عن حقائبهم وقت الطوارئ؟
“يتم إبلاغ الركاب بعدم إهدار الوقت في الوصول إلى الأمتعة، لكنهم لا ينصتوا”، حسبما يقول خبير السلامة إد غالي الأستاذ بجامعة غرينتش في لندن.
ويضيف “هذا أمر معتاد، يحدث في معظم الحالات. هم (الركاب) لا يقدّرون غالبا شدة حرج وضعهم. هم لا يدركون أن كل ثانية يمكنها حرفيا أن تُحدث فارقا بين الحياة والموت”.
وظهرت المشكلة جليا في حادثتين خلال العام الماضي. فقبل أن يظهر مقطع فيديو حريق دبي، أظهرت صور ركاب يهربون من طائرة الخطوط الجوية البريطانية (بريتش إيروايز) المشتعلة في لاس فيغاس وهم يجرّون الحقائب على مهبط الطائرات.
وقد اقترح غالي حلا لهذه المشكلة قبل أكثر من 20 عاما، يتمثل في نظام الغلق المركزي للخزائن فوق مقاعد الركاب في الطائرة.
ويقول “عند اقتراب الطائرة من الهبوط، يتعين على طاقم الطائرة إغلاق الخزائن العلوية”.
ويضيف “سيتم إبلاغ الركاب بوضوح أنها (مخازن الحقائب) مغلقة ولا يمكن فتحها حتى وصول الطائرة إلى بوابة خروج الركاب. أعتقد أن ذلك سيحدث فارقا كبيرا”.
ويرى غالي أن ذلك لن يسبب أي مضايقة للركاب، إذ سيظل بإمكانهم الوصول إلى حقائبهم خلال الرحلة ما لم يومض ضوء إشارة ربط حزام الأمان.
بينما يصور فيديو إخلاء طائرة دبي مشهدا فوضويا، بعدما أظهر بعض الركاب وهم يصرخون، وطفلة تدفع آخرين بحثا عن أمها، ورجالا يحضرون أمتعتهم من الخزائن العلوية وآخرين يحاولون فيما يبدو استخدام أقنعة الأكسجين، فإن الركاب لم يدخلوا في صراع على الحياة للوصول إلى مخارج الطوارئ. لكن مثل هذه الصراعات تحدث بالفعل.
وفي إحدى الروايات بشأن الحريق الذي شبّ في طائرة تابعة لشركة بريتش إيرتورز في مطار مانشستر عام 1985، التي قتل فيها 55 شخصا، تروي مضيفة جوية كيف أن ركابا تدافعوا للخروج من الطائرة وحُشروا في منطقة قريبة من أحد مخارج الطوارئ، وتقول إن أيا منهم لم يتمكن من الحركة.
لماذا تشكل الحقائب خطورة في عملية الإجلاء؟
يقول الطيار والمؤلف باتريك سميث إن “الحقائب تتسبب في إبطاء الركاب وإغلاق الممرات ونقاط الخروج”.
ويضيف أن الحقائب على مزلق الإجلاء المطاطي تصبح كـ”قذيفة قاتلة فائقة السرعة”.
وفي حالة الاندفاع الجنوني، قد تؤدي الحقائب إلى تعثر الركاب.
ويمكن كذلك أن تتسبب الحقائب في ثقب مزلق الإجلاء المطاطي وتجعله بلا جدوى.
وفي منتدى على الانترنت للطيارين المدنيين والعاملين بمجال الطيران، أعرب البعض الأسبوع الماضي عن دهشتهم من عدم وجود ضحايا في حادث دبي، كما أبدى البعض إعجابا بطاقم طائرة الشركة الإماراتية الذي تمكن من إجلاء جميع الركاب بأمان، وكذلك أعربوا عن السخط من بعض الركاب الذين عرضوا حياتهم وحياة آخرين للخطر بكل استهتار.
وقالت مجموعة طيارين تعليقا على الحادث إنه “حان الوقت لإدخال نظام غلق الخزائن العلوية”.
لكن خبيرا آخر أعرب عن شكوكه بشأن فكرة نظام غلق الخزائن العلوية مركزيا. ويعمل ديفين ليديل خبيرا استراتيجيا في شركة “تيغ” لاستشارات التصميم والابتكار، وهي الشركة التي وضعت التصميمات الداخلية لطائرات بوينغ منذ عام 1949.
والحل الذي يقدمه ليدل مختلف إلى حد كبير، إذ أنه يتمثل في “وضع عدد قليل جدا من الحقائب في المقصورة في المقام الأول”.
وعندما درس الباحثون في تيغ مؤخرا سلوكيات الركاب تجاه حقائبهم، اكتشفوا أن مصدر القلق الرئيسي هو عدم العثور على مكان لحقائبهم في الخزائن العلوية الموجودة فوق المقاعد. وهذا يفسر، كما يشير ليدل، أنه بمجرد إذاعة أي إعلان بشأن الصعود إلى الطائرة – حتى القول إن أول من سيصعد هم من برفقتهم أطفال – فإن جميع الركاب يقفون فورا لاستقلال الطائرة.
ومع ذلك، توصل الباحثون إلى أن الركّاب سيوافقون على وضع حقائبهم في مخزن الطائرة السفلي إذا كان هذا دون فرض رسوم إضافية، وكذلك إذا تأكدوا أنها لن تضيع خلال الرحلات غير المباشرة.
المساحة العلوية في طائرة بوينغ 707 كانت تستخدم في كثير من الأحيان للقبعات
بالنسبة للكثيرين، فإن الحل المثالي، كما يقول ليدل، هو ذلك الذي استُخدم في رحلات المسافات القصيرة في الولايات المتحدة، حيث توضع الحقائب في سلة قريبة من باب الطائرة، وتُلتقط مرة أخرى بالقرب من نفس الباب عند الخروج.
ويقترح ليدل نظاما تحمل فيه الحقائب بطاقة تعريف تعمل بالتردد اللاسلكي. ويتلقى الركاب بموجب هذا النظام رسالة نصية عندما يتم تحميل الحقيبة في مخزن الطائرة، كما يكون بمقدورهم إرسال رسالة نصية إلى رقم خاص للتأكد من مصير الحقيبة حال تخوفهم من أنها ليست في الطائرة.
وقد توصلت دراسات تيغ كذلك إلى أن الوقت المستغرق في الصعود إلى الطائرة والنزول منها، عندما يكون بحوزة جميع الركاب حقائب يد، هو عادةً أطول بكثير من الوقت المستغرق في استعادة الحقائب من على سير استلام الحقائب، على الرغم من أن ليدل يعتبر السيور “ديناصورات” حان وقت استبدالها بأنظمة ذكية.
ولهذا السبب، عندما كشفت الشركة العام الماضي عن تصميم داخلي لطائرة يُطلق عليه “بوبي”، لم توفر الشركة مساحات أكبر لحقائب اليد مما كانت عليه على متن الطائرة بوينغ 707، وهي الطائرة التي استهلت عصر السفر جوا منذ نصف قرن تقريبا.
ويقول ليدل “عندما طالعنا الصور القديمة، كان الفراغ الذي يعلو مقاعد الركاب مشغولا بشكل رئيسي بالقبعات، وحقائب اليد الصغيرة والمعاطف، لذلك أطلقنا عليها اسم (خزائن القبعات الصغيرة)”.
وكان التفكير الأساسي وراء الأرفف الصغيرة للغاية هو التخلص من الحقائب الثقيلة التي يمكن حملها وهو ما من شأنه أن يعزز راحة المسافرين، على الرغم من أن ليدل يقول إن عنصر السلامة يعتبر عاملا قويا كذلك.
ويضيف ليدل أن ردود الركاب كانت “إيجابية للغاية”. وبالنسبة لشركات الطيران، فإنه من غير المؤكد إذا كانت ستتحمس للفكرة أم لا. وستكون (خزائن القبعات الصغيرة) أخف وزنا وأكثر توفيرا للوقود، لكن شركات الطيران التي تفرض رسوما على وضع الحقائب في مخازنها الكبيرة ستفقد دخلا جيدا إذا ألغيت تلك الرسوم.
ويعرب الطيار والمؤلف باتريك سميث، صاحب مدونة “اسأل قائد الطائرة”، عن عدم اقتناعه بالفكرتين.
ويقول سميث “لقد تجاوزنا المرحلة التي يكون فيها حظر الأمتعة اليدوية أمرا منطقيا”.
ويعتبر سميث غلق الخزائن مركزيا “أمرا يمكن التفكير فيه”، على الرغم من أنه يشير إلى أن الركاب قد يستمرون في انتزاع أي حقائب أسفل المقاعد.
ويتبلور الحل المفضل لباتريك سميث في التركيز من جديد على إرشادات السلامة قبل إقلاع الطائرة، التي يجهلها الكثيرون من الركاب، والتأكيد بصورة صارمة على الالتزام بأربع أو خمس نقاط مهمة، من بينها أهمية ترك جميع الحقائب أثناء أي إجلاء.
وبينما لا يرى ديفين ليدل أن نظام الغلق المركزي للخزائن هو الحل الأفضل للمشكلة، فإن سميث لا يستبعد الفكرة.
ويقول سميث إن الأمر سيحتاج جهدا كبيرا في إقناع الركاب أنه لا جدوى من محاولة فتح الخزائن الصغيرة في حالات الطوارئ.
ومن جهة أخرى، يقول إن لديه فكرة تصميم قد تساعد في حل المشكلة، وهي “إعادة تصميم الخزانة بحيث تضيء باللون الأحمر عندما تكون مغلقة وبالأخضر حين تكون مفتوحة.