قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وبعدها الإلهي
ما إن انتهت فاجعة كربلاء الا والشمس كورت فذهب نورها وأزيل والنجوم انكدرت فتساقطت وتهاوت، والجبال سيرت وازيلت عن مواضعها، والعشار الحوامل اهملت، والوحوش جمعت من كل صوبا تندب المقتول باي ذنب قتل، وصارت البحار بحرا واحدا وتغيرت السماء وانشقت، وارتجت الارض وانفتقت حزنا وتأسيا بذلك المصاب الذي افجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام). وما يقام للإمام حسين (عليه السلام) من شعائر ومراسيم تخليدا لذكراه لم تأتي من فراغ بل لبعدها الإلهي، لأنه (عليه السلام) لم يكن أفضل من جده وأبيه ولا أمه وأخيه، وهو القائل ومصرحا بذلك في كربلاء: (جدي خير مني وابي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكلّ مسلم برسول الله اسوة) العوالم الإمام الحسين: ص 246.
وهذا يدل على عظم ما قدمه للإسلام في استمرارية بقاءه، بعد أن كادت بني أمية أن تطمس معالمه الوجودية، فالتعامل مع قضية الإمام الحسين (عليه السلام) يجب أن تنطلق من واقع المأساة بحكمة وعقل منفتح، وعاطفة ممزوجة بالوعي الفكري والحضاري، فان لم يكن كذلك سوف يؤدي إلى ضياع الحقّ وهدرا للدماء المقدسة.
خصائص قضية الإمام الحسين (عليه السلام)
ان قضية الإمام الحسين (عليه السلام) قضية إلهية انبثقت من الواقع وتعامل معها الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) قبل وقوعها بكونها ذات قيمة إنسانية وعطاء منفرد النظير، يعيد للأمة جانبا من رشدها المضاع وتفكيرها المسلوب، ولذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يخاطبه بقوله: ( (مرحبا بك يا ابا عبد الله يا زين السموات والأرضين)) عيون اخبار الرضا: ج1 ص62
وبما ان واقعة كربلاء مخطط لها من قبل السماء فكان لها وقع في نفوس الناس المؤمنين والمحبين، واثر عاطفي فعّال، وإلا فهناك الكثير من الحروب وقعت في العالم، بل وقع ظلم كثير وفجائع وقتل وسبي، قبل كربلاء وبعدها، وما اكثر الظلم على مرّ التاريخ وما زال وفي كل مكان. ولكن واقعة كربلاء امتازت بخصائص كثيرة تميزت بها وجذبت الانتباه ولم تكن هذه الخصائص حاضرة في معارك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا في المعارك الثلاثة التي خاضاها الإمام علي (عليه السلام) والتي فرضت عليه، ومن هذه الخصائص: تمثلت بحضور الإمام الحسين (عليه السلام) عند كل شهيد يسقط في ارض المعركة وهو القائد الأعلى ليحافظ عليهم ما أمكنه دون ان يهانوا بعد استشهادهم ولم يُحرم أي من شهداء الطف من هذه المزية، وهذا لم يوجد في كلّ الحروب إذ الملاحظ فيها تحمل المقاتلين تلك الاهانات دون توجيهها للقائد أو تقليلها إلى اقل ما يمكن.
فقد جاء على لسان الروايات والمؤرخين ممن حضر الواقعة: ان الإمام الحسين (عليه السلام) كان يمتطي فرسه ويراقب الأوضاع، وما ان يسقط الشهيد حتى يحضر عنده فورا قبل ان يفارق الحياة، وحسب تعبير بعضهم (كالصقر المنقض) لئلا يوجه إليه أولئك القتلة أي اهانة ثم يسارع لنقله إلى المخيم، وقبل حمله إلى الخيام يجلس عنده ويضع رأسه في حجره ويمسح الدم والتراب عنه ويكلمه ويدعو له. فأي أبوة وأي شعور يحمله الإمام (عليه السلام) اتجاه أصحابه بعد ان وصفهم بذلك الوصف (اني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خير من أصحابي).
ومن الخصائص التي تميزت بها قضية الإمام الحسين (عليه السلام) إنها زرعت الوعي الفكري واحيت الوجدان والضمير الإنساني، فأصبحت مدرسة تتعلم منها الأجيال معنى البطولة والتضحية من اجل المبادئ والعقائد. وكسرت حاجز الخوف الذي أصاب الأمة مما جعلها حائرة مترددة أمام طغيان الجبابرة وحكام الجور.
أصحاب الإمام مصداقا من مصاديق البعد الإلهي
ان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كانوا حالة استثنائية متميزة، تميزت عن بقية أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) واصحاب أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) بالوفاء والفناء في ذات الله تعالى، وهذا لا يعني ان أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) المخلصين منهم او أصحاب الإمام علي (عليه السلام) لم يكونوا بمستوى المسؤولية والمعرفة، بل ان أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كانوا حالة من حالات الاستثناء الإلهي، وهذا الاستثناء ظاهر في كلام الإمام الحسين (عليه السلام)، لمعرفته بهم حقّ المعرفة ولذلك قال فيهم: (إني لا اعلم أصحابا ـ وهو الإمام المعصوم والعصمة امانا من كلّ شيء ـ أوفى ولا خيرا من اصحابي) بحار الأنوار: ج44 ص392
وهذا المعنى وهو الوفاء والفناء في ذات الله يمكن فهمه من شعرهم وأراجيزهم، ومن الحوار الذي دار بين برير وعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري يقول الراوي: فلما كان الغداة… فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن: يا برير أتضحك! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.
فقال برير: لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابا وإنما افعل ذلك استبشارا بما نصير اليه، فو الله ما هو إلا ان نلقيَ هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة. اللهوف على قتلى الطفوف: ابن طاووس ص (95)
وبناء على ما تقدم، تتضح أهمية قضية الإمام الحسين (عليه السلام) وبعدها الإلهي، كقضية إنسانية عادلة، اعادة للأمة جانبا من رشدها المضاع وتفكيرها المسلوب، إذ لولاه لما قام للإسلام عمود ولا اخضرّ له عود، ولأماته معاوية وأتباعه، ولدفنوه في اول عهده في لحده.
قال الإمام الحسين (عليه السلام) لما طالبه مروان بن الحكم بالبيعة ليزيد بن معاوية: (فعلى الإسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد). لإدراكه بما سيؤول له الأمر من تهتك ومجون وانحراف واضح، وفي هذا مؤشر خطر على عظم الانحراف الذي أصاب مفهوم الخلافة الإسلامية وابتعادها الرهيب عن مضمونها الشرعي. وقد صدق من قال ولا مغالاة في ذلك: إن الإسلام محمدي الحدوث حسيني البقاء والخلود. والمجد والخلود لروح سيد الشهداء وأبنائه وأصحابه ما دامت السموات والأرض.
مراجعة : أبو يمان الأنصاري
شبكة الموقف العراقي