لماذا انتفضت قطر والسعودية ضد الرسوم الدانماركية ولم تنتفض ضد الفيلم المسيء؟

204

تحت عنوان (عن فكرة تحريم الإساءة إلى الأديان) كتب البروفيسور أسعد أبو خليل الأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية في كاليفورنيا مقالاً أثار فيه تساؤلات كثيرة حول موقف السعودية وقطر من الفيلم المسيء مشيرًا إلى أنهما سارعتا إلى مقاطعة البضائع الدانماركية بعد الرسوم المسيئة بينما التزمتا الصمت بل ودعت قطر والسعودية صراحة إلى الصمت وعدم التظاهر بعد الفيلم الأمريكي المسيء !

وقال أبو خليل “في الردود على الرسوم الدانماركيّة، قاد آل سعود وآل ثاني الحملة فقط لأنّ الدانمارك عدوّ يسهل عداؤه. السلالتان صمتتا نتيجة خشوعهما أمام (أو وراء) أميركا. والهبّة السلفيّة هي جانب مستعر في الصراع غير الخفي بين الإخوان والسلفيّة (وسيزداد حدّة في لبنان). ترى الردود الغاضبة وتتساءل: لماذا لم يهبّوا ضد العدوّ الإسرائيلي وضدّ غزو العراق؟ والذين أدوا دور أدوات الناتو في ليبيا، أحرقوا القنصليّة الأميركيّة في بنغازي وقتلوا من فيها. يوسف القرضاوي الذي أرغى وأزبد ضد الدانمارك، صمت احتراماً للولاء القطري لأميركا، وما القرضاوي إلا فقيه متجوّل للسلطان الخليجي” وأضاف : “الفيلم لم يأتِ من فراغ، ولم تأت ردود الفعل عليه من فراغ: حدث ما حدث في سياق تاريخ من العداء العنصري ضد الإسلام والذي تضخّم بعد 11 أيلول”.

وقال أبو خليل : الفيلم سيّئ الإنتاج والإعداد وكان لا يستحق إلا التجاهل التام. قصد المنتج ومَن وراءه استفزاز مشاعر المسلمين واستثارة غضبهم، وقد أنجح أعداء الفيلم مقاصده من غير أن يعلموا. لماذا ينجح أعداء الإسلام بسهولة في إغضاب المسلمين والمسلمات؟ ولماذا رغم خطبنا الناريّة لا ننجح في إغضاب الأعداء وفي استثارة عواطفهم كما يتلاعبون بنا؟ لكن الموضوع يتعلّق بحريّة التعبير وبموضوع إهانة الأديان.

لنقل بداية إنّ المنظمات الإسلاميّة المُحتجّة ليست في موقع الوعظ والإرشاد الأخلاقي: ليس فقط لأنّ ليس لها سجلّ نظيف في احترام الآراء المختلفة وفي احترام حق الاختلاف، بل لأنّ لدى بعضها سجلّاً حافلاً في إهانة أديان أخرى. عندما يصف رجال دين مسلمون اليهود ــ كل اليهود، بمَن فيهم نعوم تشومسكي وغيره ــ بـ«أحفاد القردة والخنازير»، تضعف حجّتهم حين يطالبون بسنّ قوانين ضد إهانة الأديان. لكن موقف حزب الله هو أكثر جديّة مع أنّ الحزب في خطب بعض قادته وفي أدبيّاته أيضاً لم يلتزم قطعاً ومطلقاً موقفاً رافضاً لإهانة أفراد أي دين من الأديان.

ويصل أبو خليل في مقاله إلى تحليل لموقف الإعلام السعودي فيقول : وهناك جانب لا يمكن أن يكون مخفيّاً عنّا ولا حتى أمام الغرب: نحن نعظ الغرب حول احترام الأديان فيما تعاني المنطقة العربيّة من حمّى حرب مذهبيّة لم نشهدها منذ قرون. إنّ الإعلام السعودي (وهو صامت هذه الأيّام حول مهانة الفيلم لا لسبب غير أنّه حصل في أميركا، وقد لاحظ الصهاينة ذلك وأثنوا على الحاكم السعودي لصمته ولعدم سماحه أو رعايته لتظاهرات احتجاجيّة) يزخر بالكراهيّة المذهبيّة الصارخة لرموز الشيعة وينشر كتباً ومقالات في ذم الشيعة وخصوصاً العلويّين هذه الأيّام. هؤلاء وأنصارهم من السلفيّين ليسوا في موقع التزام مبدأ احترام العقائد الدينيّة…

ويختم أبو خليل مقاله بالقول : لا شكّ في أنّ ردّ الفعل الإسلامي لم يأت من فراغ. هناك تاريخ طويل من التعصّب المسيحي ضد الإسلام. والذين هلّلوا لبابا روما في لبنان لم يريدوا أن يتذكّروا أنّ حضرته ينتمي إلى تراث مسيحي استشراقي كاره للإسلام. ومضمون الفيلم المذكور إنما يُكرّر أقاويل عن الإسلام يمكن مراجعتها في الإنتاج الخطابي المسيحي باللاتينيّة في القرون الوسطى: إنّ الهوس الغربي المسيحي برواية زواج الرسول بزينب بنت عبد الله بن جحش لازمة في كل إنتاج الكراهية المسيحيّة التاريخيّة للمسلمين، ولم ينس الفيلم أن يتضمّنها وأن يسخر منها. والكاتب اللبناني الكتائبي -الحرّاس أرزي- مصطفى جحا، كان ينشر ترجمات مقتبسة ومبتذلة من التراث الاستشراقي المسيحي المُعادي للإسلام، وهذا يفسّر سبب احتضان «النهار» و«الأحرار» و«العمل» له على مرّ سنوات إنتاجه الكريه. لكن هل الفيلم المبتور على الإنترنت يستحقّ الاحتجاج أكثر من احتلال فلسطين وأكثر من الحرب الأميركيّة في العراق وأفغانستان وأكثر من عدوان تمّوز وأكثر من فرض أميركا لنظام الطغيان في المنطقة العربيّة؟ هل حميّة المسلمين دينيّة فقط؟ هل يشير هذا إلى معرفة العدوّ بنقاط الضعف، ما يسهّل له مهمة إهانتنا وخداعنا واحتلالنا؟ وكيف نطالب الغرب باحترام مقدّساتنا فيما نحن نهين ونحقّر مقدّسات بعضنا البعض؟ كيف نطالب الغرب المسيحي باحترام الإسلام، فيما تتقاتل الفرق الإسلاميّة في ما بينها بخطاب لم تشهده المنطقة منذ قرون ــ ويتحمّل آل سعود المسؤوليّة الكبرى عن هذه الفتنة المُستعرة؟ ثم، هل كان المسلمون سيمنعون قيام دولة إسرائيل الغاصبة لو أنّ الحركة الصهيونيّة أنتجت فيلماً مسيئاً في 1948؟ من حقّنا أن نسأل عن معايير الإسلاميّين .

 

المصدر : عرب تايمز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*