7 صفر .. ذكرى شهادة السبط الأكبر إمام الهدى الحسن المجتبى عليه السلام
432
شارك
اسمه الشريف الحسن وكنيته الشريفة أبو محمد وألقابه الكريمة السيد والسبط والأمين والحجة والبر والنقي والزكي والمجتبى والزاهد.
صفاته عليه السلام: روى الشيخ الجليل علي بن عيسى الإربلي في كشف الغمة أنه: كان الحسن بن علي عليهما السلام أبيض مشرباً بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية، ذا وفرة، وكأن عنقه إبريق فضة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان يخضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن. وروي ايضاً عن الإمام علي عليه السلام قال: أشبه الحسن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان أسفل من ذلك. فضائله عليه السلام: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ان الحسن والحسين شنفا العرش وان الجنة قالت: يا رب أسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال لها الله تعالى: ألا ترضين أني زينت أركانك بالحسن والحسين …. فماست (الجنة) كما تميس العروس فرحاً. وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنه قال: حدَّثني أبي عن أبيه ـ عليهما السلام ـ ان الحسن بن علي بن ابي طالب عليه السلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان اذا حج حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنشور بكى، واذا ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على الله (تعالى ذكره) شهق شهقة يغشى عليه منها. الشهادة المفجعة: استشهد ابو محمد الحسن بن علي عليهما السلام وهو ابن سبع واربعين سنة، وكان بينه وبين اخيه الحسين عليه السلام مدة الحمل وكان حمل ابي عبد الله عليه السلام سته اشهر، فاْقام ابو محمد مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنين، واقام مع ابيه بعد وفاة جده بثلاثين سنة، واقام بعد وفاة امير المؤمنين عليه السلام عشر سنين. الخيانة العظمى: روى القطب الراوندي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: قال الحسن عليه السلام لأهل بيته: اني اموت بالسم كما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقالوا: ومن يفعل ذلك ؟ قال: امرأتي جعدة بنت الاشعث بن قيس فان معاوية يدس السم اليها ويأمرها بذلك. قالوا: أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك، قال: كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئاً ولو اخرجتها ما قتلني غيرها وكان لها عذرعند الناس، فما ذهبت الايام حتى بعث لها معاوية مالاً جسيماً وجعل يُمنّيها بأن يعطيها مائة الف درهم ايضاً ويزوجها من يزيد وحمل اليها شربة سم لتسقيها الحسن عليه السلام. تنفيذ أمر الطاغية: فانصرف عليه السلام الى منزله وهو صائم فأخرجت له وقت الافطار ـ وكان يوماً حارّاً ـ شربة لبن وقد القت فيها ذلك السمّ، فشربها وقال: ياعدوة الله قتلتيني قتلك الله والله لاتصيبين منّي خلفاً، ولقد غرك وسخر منك والله يخزيك ويخزيه. فاسترجع الامام عليه السلام وحمد الله على نقله له من هذه الدنيا الى تلك الدنيا الباقية ولقاء جده وابيه وعمّيه حمزة وجعفر، فمكث عليه السلام يومين ثم مضى، فغدر معاوية بها ولم يفي لها بما عاهدها عليه. رواية الشيخ المفيد: قال الشيخ المفيد رضوان الله عليه: لما استقر الصلح بين الحسن عليه السلام وبين معاوية خرج الحسن عليه السلام الى المدينة، فأقام بها كاظماً غيظه، لازماً بيته، منتظراً لأمر ربه عز وجل، الى ان تم لمعاوية عشر سنين من امارته وعزم البيعة لابنه يزيد وكان هذا الامر خلاف المعاهدة والمصالحة التي وقعت بين الامام الحسن عليه السلام وبينه فكان يلاحظ ويخاف من الامام ويهابه فعزم على قتل الامام. فدّس الى جعدة بت الاشعث بن قيس وكانت زوجة الحسن عليه السلام وحملها على سمّه ـ بالسم الذي ابتاعه من ملك الروم ـ وضمن لها ان يزوجها بابنه يزيد، فأرسل اليها مائة الف درهم، فسقته جعدة السمّ فبقي اربعين يوماً مريضاً ومضى لسبيله في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمانية وأربعون سنة وكانت خلافته عشر سنين. وتولى اخوه ووصيه الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها بالبقيع. لو أجد انصاراً: روي في الاحتجاج للطبرسي انه اتى الحسن بن علي عليه السلام رجل فقال: يابن رسول الله اذللت رقابنا وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً ـ لبني أميّة ـ مابقي معك رجل، قال: ومِمَّ ذلك؟ فقال: بتسليمك الامر لهذا الطاغية. قال: والله ما سلمت الأمر إليه الا اني لم اجد انصاراً، ولو وجدت انصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت اهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، انهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، انهم لمختلفون ويقولون لنا: ان قلوبهم معنا وان سيوفهم لمشهورة علينا. فكان عليه السلام يتكلم اذ تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئ ماخرج من جوفه من الدم، فقال الرجل: ما هذا يا بن رسول الله اني لأراك وجعا؟ قال: اجل، دُسَّ اليّ من سقاني سماً فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى، قال: افلا تتداوى؟ قال: عليه السلام قد سقاني مرتين وهذه الثالثة لا اجد لها الدواء. ما منا الا مسموم او مقتول: روى صاحب كفاية الاثر بسند معتبر عن جنادة بن ابي امية انه قال: دخلت على الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفى فيه وبين يديه طست يقذف عليه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية لعنه الله. فقلت: يامولاي مالك لاتعالج نفسك؟ فقال: ياعبد الله بماذا اعالج الموت؟ قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم التفت اليّ، وقال: والله لقد عهد الينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماماً من ولد علي وفاطمة ما منا الاّ مسموم او مقتول، ثم رفعت الطست واتكى صلوات الله عليه. كلام من نور: قال: فقلت له عظني يابن رسول الله؟ قال: نعم، استعد لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول اجلك، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولاتحمل هم يومك الذي لم يأتي على يومك الذي انت فيه، واعلم انك لاتكسب من المال شيئا فوق قوتك الا كنت فيه خازناً لغيرك. واعلم ان في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فانزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فان كان ذلك حلالاً كنت قد زهدت فيها، وان كان حراماً لم يكن فيه وزر، فاخذت كما اخذت الميتة، وان كان العتاب فان العتاب يسير. واعمل لدنياك كانك تعيش ابداً، واعمل لاخرتك كانك تموت غدا،ً واذا اردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصيةِ الله الى عز طاعة الله عز وجل… فذكر عليه السلام من قبيل هذة المواعظ البليغة، حتى انقطع نفسه واصفر لونه فدخل الحسين عليه السلام والاسود بن ابي الاسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه ثم قعد عنده فتسارا جميعاً. فقال ابو الاسود: انا لله، ان الحسن نعت اليه نفسه، وقد اوصى الى الحسين عليه السلام ـ واعطاه ودائع الخلافة ـ وتوفي يوم الخميس في اخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة واربعون سنة ـ ودفن بالبقيع ـ. وصية الامام الحسن عليه السلام: امر الامام الحسن اخاه الحسين عليهما السلام ان يكتب فكتب: هذا ما أوصى به الحسن بن علي الى اخيه الحسين بن علي ـ عليهما السلام ـ : اوصى انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وانه يعبده حق عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذل وانه خلق كل شيء فقدره تقديراً وانه اولى من عُبد واحق من حُمد، من اطاعه رشد، ومن عصاه غوى، ومن تاب اليه اهتدى. فاني اوصيك ياحسين بمن خلفت من اهلي وولدي واهل بيتك ان تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم، وتكون لهم خلفاً والداً وان تدفنني مع رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فاني احق به وببيته ممن ادخل بيته بغير اذنه، ولا كتاب جاءهم من بعده. قال الله تعالى فيما انزله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ» الاحزاب: 53 فو الله ما اذن لهم في الدخول عليه في حياته بغير اذنه ولا جاءهم الاذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده. فان ابت عليك المرأة فانشدك الله بالقرابة التي قرب الله عز وجل منك والرحم الماسة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان تهريق فيَّ محجمة من دم، حتى نلقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنختصم اليه ونخبره بما كان من الناس الينا بعده. الحقد الدفين: قال ابن عباس: فدعاني الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن جعفر وعلي بن عبد الله بن العباس فقال: اغسلوا ابن عمكم فغسلناه وحنطناه والبسناه اكفانه، ثم خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد، وان الحسين عليه السلام امر ان يفتح،البيت فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان وقالوا: يدفن امير المؤمنين (عثمان) الشهيد القتيل ظلماً بالبقيع بشرّ مكان ويّدفن الحسن عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ لا يكون ذلك ابداً حتى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح وينفذ النبل. فقال الحسين عليه السلام: اما والله الذي حرّم مكة، للحسن بن علي وابن فاطمة احق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبيته ممن ادخل بيته بغير اذن، وهو والله احق به من حمال الخطايا مسيّر ابي ذر رحمه الله الفاعل بعمار مافعل وبعبد الله ماصنع، الحامي الحمى، المؤوي لطريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنكم صرتم من بعده الامراء وتابعكم على ذلك الاعداء وابناء الاعداء. ركب البغاة: قال ابن عباس: وكنت اول من انصرف، فسمعت اللغط وخفت ان يعجل الحسين على من قد اقبل ورأيت شخصاً علمت الشر فيه فاقبلت مبادراً فاذا انا بعائشة في اربعين راكباً على بغل مرحل، تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلما رأتني قالت: اليّ اليّ يابن عباس لقد اجترأتم علي في الدنيا تؤذوني مرة بعد اخرى، تريدون ان ادخل بيتي من لا اهوى ولا احب. فقلت: واسوأتاه يوم على بغل ويوم على جمل، تريدين ان تطفئي نور الله ونور اولياء الله وتحولي بين رسول الله وبين حبيبه ان يدفن معه فجاءت الى قبر الرسول صلى الله عليه وآله فرمت بنفسها عن البغلة وقالت: والله لايدفن الحسن ههنا أبداً او تجز هذه، واومت بيدها الى شعرها. لولا الوصية: وفي رواية مضمونها انه: رموا جثمان الامام عليه السلام بالسهام حتى اخرج من جنازته سبعون سهماً، فاراد بنو هاشم المجادلة فقال الحسين عليه السلام: الله الله لا تضيعوا وصية اخي فانه اقسم علي ان انا منعت من دفنه مع جده صلى الله عليه وآله ان أُخاصم فيه احداً، ولولا وصيته لرأيتم كيف ادفنه في جنب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورغمت معطسكم، فعدلوا به الى البقيع فدفنوه جنب جدته فاطمة بنت اسد رضي الله عنها. بكاءُ للحسن عليه السلام: وفي فضل البكاء عليه وزيارته ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (…فلا يزال الامر به حتى يقتل بالسم ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيئ حتى الطير في جو السماء والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعم العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه تثبتت قدمه على الصراط يوم تزل الاقدام). ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.