الدكتور محمّد التيجاني السماوي: كنت ضالًّا ثم اهتديت
868
شارك
بداية، لو وقفنا وقفة على التاريخ الإسلامي والشيعي نجد بأنه على مر العصور التي مر بها، هنالك شخصيات لها الأثر الجلي والواضح في نشر ثقافة الإسلام عمومًا، وثقافة أهل البيت خاصة، وأن هنالك دعاة للحق في كل زمان ومكان عرفوا الحق وشربوه ماء عذبًا فراتًا حتى أصبح يجري في أجسادهم مجرى الدم من الشريان، والروح من الجسد، وأصبحوا دعاة للحق في زمان كثر فيه الظلم والباطل، وجندوا أنفسهم للوقوف أمام الأفكار الباطلة والهدامة ، وإن تاريخنا الإسلامي المحمدي الشيعي، حافل بقمم عملاقة من الشخصيات والرموز الدينية، والمعروفة لدى الشارد والوارد والقاصي والداني، أمثال العالم الجليل (الحلي) و(الطوسي) و(السيد شرف الدين الموسوي)، وغيرهم الكثير، والذين لا يتسع المقام هنا لذكر أسمائهم، ونحن هنا بصدد أحد رموز المسلمين، وأحد دعاة الحق في بلاد المغرب العربي، والذي بفضل علمه انتشر فكر أهل البيت عليهم السلام والفكر الشيعي في تلك الربوع من البلاد الإسلامية، إنه العلامة المجاهد (محمّد التيجاني السماوي) الذي كانت لصحيفة (الأصالة) شرف اللقاء معه.
نبذة تعريفية عن سماحة السيد التيجاني
محمّد التيجاني السماوي مواليد 1943 في قفصة بتونس، عالم دين تونسي. نشأ في عائلة تنتمي للمذهب المالكي وبانتماء آخر إلى الطريقة الصوفية التيجانية ولذلك سمي بالتيجاني. حفظ القرآن في سن مبكرة من حياته، ودرس علم التفسير، وكان معروفًا بشدة ذكائه مع صغر عمره، أصبح من علماء تونس الكبار، اقتادته تساؤلات عن المذاهب الإسلامية وأيهما أصح وأصدق، فذهب يبحث لسنين طويلة، كان محمّد التيجاني صوفيًّا ثم غير مذهبه إلى المذهب الشيعي، خلال سفرة ذهب فيها من تونس إلى ليبيا ثم مصر ولبنان وسورية ونهاية إلى العراق، وهناك التقى بعلماء شيعة، وتأثر بمعتقداتهم وفقهمم، وبعد رجوعه إلى تونس بدأ بالبحث حتى استقر على المذهب الإمامي.
انطباعك ورؤيتك التي وصلت بها عن المذهب الجعفري؟
انطباعي في خصوص اعتناقي لا أقول لمذهب آل البيت لأن أهل البيت ليس لهم مذهب خاص بهم وإنما هم يمثلون الإسلام المحمدي الأصيل، وجميع المذاهب التي طرأت على الإسلام أنا أعتقد بأنها انحرافات واجتهادات شخصية ما أنزل الله بها من سلطان، وأنا أؤمن بأنه لا اجتهاد في النصوص، إنما الاجتهاد في غير النصوص، بمعنى (ما كان فيه نص لا يجوز الاجتهاد فيه) ومن اجتهد في النصوص فقد كفر، قال الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سأله أحد أصحابه : يا بن رسول الله ما رأيك في المسألة الفلانية فقال (عليه السلام): ويحك أتقول ما رأيي؟ ليس لنا آراء في الدين، ومن قال برأيه في دين الله فقد كفر، إنما حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله، عن جبرائيل، عن الباري جل وعلا، إنما الاجتهاد هو في ما لم يرد فيه نص، ولذلك أقول بأن المذاهب هي اجتهادات بشرية، وأن أهل البيت هم أدرى الناس بالإسلام المحمدي الصحيح، ولذلك إن انطباعي وشعوري بأني كنت على ضلالة ثم اهتديت، ولذلك كتبت (ثم اهتديت) لأن القرآن الكريم يثبت ذلك، وأنا لم أتجنَّ ولم آت بشيء من عندي، بل من كتاب الله سبحانه وتعالى في سورة طه آية رقم 82 لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} إلى ماذا يهتدي؟ الإمام الصادق عليه السلام عندما يقرأ هذه الآية يقول {اهتدى لولايتنا أهل البيت}، فمن اهتدى إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) فقد كمل إسلامه وكمل دينه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} بمعنى أنه من اهتدى إلى ولاية أهل البيت عليهم السلام طبق هذه الآية الكريمة أي كمل دينه ونال رضا الله سبحانه وتعالى، ونزلت هذه الآية بعد بيعة الغدير مباشرة (أي بعد مبايعة الإمام عليٍّ عليه السلام بإمرة المسلمين).
ما هي أسباب التنافر بين المذاهب الإسلامية؟
أسباب التنافر هي في الواقع أسباب سياسية مردها إلى رجال السياسة، وكذلك وجود المغرضين والمنافقين منذ بدء الرسالة الإسلامية، ولكننا نراها بأبشع أدوارها في عهد بني أمية، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، هؤلاء قاموا بصناعة الدسائس والأكاذيب التي افتروها على رسول الله صلى الله عليه وآله، من أحاديث مخجلة وأحاديث مزيفة قلبوا فيها المفاهيم الإسلامية الحقيقية وخلقوا بذلك أجيالًا متخلفة وجاهلة. يكفينا دليلًا بأنهم كانوا يسبون أمير المؤمنين (عليه السلام) على المنابر قرابة 70 عامًا خلقوا بذلك أجيالًا متنافرة ومتناحرة، لأن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لم يقبلوا بهذه الشتائم والسب لإمامهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمن الطبيعي أن ينتج من ذلك نفور وبغضاء، ثم من بعد ذلك أمروا بأن يقتل كل من يروي فضيلة واحدة في حق علي (عليه السلام) وتوارثت الأجيال جيلًا بعد جيل هذا التنافر، وهذا التباغض، فبقيت الأمة الإسلامية مشتتة ومنقسمة إلى موالين لأهل البيت ومعادين لأهل البيت (عليهم السلام)، والبعض من المتمردين والذين هم يحبون أهل البيت وفي نفس الوقت يوالون أعداءهم، وهذا تناقض واضح. قال أمير المؤمنين {لا يجتمع حبنا وحب أعدائنا في قلب مؤمن}، وهذا التنافر لو طبقناه اليوم نراه واضحًا وجليًّا في بعض مواقف سياسات الدول العربية، فإنهم يكرهون الشيعة (شيعة أهل البيت) الذين ضحوا بأموالهم وأنفسهم في حب أهل البيت (عليهم السلام) واتباعهم والاقتداء بهم، ولكن بالمقابل نرى أعداءهم يسبونهم ويكفرونهم، بل ويستحلون قتلهم لا لشيء سوى أنهم موالون لأهل البيت (عليهم السلام)، إذن هذا الأمر يجرنا اليوم إلى أن هنالك آثارًا وترسبات متراكمة عبر التاريخ وبقيت إلى يومنا هذا، على سبيل المثال إن الناس يحبون حزب الله لأنه مجاهد، ويقاتل في سبيل الله الكفار والصهاينة، فنجد بعض الأنظمة العربية والإسلامية يكنون العداء لحزب الله لا لشيء سوى لأنه حزب شيعي فقط ، حتى إنه أفتى بعضهم وهم في المملكة السعودية بعدم جواز الدعاء لحزب الله بالنصر، إلى هذه الدرجة! فنفهم من هذا بأن هنالك عداءً مستفحلًا ضد شيعة أهل البيت يتوارثونه جيلًا بعد جيل، حتى إننا اليوم نسمع بعض الفضائيات المغرضة تدين الدكتاتوريات والإرهاب والاضطهاد في بعض الدول العربية والعالمية دون البعض الآخر، فمثلا تتكلم عن الاضطهاد والمعاناة في سورية، ولا تتكلم عن الاضطهاد وانتهاك حقوق الشعب في البحرين!.
ما مدى تقبل المجتمع لفكرة التشيع في أوربا والمغرب العربي وما حجم المعاناة التي واجهتها هناك؟
في بداية استبصاري للهدى في عام 1967 إلى عام 1970 كنت أبحث عن الحقيقة في اختلاف المذاهب الإسلامية ولكن بعدما التقيت بالشهيد السيد محمّد باقر الصدر والسيد الخوئي كما ذكرت في كتابي ثم اهتديت، لقيت معاناة كبيرة في تونس من الأهل ومن المجتمع ومن أئمة المساجد والذين أفتوا بأن رد السلام علي حرام! واتهموني بأنني إسرائيلي! وكثير من ذلك الكلام، فجئت إلى النجف الأشرف، وإلى السيد محمّد باقر الصدر، وقصصت عليه ما عانيت في بلادي من الأذى، فابتسم في وجهي وقال لي (يا أخي ماذا لقيت أنت مما لاقى أسلافنا الذين كانوا يحملون أكفانهم في عمائمهم وخشباتهم على ظهورهم ليصلبوا عليها لمجرد أن يذكروا عليًّا (عليه السلام) بخير؟، أو أحد أئمتنا؟، وماذا لقيت مقابل ما لاقى أسلافنا الذين تقطعت أيديهم لمجرد زيارة الامام الحسين (عليه السلام)؟ فأين هذا من ذاك؟ سواء تعرضت للسب أو للشتم أو للمقاطعة من المجتمع تحمَّل لأن هذا الطريق صعب ومملوء بالأشواك، ورفع من معنوياتي وشجعني على التحمُّل، فعلمت بعد ذلك بأن اللهَ سبحانه وتعالى قد أبدلني بتلك المصائب بقوم كانوا يتمنون أن يقبلوا التراب الذي تحت قدمي (بفضل بركات أهل البيت عليهم السلام)، والحمد لله أصبحت الآن عالمًا معروفًا في تونس والوطن العربي، يسألونني ويقتدون بي، ولهذا لقبني السيد الشهيد (بذرة الشيعة)، ما معناه بذرة أنبتت شجرة، {أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}. وفي أول مرة نحتفل في عيد الغدير في تونس أرسلت رسالة للسيد محمّد باقر الصدر فنقلوا لي ومِن بعضهم العلامة محمّد جواد مغنية من علماء لبنان كان حاضرًا لدى السيد الشهيد، بأن السيد الشهيد بكى من شدة التأثر! وقال الحمد لله الذي جعل لنا أفئدة تهوى أهل البيت في تلك الربوع (يعني تونس والمغرب العربي). حيث جنيت ثمار بذرة التشيع في المغرب العربي وأفريقيا، وحتى بلغ ذلك إلى أوروبا، فكان لدي مجموعة كبيرة من المؤمنين في الجزائر، ومجموعة أكبر في تونس، ومجموعة محترمة ولا بأس بها في المغرب العربي وساحل العاج والسنغال وكينيا وجزر القمر وتنزانيا وأوغندا وفرنسا، وكثير من الأماكن ذكرتها في كتابي (فسيروا في الأرض فانظروا) لوجدت كثيرًا من البلدان قد وصلها الفكر الشيعي ودخلوا في المذهب بفضل الله تعالى، وإن هنالك أكثر من مليوني مسلم استبصروا الهدى على يدي ودخلوا في التشيع من الذين كانوا على المذاهب الأخرى، وفي تركيا تحول أكثر من 8 مليون مسلم إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، وهم من العلويين الأتراك حيث قال (علي أوسقاي) وهو عضو برلماني تركي ومترجم لكتب التيجاني الأربعة الأولى، قال بفضل ترجمة كتب التيجاني أصبح أكثر من 8 مليون علوي من الأتراك شيعة اثنا عشرية ومن الجدير بالذكر أن عدد العلويين في تركيا 18 مليون علوي تركي وهم على باقي المذاهب الأخرى.
ما هي إصداراتك وهل في النية إصدارات جديدة؟
أنا لدي اثنا عشر كتاباً أولها (ثم اهتديت) و(لأكون مع الصادقين) و(فاسألوا أهل الذكر) و(الشيعة هم أهل السنة) و(اتقوا الله) و(اعرفوا الحق) و(كل الحلول عند آل الرسول) و(ومؤتمر السقيفة) و(فسيروا في الأرض فانظروا) و(أجيبوا داعي الله) و(رحلتي إلى التشيع) و(زبدة الأفكار)، وفي النية إصدار كتابين جديدين ليكون عدد مؤلفاتي 14 كتابًا على عدد المعصومين عليهم السلام علمًا أن كتابي الأول (ثم اهتديت) ترجم إلى 26 لغة عالمية وكان له صدى واضح في العالم الإسلامي.
ما هو رأيك بمشروع (النجف عاصمة الثقافة الإسلامية) وقرار إلغاء هذا المشروع؟
النجف الأشرف من وجهة نظري عاصمة الثقافة الإسلامية طيلة وجودها وليس لعام واحد، لأنها مدينة امتازت بساكنها ومشرفها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو رمز العلم ورمز الثقافة، ومن مقدمات الثقافة العلم، وأنا أعتقد شخصيًّا كما يعتقد سائر المسلمين بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) باب مدينة العلم، وإذا كان الباب هنا فمنه يؤتى ومنه تؤتى الثقافة، فيجب أن تكون مدينة النجف الأشرف عاصمة للثقافة الإسلامية طيلة عمرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه لا توجد هنالك مدينة على حد علمي حازت من العلم والثقافة ما حصلت عليه النجف، حتى إن الحوزات العلمية والتي تخرَّج فيها الفطاحل من العلماء، والذين توزعوا وانتشروا في مشارق الأرض ومغاربها في البلدان العالمية والإسلامية، لدليل قاطع على أن هذا المكان هو ينبوع العلم ومصدره، كما أن الامام عليًّا (عليه السلام) اشتهر في مقولته والتي لم يقلها أحد لا قبله ولا بعده (سلوني قبل أن تفقدوني)، حتى قال العالم التونسي المشهور (بابن عرفة) ” ثبت لدي ولاية علي بن أبي طالب على الكلّ” فقال له علماء الزيتونة: “بماذا ثبتت عندك ولايته”؟ قال: (احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل)، دل على أنه إمام الكل، لأن الإمام عليًّا (عليه السلام) ما سأل أحدًا من الصحابة قط طيلة حياته، وإنما كانوا هم يلجؤون إليه في حل المسائل التي لم يجدوا لها حلا عندهم، من هنا أقول إن مدينة النجف التي حوت هذا العلم الجمّ وتربت على علمه (عليه السلام) هي مدينة عظيمة لما لها من إرث حضاري وثقافي.
المصدر: صحيفة الأصالة (النجفية) – حوار أجراه: سامي العبودي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وسلم