الحكمة – متابعة: حذرت لجنة مستقلة من خبراء التغذية والزراعة من أن سوء النظام الغذائي يلحق أضرارا صحية بواحد من بين ثلاثة أشخاص من سكان العالم.
ويقول التقرير إن نقص التغذية يعيق نمو نحو 25 في المئة من الأطفال تحت سن الخامسة.
وأشار إلى أنه بحلول عام 2030، فإن ثلث سكان العالم قد يعانون من الوزن المفرط أو البدانة.
وسُيقدم التقرير الذي أعدته “اللجنة الدولية للزراعة والأنظمة الغذائية للتغذية” إلى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو).
وقالت اللجنة، التي يرأسها جون كوفور رئيس غانا السابق، ورئيس فريق المستشارين العلميين للحكومة البريطانية جون بيدنغتون، إن ملياري شخص يعانون من نقص في مجموعة من الفيتامينات والمعادن في نظامهم الغذائي ضرورية للحفاظ على صحتهم.
وأدى ذلك إلى زيادة في أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري وغيرها من الأمراض ذات الصلة بالنظام الغذائي والتي تقوض الإنتاجية وتهدد بإرهاق الخدمات الصحية.
وارتبطت هذه الأمراض المزمنة وغير المعدية بأنظمة الأغذية المصنعة والمليئة بالدهون في دول العالم المتقدمة، لكن معظم الحالات الجديدة لهذه الأمراض ظهرت في الدول النامية.
وحذرت اللجنة من أنه وفقا للاتجاهات الحالية فإن الوضع قد يزداد سوءا خلال العشرين عاما القادمة.
وأشارت إلى أن المطلوب هو جهد عالمي مثل جهد مكافحة الإيدز أو الملاريا لمواجهة هذا التحدي.
قصر العمر
ووفقا للجنة، فإن سوء التغذية بين الأطفال والأمهات وارتفاع ضغط الدم وغيرها من المخاطر المرتبطة بالنظام الغذائي تؤدي إلى قصر العمر أكثر من التدخين وتلوث الهواء وسوء الصرف الصحي أو ممارسة الجنس غير الآمن.
وبالرغم من حدوث تقدم كبير في تقليل مستويات نقص التغذية، فإن 800 مليون شخص لا يزالون يعانون من الجوع بشكل يومي.
وتتضح مشكلة نقص التغذية بشكل كبير في نسب الهزال بين الأطفال.
وأوضح التقرير أن 25 في المئة من الأطفال دون سن الخامسة يعانون نقصا في قدراتهم البدنية والعقلية، والنساء اللائي يعانين من نقص التغذية ينجبن أطفالا بضعف في إحدى وظائف الجسم.
واستشهد البروفيسور لورانس حداد من “المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية” بالوضع في دولة غواتيمالا حيث يعاني أكثر من 40 في المئة من الأطفال قصر في القامة مقارنة بمن هم سنهم.
وقال إن “ذلك يعود جزئيا إلى عدم المساواة. الأشخاص أصحاب الدخول العليا يتمتعون بغذاء أفضل ومستويات أقل من الهزال، والمجموعات ذات الدخول الدنيا يتناولون نظاما غذائيا يعتمد على الذرة، لكن ليس لديهم مستويات كافية من الخضروات والفاكهة والألبان أو البروتين مثل تلك الموجودة في الدجاج.”
وقالت مديرة اللجنة الدولية البروفيسور ساندي توماس إنه هذه الصورة تتكرر في الدول ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة، وسوء الحالة البدنية يؤدي مباشرة إلى انخفاض مستويات الإنتاجية.
وأضافت: “حققت دولة أفريقية أو اثنتان نجاحات كبيرة في مجال الزراعة. وفي رواندا، ساعدت زراعة الفاصوليا الغنية بالحديد في خفض مستويات فقر الدم (الأنيميا) بين النساء، لكن الأنيميا تتراجع ببطء شديد على مستوى العالم.”
تغيير النظام الغذائي
وفي ديباجة التقرير، قال جيمس وارتون، وزير دولة في وزارة التنمية الدولية في بريطانيا، إن نقص التغذية يؤدي إلى خسارة كبيرة في الإنتاجية الوطنية، تتراوح بين 3 و 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في أفريقيا وآسيا.
ويبلغ متوسط مستوى الخسارة نحو عشرة في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يعادل تأثير الأزمة المالية العالمية على أساس مستمر.
وركزت محاولات مكافحة نقص التغذية أحيانا على زيادة السعرات الحرارية على حساب تحسين النظام الغذائي الشامل.
وتحولت العديد من الدول سريعا من حالة نقص التغذية واسعة النطاق إلى مواجهة مشكلة خطيرة مع البدانة.
وفي الصين، حيث تغيرت الأنظمة الغذائية بشكل سريع في السنوات الأخيرة، يتوقع أن يعاني نصف السكان من الوزن المفرط أو البدانة بحلول عام 2030.
وتشير التقديرات على مستوى العالم أن عدد أصحاب الوزن الزائد والبدناء سيزيد من 1.3 مليار شخص في عام 2005 إلى 3.3 مليار، وهو ما يعادل تقريبا ثلث عدد السكان.
وبالرغم من أن التطور الاقتصادي يقلل من حدة بعض المشاكل، فإن الأنظمة الغذائية يمكن أن، بل وفي الغالب، تؤدي إلى تدهور الأنظمة الغذائية بعد أن تصبح الدول أكثر ثراء.
وتشير اللجنة إلى أنه بالرغم من تزايد نسب تناول الفاكهة والخضروات، فإن استهلاك أغذية قليلة الجودة يقلل من تأثير ذلك.
ويدفع التمدن عددا أكبر من الناس إلى تناول أغذية أغلبها مصنعة من بينها أغذية الشوارع المشبعة بالدهون والأملاح، والتي تمثل خطورة متزايدة للغش والعدوى.
ويقول البروفيسور حداد إن تركز الناس في المدن يجذب أيضا شركات الأغذية والمتاجر الكبرى (سوبر ماركت).
وأضاف بأن “الأغذية المصنعة بمستويات عالية والمخزنة لفترة طويلة، والتي بها نسب عالية من السعرات الحرارية لكن قيمتها الغذائية منخفضة تؤدي إلى زيادة الأرباح (للشركات والأسواق) بشكل كبير، ومتسوقو المتاجر الكبرى يمثلون بعضا من العوامل الأكثر تأثيرا في تحديد النظام الغذائي على المستوى الوطني.”
وبالفعل فإن كميات الغذاء في النظام الغذائي العالمي والتي تشهد درجة من التصنيع تزايدت.
وسجلت الدول ذات الدخول المتوسطة الأدنى أسرع نمو في الأغذية المصنعة التي تحتوي على سعرات حرارية وسكريات وأملاح ودهون مثل البسكويت والأغذية السريعة والحلوى.
وفي عام 2000 شكلت البلدان ذات الدخول المتوسطة الأعلى بالفعل ثلث الأغذية والمشروبات “المصنعة بمستويات فائقة” التي تستهلكها الدول ذات الدخول العالية مثل المثلجات والمشروبات السكرية والحلوى والوجبات الخفيفة لذيذة الطعم، لكن هذه النسبة ارتفعت لأكثر من النصف بحلول عام 2015.
جوع على نطاق واسع
وتتوقع اللجنة الدولية تدهور الوضع بشكل كبير خلال السنوات ال20 المقبلة مع زيادة عدد السكان، وهو ما سيسبب سوء التغذية لنصف سكان العالم.
وسيكون هناك مليارا شخص آخرين بحاجة للطعام في أفريقيا وآسيا بحلول عام 2050. وتقول اللجنة إن أفضل الأدلة تشير إلى أن تغير المناخ سوف يؤدي أيضا إلى وفاة أكثر من نصف مليون حالة إضافية، معظمهم في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وتقول اللجنة إن الدراسات العالمية تظهر أن المحاصيل الزراعية تتأثر سلبا جراء تغير المناخ في المناطق الاستوائية حيث ينتشر الجوع على نطاق أوسع، على الرغم من أنها تقر بأن إنتاجياتها يمكن أن تزيد في أماكن أخرى.
وحذر التقرير أيضا من أنه بحلول عام 2050 فإن الأثر المتوقع لزيادة نسب أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على محتويات الزنك في الحبوب والدرنات والبقول يمكن أن تعرض 138 مليون شخص آخرين لخطر جديد من نقص الزنك.
وقد نجحت بعض الدول إلى حد كبير في ربط التنمية باتباع نظام غذائي صحي.
وتستشهد اللجنة في هذا الشأن بكوريا الجنوبية، والتي تحولت من مستويات الدخل المنخفض ثم المتوسط ثم المرتفع في العقود القليلة الماضية بطريقة عززت من توفير الوجبات الغذائية عالية الجودة وبأسعار معقولة نسبيا.
وقد ظلت مستويات البدانة عند حوالي 6 في المئة من السكان في كوريا الجنوبية.
نحن نعيش في عالم حيث الجوع والبدانة ينتشران على نحو متزايد في نفس المنطقة.
ورغم أن كثيرا من الناس يعانون من أمراض تسبب العجز وتقصر العمر من خلال سوء نوعية الغذاء، فإن سوء التغذية يسهم في وفاة ما يقرب من نصف الأطفال تحت سن الخامسة والبالغ عددهم 16 ألف طفل والذين يموتون كل يوم.
وهذه هي تكلفة سوء التغذية، وتشير التقديرات إلى أن كل دولار يُستثمر في التغذية يحقق 16 دولار في المقابل.
وتؤكد اللجنة الدولية على أن مكافحة سوء التغذية هي واجب أخلاقي، لكنها أيضا أولوية اقتصادية.