ما أحوج الأمة للحسين (عليه السلام)
الفوضى التي تضرب أطنابها في العديد من الدول الاسلامية، للاسف الشديد، سببها مجموعات تحمل راية الاسلام، ولا تخطو خطوة الا بالتهليل والتكبير، حتى لو كانت تلك الخطوة، تفجير رياض الاطفال، وسبي النساء، وذبح الشباب وتفجير دور العبادة واكل احشاء البشر، ونبش القبور وهدم الاضرحة وتحطيم ثماثيل الشعراء والادباء، لايردعهم اما فعل ذلك أي رادع ، اسلامي او انساني، وكأن شعارهم أنا أقتل اذن أنا موجود.
أليس من الظلم أن نصف هذه الجماعات بأنها اسلامية، وان ما تأتي به من موبقات هي بالضبط ما يأمر به الاسلام، بينما أمامنا الاسلام الاصيل، وقد تجسد قولا وفعلا بشخص الامام الحسين في ملحمة عاشوراء، هذا الدرس التطبيقي الخالد التي جسده سبط رسول الله بقوله وفعله ودمه الطاهر ليكون نبراسا للمسلمين وللاحرار في العالم اجمع.
صوت الحسين الخالد الذي انطلق من القرن الاول للهجرة، متحديا الظلم والجهل والانحراف، لم تأخذ من عنفوانه الدهور، رغم تكالب كل المستبدين والمنحرفين والجهلة لاسكاته، فكان صنو للوجود، وسيبقى يمتد والى الابد في افق الانسانية المعذبة، مادام هناك ظلم وجهل وانحراف.
الاسلام الاصيل لايعتدي على النفس الانسانية البرئية، مهما كانت الحجة أو الذريعة فهذا الحسين كما تذكر كتب التاريخ، عندما جاء شمر في جماعة من أصحابه يوم عاشوراء، فحالوا بين الإمام وبين خيم عياله, فصاح سبط رسول (صلى الله عليه وآله) “ويلكم يا شيعة آل سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم … إني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح. فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً”.
موقف الحسين هذا وتحذيره من التعرض للنساء والاطفال حتى في الحروب هو موقف الاسلام الاصيل، وهذا الموقف لم يتخذه الحسين لانه كان الاضعف، بل الحسين جسد الاسلام عمليا في كل لحظة من لحظات ملحمة عاشوراء، فالحسين هو الذي أمر بسقي جيش الحر بن يزيد الرياحي بالماء، بعد أن أنهكه التعب والعطش، رغم انه جاء لقتل الحسين، فالحسين قام بسقي قاتله. هذا الموقف الحسيني هو موقف الاسلام القائم على التسامح.
ان كتب التاريخ أرخت لواقعة في ملحمة عاشوراء كشفت كيف جسد الحسين الاسلام بكل حذافيره، عندما شوهد يبكي وهو ينظر الى جيش يزيد، قالوا له لماذا تبكي يا ابن رسول الله فرد الحسين قائلا: أبكي على هذه الجماعة التي ستدخل النار بسببي.
ماذا يمكن ان نزيد على هذا القول؟ الامام يبكي على قاتليه، أليس هذا هو الاسلام الذي جاء به جد الحسين للانسانية جمعاء؟ وهل هناك دين يمكن أن يربي الانسان كما ربى الاسلام الحسين؟.
ان اصلاح الامة لا يعني نشر الفساد والخراب فيها الى الحد الذي يجعل الناس يترحمون على أسوء طواغيت العصر، بسبب أفاعيل هذه الجماعات التي تدعي محاربة الشرك، بينما ممارستها لاتفضي الا الى إشاعة الشك بين الناس بدين الله. الاصلاح له رجاله وناسه، فهذا الحسين على جلالة قدره وعظيم منزلته يحدد اسباب واهداف ثورته ويقول لاخيه محمد بن الحنفية لدى خروجه من مكة :” وإنّي ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنّما خرجت أريد الإصلاح في أمّة جدّي”، هذه المقولة الخالدة تعني من بين ما تعني، ان نشر الفساد والفوضى والخوف والارهاب في ديار المسلمين، هو فعل المنحرفين عن الدين.
دم الحسين الطاهر انتصر على السيوف التي كانت تقطر منه، لماذا ؟ لان الحسين أراد أن ينتصر بدمه لإعادة الحياة الى دين جده العظيم، لا أن يعمل بسيفه بالناس كي ينصاعوا، لذلك قال مقولته الخالدة، وكل قوله خالد، :”ان كان دين محمد لن يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني”.
من أهم دروس معلم كربلاء، لنا وللذين سبقونا والذين سيأتون بعدنا، هي الحفاظ على العزة والكرامة وعدم بيع النفس والدين بثمن بخس كما نرى اليوم لدى الجماعات التي تدعي الاسلام، بل تدعى أنها المسلمة الوحيدة على وجه البسيطة، بينما أفعالها تصب من الألف الى الياء في خانة أعداء الله والامة ، وذلك عندما أعلن بأعلى صوته، وهو يعلم أن الموت أخذ يقترب، ” الا وأن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين, بين السلة والذلة, وهيهات منّا الذلة, يأبى الله لنا ذلك و رسوله والمؤمنين وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام” .. هذا هو الحسين.
ترى أليس حري بالأمة وهي تمر بأحلك مراحل تاريخها، ان تتلمس نورا من شخصية الحسين وملحمة كربلاء، التي كانت تجسيدا حيا للاسلام الاصيل بكل ما يحمل من معاني التسامح والعزة والشموخ والكبرياء، لتستضيء به في لياليها المدلهم، عسى أن تجد على نوره مخرجا الى بر الامن والامان، كما وجد أحرار العالم في الحسين نبراسا على طريق الحرية، فهذا غاندي الزعيم التاريخي للهند يقول وبكل فخر ” علمني الحسين كيف أكون مظلوماً .. فانتصر “، ترى أليس من الأولى أن نكون نحن من يتعلم من الحسين قبل غيرنا .. ما أحوجنا للحسين … ما أحوج الامة للحسين.
ماجد حاتمي/ المنار