دعوات لمواجهة التأثير السلبي لوسائل الإعلام الخارجية
803
شارك
الحكمة – متابعة: ينفتح العالم ثقافيا واجتماعيا وسياسيا على بعضه، بفضل وسائل اتصال عصرية لم تتجاوز حدود الدول فحسب، بل جعلت مؤسسات الرقابة فيها، في حيرة من أمرها، تسعى بكل السبل الى ضبط اتجاه الخطاب ورصد التفاعل معه، حتى باتت مصادر الخبر غير مسيطر عليها البتة، وشرع الناس في متابعة مصادر إعلام خارجية قبل المحلية لأسباب شتى.
بيْد ان الدول المتقدمة في تقنيات النشر والخطاب، وكما هو متوقع، لم تخسر في هذا التحوّل الخطير في نقل المعلومة بل زادت أرباحها المادية بفضل التقنيات والمؤسسات الإعلامية الكبرى التي تمتلكها، وزاد نفوذها في السيطرة على العقول والرأي العام، فيما باتت دول العالم الثالث ومنها العراق، الضحية كالعادة، لاختلال التوازن في الإمكانيات الفنية والإدارية والمالية، مقارنة بالعالم المتقدم، وصار الشارع العراقي بعد 2003 حيث الانفتاح الثقافي الواسع، يتلقى الخبر والتحليل واتجاهات الراي من خارج البلاد.
ولكي يمكن فض الاشتباك في المفاهيم، وادراك سبل الوصول الى إعلام يثق به المواطن، من ناحية المهنية والمصداقية، استطلعت “الصباح” آراء معنيين بهذا الجانب لمعرفة سبل استقاء الأخبار، وأية وسيلة يتبعونها، والمصادر التي يثقون بها، وهل يحظى الخطاب المحلي بالثقة والمصداقية، وما مديات نجاحه في إغواء عراقيّي الداخل والمهجر، على حد سواء، بطروحاته.
الإعلام المضاد
يشير أمين سر المرصد الوطني للإعلام، محمود الهاشمي، في حديثه لـ”الصباح” الى “انشغال العراقيين، بعد سقوط النظام البائد بمتابعة الصحف المحلية وما تورده من اخبار لم يعهدوها في الصحف السابقة حيث الانتقادات والمقترحات والاستطلاعات والتحقيقات التي تهتم بالشأن الداخلي اكثر من الشأن الخارجي، بحيث ان جريدة “الصباح” كانت تبيع “50” الف نسخة كل صباح، من مجموع “150” الف نسخة للصحف الأخرى”.
ويستطرد الهاشمي في رصده لحالة المصادر الإعلامية بالقول “مع تقادم الايام فقدت الصحف تأثيرها بسبب سيطرة الأحزاب السياسية على وسائل الإعلام وفشل وزارة الثقافة في أداء واجباتها وعدم الاستفادة من أصحاب الخبرة، وكذلك النقابات والاتحادات ذات الشأن، كما احتلت وسائل الإعلام المرئية اهتمام العراقيين، فأضعف ذلك دور الصحافة أيضا”.
واعتبر الهاشمي ان “المشكلة التي عانى ويعاني منها الاعلام المحلي، هو عدم وجود استراتيجية إعلامية والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية ثم الإغراق في المحلية، والابتعاد عن مواطن التحليل والمشاركة في صناعة الراي وإيجاد الحلول، وكذلك كانت نسخا مشوهة في تقليد برامج قناة الجزيرة ومثيلاتها، حتى اعتاد المواطن العراقي على مشاهدة استضافات أشبه ما تكون بأفلام “الاكشن”، معتقدا انها تمثل “النموذج” فكانت سببا في “تشوش ” الراي العام وصناعة الفوضى وفقدان التميز”.
واستنتج الهاشمي ان هذا الخلل “ترك الفرصة للإعلام العربي والأجنبي “المضاد” ان يكون بديلا عن الإعلام المحلي وبات المواطن سواء في داخل العراق او خارجه يستقي معلومته منه، فيما سخروا من يتولى نقل هذه “المعلومة” بأسرع ما يمكن دون رقابة تذكر”.
وينبّه الهاشمي الى ان “هذه “الفوضى” تحتاج الى ان تنشط وزارة الثقافة في مهامها، وكذلك نقابة الصحفيين واتحاد الاذاعات والتلفزيونات العراقية، وان تعقد المؤتمرات سواء برعاية حكومية او برعاية منظمات المجتمع المدني للتخطيط في صناعة إعلام ناجح، وكسب ثقة المواطن”.
وكان تقرير لمجموعة المرشدين العرب “Arab Advisors Group” افاد في العام 2014 بان العراق في المرتبة الأولى من حيث العدد الكلي للفضائيات العربية، فضلا عن الصحف والمواقع الرقمية، واستمر العدد في الزيادة مع مرور الوقت.
الانحياز والدعائية
يقول الكاتب والباحث الاكاديمي العراقي المقيم في باريس، جواد بشارة لـ”الصباح” ان “العراقيين لا يثقون في الغالب، بوسائل إعلام بلادهم لأنها منحازة ودعائية، ولا تتحلى بالجرأة في قول الحقيقة”، معتقدا بان “أغلب العراقيين يتابعون أخبار بلادهم من خلال الصحف والقنوات الفضائية الأجنبية لأنها أكثر مصداقية من مثيلاتها المحلية”.
واعتبر بشارة ان “عراقيي المهجر لا يحتاجون للقنوات والصحف ووسائل الإعلام العراقية لمعرفة أحوال البلاد، لإن هناك البديل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” و”تويتر”، وغيرها، فضلا عن القنوات الأجنبية في المهاجر التي تتحلى بالمهنية أكثر من نظيراتها العراقية لاسيما من ناحية المصداقية وقول الحقيقة وتشخيص الواقع كما هو، وهو ما لم يتوفر في الكثير من وسائل الإعلام العراقية المحلية”.
التضليل الإعلامي
ويرصد الكاتب والإعلامي، عباس العرداوي، تقصيرا في الإعلام المحلي، على المستوى الاستراتيجي في تعبئة الشارع بوجه هجمات متعددة سابقة أراد الإعلام المضلل من خلالها الاستحواذ على المشهد، من خلال فعاليات الرعب والقتل والدمار الذي استخدمته العصابات الإرهابية والإجرامية، كما كان الإعلام مقصرا في تسويق الانتصارات الكبيرة للقوات الأمنية و ما سطره الشعب العراقي من ملحمة خالدة “.
واعتبر العرداوي ان “عدم الكفاءة، أتاح فجوة تواصل بين ابناء الوطن في المهجر وبين حقيقة ما يجري في العراق لان مشاهد وأقلام وقنوات كانت تعد برامجها على خلاف الواقع”، مشيرا الى انه “وعلى الرغم من كثرة وكالات الأنباء العراقية وعدد الفضائيات والصحف، لكن ذلك لم يتح التعامل مع الحدث بشكل مهني، فضلا عن ان الخطاب الإعلامي يخضع في جزء كبير منه للسياسات الموجهة، ما يبعده عن الحيادية، إضافة الى ضعف تغطيته للأحداث الدولية والعالمية وندرة التقارير العميقة معلوماتياً ما يجعلنا نستسقي بعض المعلومات من وكالات أجنبية رصينة”.
تلاعب التواصل
الكاتب العراقي، محمد زكي إبراهيم، الذي رفد الصحف العراقية بالكثير من المقالات حول الخطاب الإعلامي في السياسة يقول لـ”الصباح”: ان “لا مشكلة لدى العراقيين في معرفة آخر الأخبار، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الحصول على خبر صحيح، فحينما تتعدد مصادر الخبر، ويكثر الذين يتدخلون في صياغته، يبدو الوثوق به مغامرة غير مأمونة العواقب”.
ويشير إبراهيم الى ان “وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مادة رئيسة لتناقل الأخبار والتلاعب بمضمونها، والطريقة المثلى للتأكد من صحتها هي الذهاب إلى القنوات الفضائية ذات الاتجاه المضاد، فهي تحرص بحكم نزعتها السلبية على إظهار المساوئ وبيان العيوب. ولا عجب فبضدها تتميز الأشياء”.
مقابل ذلك، يرصد إبراهيم “قدراً كبيراً من النجاح حققته القنوات الفضائية العراقية، وباتت صاحبة الحضور الأوسع لدى الجمهور”، قائلا: “لا أظن أن هناك قنوات عربية كثيرة تنافسها في الأهمية، ولعل أعظم ما حققته من إنجاز هو صنع إعلاميين بارعين، قادرين على التمحيص والتحليل، والحوار والسجال والمتابعة والفهم وإن كانوا بحاجة إلى تطوير قدراتهم في الإلقاء واللغة والثقافة. فهي مفاتيح النجاح الإعلامي في كل مكان”.
مصادر متشابكة
تشير الكاتبة والصحفية عدوية الهلالي في حديثها لـ”الصباح” الى ظهور “منافذ اعلامية تحمل خطابات متنوعة فاختلفت متابعات العراقيين لوسائل الاعلام كل حسب انتمائه وتوجهه السياسي وبات اغلبهم يصدقون كل ما يصدر عنها ويرفضون الخطابات الأخرى، بل ويتبادلون الاتهامات لها بالولاء لجهات تحرك اخبارها حسب
مصالحها”.
وترى الهلالي ان “الاعلام لم يعد المنفذ الوحيد للأخبار بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تمنح المتابع معلومات متنوعة وأخبارا متضاربة وتترك له فرصة استنتاج الحقيقة أو تصديق الكذب والتشويه الذي يتخلل منشوراتها غالبا”.
تقول الهلالي: “ينسحب الأمر على العراقيين في الخارج فلم يعد الاعلام المحلي قبلتهم الوحيدة للحصول على المعلومة”، مشيرة الى انه “يتوجب على وسائل الاعلام أن تنتهج أسلوب طرح المعلومة المبنية على وثائق وحقائق دامغة لتكسب جمهورا حياديا يهتم بصحة الخبر بدلا من الانقياد وراء الجهة التي تطلقه”..
الخصوصية الوطنية
ووسط هذا الكم الهائل من المصادر الإعلامية، المحلية منها والعالمية، تبرز الحاجة الى إضفاء خصوصية وطنية على الفضائيات ووسائل الإعلام المحلية، وان يكون الخطاب الموجّه عبر البرامج الإخبارية والحوارية والثقافية، ذا تقنيات قادرة على الاستقطاب، وتوجيه الفرد الى ما يخدم المجتمع وقضايا البلاد. ولن يتم ذلك الا عبر إضفاء المهنية، وتوظيف المهارات، ودراسة سيكولوجية الخطاب، لكي يصبح الخطاب الإعلامي العراقي متفوقا على الإقليمي والعالمي وقادرا على التأثير في مديات تتجاوز المحلي الى العالمي.