Take a fresh look at your lifestyle.

الأمن النفسي لدى أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)

0 746

   إن الحاجة للأمن النفسي من الحاجات الضرورية في حياة الإنسان، فهي تحتل المرحلة الثانية في هرم حاجات (ماسلو)(*) وتأتي بعد الحاجات التي تعمل على بقاء الإنسان على قيد الحياة، فهي بلا شك ينشدها الإنسان في كل مراحل حياته وفقدانها يؤدي إلى شعور الفرد بعدم الاطمئنان والاستقرار والقلق المستمر فضلاً عن الأضرار النفسية التي تترك آثاراً سلبية على شخصية الفرد.
فالأمن النفسي حاجة ملحة ذات ماضي وحاضر ومستقبل وجدت مع وجود الإنسان على هذه الأرض، فإن الإنسان يريد الأمان النفسي الآن ويطمح إليه في المستقبل.
وقد تنبه المتخصصون في علم النفس إلى أهمية هذه الحاجة في حياة الإنسان وفي كل الأوقات والأزمنة، ويرى المتخصصون في علم النفس العسكري (الحربي) أنها حاجة ضرورية للمقاتلين من حيت رفع الروح المعنوية لديهم وتحفيز قدراتهم القتالية ومحاربة الدعايات والإشاعات الضارة ومقاومة أثر الحرب النفسية من قبل الأعداء والتغلب على القلق والتوتر والضيق والحرج في نفوس المقاتلين.
إذ يتفق التربويون والنفسيون والمتخصصون في العلوم العسكرية على أن عدم الشعور بالأمن النفسي والاستقرار ونبذ القلق يعد مشكلة ذات أهمية كبيرة في ساحة المعركة، ومما يؤكد أهمية هذه المشكلة ما تتخذه المؤسسات العسكرية والقائمون عليها من تدابير وإجراءات تحاول الحد من ظاهرة القلق النفسي لدى المقاتل وتحاول رفع معنوياته قدر المستطاع.
فإن انعدام الشعور بالأمن النفسي والاستقرار يجعل المقاتل يجد صعوبة في مواجهة الأعداء والتصدي لمشكلات وصعوبات المعركة، حيث إنه في استجاباته للموقف القتالي يتداخل قلقه وصراعه وإحباطه مع الفشل الذي يتوقع حصوله.
وتعد مشكلة ضعف الأمن النفسي من أهم المشكلات التي تعاني منها المؤسسة العسكرية، وذلك لما لها من تأثير سلبي على حياة المقاتلين النفسية وسبباً في كثير من إخفاقاتهم في المعارك والحروب.
وبعد هذا التقديم البسيط جاءت هذه السطور لتسلط الضوء على الأمن النفسي لأصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)
في واقعة الطف.. وسنجيب على السؤال الآتي:
هل أن أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)كانوا يشعرون بالأمن النفسي قبل وأثناء المعركة وما دور الأمام الحسين(عليه السلام)
في هذا الصدد؟.
إن القارئ والسامع لقصة واقعة الطف كاملة يرى ويسمع ويفهم أن هناك حالات واضحة وبينة صدرت عن أصحاب الحسين (عليه السلام) تظهر مدى الكياسة والرزانة ورجاحة العقل والاطمئنان والاستقرار والأمن النفسي والبدني لهم.
وإن الحالة النفسية التي عاشها أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) تنعكس على تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم وعلى أدائهم وأقوالهم وأفعالهم وكل ما صدر عنهم، فكلما كان المقاتل مطمئنًا وهادئًا ومستقرًا أدى ذلك إلى ارتفاع روحه المعنوية في القتال وتحسن أدائه العسكري، وتحفز إلى ملاقاة الأعداء.
والسؤال الذي يُطرح هنا : ما صيغ الروح المعنوية والأمن النفسي لدى أصحابه (رضوان الله عليهم)
في واقعة الطف؟.
والجواب كما يأتي:
1- إن الإمام الحسين(عليه السلام) حرص حرصاً شديداً على أن يكون الخروج معه نابعاً عن عقيدة واقتناع شخصي تام
وإرادة وثبات عاليين، الأمر الذي سوف يشكل دافعاً قوياً للتضحية والفداء وحافزاً نحو القوة والعزم، فهو(عليه السلام)
في دعوته يعرض المشاركة معه على الآخرين ولكن يترك الخيار لهم في الموافقة أو عدمها والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال كما ترويها كتب المقاتل أو من أرخ لحياة الحسين(عليه السلام) أو أصحابه.
2- إن الإمام الحسين(عليه السلام) سعى دائماً إلى أن يبين النتيجة الحتمية والنهائية لخروجه في معركته الإصلاحية، حيث أوضح(عليه السلام) في أقواله وأفعاله استحالة النصر العسكري وبين في أكثر من موقع(1)

أن الشهادة هي التحصيل الحاصل له ولأهل بيته ولأصحابه، فكل من تبع الحسين(عليه السلام) يعلم علم اليقين بهذا المصير المحتوم.
3- إن الإمام الحسين(عليه السلام) مع اطمئنانه النفسي لأصحابه ومعرفته مدى حبهم له واستعدادهم للتضحية من أجل الدين ومن أجله، إلا أنه أعطى لكل فرد حرية المشاركة في القتال وذكّر أصحابه بأنهم ليسوا مطلوبين من قبل الأمويين بل إنه المطلوب للقتل، وأعطاهم الحرية في المضي والذهاب من غير أية تبعات قانونية بحقهم مثلما يفعل القادة العسكريون من إجبار المقاتلين على القتال، وهو ما يضعف إرادتهم وقوتهم للقتال واليأس من النصر.
إذ قال(عليه السلام) لأصحابه (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملًا، وتفرقوا في سواده، فإن القوم إنما يطلبونني ، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري)(2).
وتصرّفُ الإمام الحسين(عليه السلام) هنا كان بمثابة الاختبار الواقعي الموضوعي، وكانت نتيجة الاختبار أنْ وجدهم مستأنسين بالشهادة والموت بين
يديه(عليه السلام).
وما قاله الإمام الحسين(عليه السلام) لأخته زينب(عليها السلام) بحقهم خير وصف، وهو ((أَما وَاللهِ ! لَقَدْ نَهَرْتُهُمْ وَبَلَوْتُهُمْ وَلَيْسَ فيهِمُ [ إِلاَّ ] الأَْشْوَسَ الأَْقْعَسَ يَسْتَأْنِسُونَ بِالْمَنِيَّةِ دُوني اسْتِئْناسَ الطِّفْلِ بِلَبَنِ أُمِّهِ))( 3 ).

4- لم يكن غائباً عن ذهن الإمام الحسين(عليه السلام) أنه لا بد من أن يوضح غايته وقصده من الخروج ضد طاغية عصره، وأن يعزز ويدعم الروح العالية لدى أصحابه عن طريق بيان الجائزة النهائية التي يقاتلون من أجلها وهي الشهادة الحقيقية، فضلاً عن أنه وكما تشير العديد من الروايات المذكورة أنه أرى كل شخص من أصحابه مصرعه ومقتله من جهة، وأراه مكانته في الجنة من جهة أخرى وأكدت هذه الروايات أنه بَيَّنها فيما بين أصبعين من أصابعه الشريفة.

إذ قال(عليه السلام) في خطبته التي ألقاها الإمام في مكة قبل وأثناء تحركه نحو العراق، والتي يفهم قارئها وسامعها أن الإمام في تحركه من مكة إلى كربلاء، كان بقصد القتل والاستشهاد وكان ينعى نفسه دائماً، وأن غايته كانت السامية وليس له غاية أو مبرر أو هدف آخر وهو الذي قال: ((خُطَّ الموت على وُلْد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يُوسُف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تُقطعها عُسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربةً سُغباً، لا محيص عن يوم خُط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبرُ على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحُمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعدُهُ، من كان باذلاً فينا مُهجتهُ ومُوَطِّناً على لقاء الله نفسُه فليرحل معنا فإنني راحل مصبحاً إن شاء
الله))(4).
5- إن الحسين (عليه السلام) لم يعِش كقائد معزول عن جنوده يمتاز عنهم بمنصبه، بل كان قائداً يعتاش وسط جنوده حريصاً على اللقاء مع أصحابهP
باستمرار بشكل فردي وجماعي، وهذا ما تجلى واضحاً حتى في الليلة الأخيرة من عمرهم الدنيوي وفي أثناء المعركة، ولا بد أن نوضح أن وجود القائد مع جنوده من معززات الروح القتالية والمعنوية لدى الجنود في ساحة المعركة وعنصراً من شعورهم أن القائد هو فرد مثلهم سيلاقي ما يلاقونه من المصير نفسه.
6- إن وجود الحسين(عليه السلام)بشخصه كان عنواناً ودعماً عسكرياً وقوة شخصية وثباتًا شديدًا لأصحابه كافة، فهو بقية النبوّة ومتبع منهج الإصلاح والسائر على نهج جده محمد(صلى الله عليه وآله)، فأصحابه.
كلهم عرفوا مدى رمزية الحسين(عليه السلام)ومدى صدق منهجه ومطلبه وهدفه السامي، هذا ما أعطى دافعاً لبعض أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ممن قاتل معه وفي أغلب معاركه للمشاركة في معركة الطف ووقوعهم شهداء بين يديه، إيماناً منهم بعدالة الحسين(عليه السلام) وعدالة القضية التي خرج من أجلها وأنه جبهة الحق وأن الأمويين هم جبهة الباطل والضلال والظلم.
صور الأمن النفسي
لدى أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام):
الاستقرار النفسي الذي كان مزروعًا في قلب أصحاب الحسين(عليه السلام)تجلى في صور عديدة أوضحتها قصص الشهادة التي سطرها الأصحاب والتي منها:
1. الإصرار الذي كان يتدفق في جوانب أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)في المشاركة الفاعلة في المعركة وبمحض الإرادة دون أي إكراه أو إجبار أو تهديد، بل كان بقناعة قلبية ونفسية صادقة، وهذا ما دفعهم للتنافس فيما بينهم في القتال والدخول إلى ساحة المعركة.
2. الصراع نحو الشهادة والقتل بين يدي الحسين(عليه السلام) وهذا يتجلى في الجدال الجميل الذي دار بين أصحاب الحسين (عليه السلام)
وبين بني هاشم فيمن يبدأ القتال، وهذا ينم عن قناعة وافية متكاملة وعن ذوبان حقيقي في ذات الله والدين وفي شخص الإمام الحسين(عليه السلام).
3.الانــشراح والاستبشار والفرح والسرور الذي كان واضحاً على وجوههم ومحياهم وفي كل تصرفاتهم وما حدث في ليلة العاشر خير دليل على ذلك من فرح وسرور دار بين الأصحاب
الأمر الذي جعل برُير يضاحك عبد الرحمن، فقال له عبد الرحمن: يا بُرير أتضحك ؟.. ما هذه ساعة باطل، فقال برير : ((لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلًا ولا شابًا ، وإنما أفعل ذلك استبشارًا بما نصير إليه ، فو الله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثم نعانق الحور
العين ))(5).
وإن الاطمئنان والأمن النفسي بما سيلاقيه بريراً (وهو أنموذج من الأصحاب) جعله مستبشراً ضاحكاً فرحاً وانعكس على شخصيته ونفسيته فكانت راضية مرضية مكتسبة لقوة وإرادة وعزيمة بل تعدى ذلك إلى الشوق إلى ساعة القتال والشهادة.
4. الشجاعة التامة الفائقة في ساحة المعركة، ففي علم النفس العسكري (الحربي) إن المقاتل القلق والمتوتر لا يستطيع أن يصمد بوجه العدو ويقتل سريعاً، عكس أصحاب الحسين(عليه السلام)فكل واحد منهم أعطى قصة للشهادة وللشجاعة في آن واحد،مع علمهم بمصيرهم ومصرعهم، وما يذكره أرباب المقاتل عن صمودهم خير دليل على ذلك وكل شخص منهم يقتل مجموعة حتى يستشهد.
5. كل شخص من أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام)ممن يبقى له رمق في الحياة يوصي الآخرين بالحسين(عليه السلام)خيراً، تاركين قرة أعينهم وفلذات أكبادهم ونسائهم وأموالهم إلى جانب من غير وصية بهم، وإن أوصوا بأهلهم فيكونوا بعد الحسين (عليه السلام)لاعتقادهم به وبإمامته وعدالته ومشروعية قضيته التي خرج وخرجوا معه لأجلها، فالحسين (عليه السلام)
أحبُّ إليهم من أنفسهم وأهلهم وأموالهم.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن هناك شواهد كثيرة وعديدة لا يسع المجال لذكرها يمكن لمن يريد الاستزادة الرجوع إلى الكتب التي تناولت مقتل الحسين الإمام (عليه السلام)، والحمد لله أولاً وآخراً.

نشرت في العدد 60


المصادر:
(*)أبراهام ماسلو، عالم نفس أمريكي، اشتهر بنظريته تدرج الحاجات.
1) في أول بيان للإمام الحسين(عليه السلام) عند خروجه من المدينة المنورة ، قال : (أما بعد ، فإنه
من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام)البحار ج42ص81.
2) الأمالي/الشيخ الصدوق ص220.
3) مقتل الحسين(عليه السلام) للخوارزمي 1 : 251.
4) بحار الأنوار/ج44 ص366.
5) بحار الأنوار/ج45 ص1.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.