في ذکرى ميلاد عقيلة الهاشميين زينب (ع) بنت الإمام علي (ع)
يصادف الخامس من جمادى الأولى ذکرى ولادة صاحبة الرسالة الحسينية وبطلة کربلاء عقيلة الهاشميين السيدة زينب بنت الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهم السلام).
والحديث عن حياة العقيلة زينب (عليها السلام) حديث ذو شجون، ولم لا وهو الحديث عن بطلة کربلاء التي کان لها کل ذلك الدور العظيم في کربلاء الطف.
فلقد أطلت السيدة زينب (ع) على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة في بيت أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلع إلى وجوه أكرمها رب العزة عن أن تسجد لصنم قط، متسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهرات.
وحملت سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أميرِ المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) تسأله أن يختار لها اسماً، فأبى أن يسبِق رسول الله (ص) وكان غائباً يومذاك ـ في تسميتها، ثم عاد النبي (ص) إلى المدينة، فحملت الزهراء (ع) وليدتها إلى أشرف الكائنات وخاتم الرسل (ص) من الوحي اسماً لها، فسمّاها “زينب” (ع).
ومن غير المعهود أن الأب أو الجد إذا رزق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، ولقد حدثنا التاريخ أن الحسين (ع) حمل إلى أبيه أمير المؤمنين (ع) بشارة ولادة أخته زينب (ع) وأنّ أمير المؤمنين (ع) بكى لما بشر بولادتها، فسأله الحسين (ع) عن علة بكائه، فأخبره أن في ذلك سراً ستبينه له الأيام.
ثم حملت الوليدة الطاهرة إلى جدها الحبيب محمّد (ص) فاحتضن رسول الله (ص) الطفلة الصغيرة وقبل وجهها، ثم لم يتمالك أن أرخى عينيه بالدموع.
تسمى العقيلة زينب (ع) “أم المصائب”، وحق لها أن تسمّى بذلك، فقد شاهدت مصيبة جدها رسول الله (ص) ومحنة أمها فاطمة الزهراء (ع) ثم وفاتها؛ وشاهدت مقتل أبيها الإمام علي بن أبي طالب (ع) ثم شاهدت محنة أخيها الحسن (ع) ثم قتله بالسم، وشاهدت أيضاً المصيبة العظمى، وهي قتل أخيها الحسين (ع) وأهل بيته، وقتل ولداها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها، وحملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة، وأدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسة أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة الممضة.
وحملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال.
ونقل عن الإمام الحسين (ع) أنه كان إذا زارته زينب (ع) يقوم إجلالاً لها، وكان يجلسها في مكانه.
کما وذكر أهل السير أن العقيلة زينب (ع) كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء، وليس هذا بمستكثر عليها، فقد نزل القرآن في بيتها، وأهل البيت (ع) أدرى بالذي فيه، وخليق بامرأة عاشت في ظلال أصحاب الكساء وتأدبت بآدابهم وتعلمت من علومهم أن تحظى بهذه المنزلة السامية والمرتبة الرفيعة.
وروي أن العقيلة زينب (ع) خطبت في الكوفة خطبتها الغراء فتركت أهل الكوفة يموج بعضهم في بعض، قد ردوا أيديهم في أفواههم، حيارى يبكون وقد تمثل لهم هول الجناية التي اقترفوها، قال الإمام زين العابدين (ع) لعمته زينب (ع): أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، فهمة غير مفهمة.
وكلام الإمام زين العابدين (ع) يدل ـ بما لا غبار عليه ـ على المنزلة العلمية الرفيعة التي ارتقت إليها عقيلة الهاشميين (ع) فهي عالمة بالعلم اللدني المفاض من قبل الله تعالي وليس بالعلم المتعارف الذي يكتسب بالدرس والبحث.
نعم فقد وصفها الشيخ المامقاني في (تنقيح المقال) في معرض حديثه في السيدة زينب (ع): “زينب، وما زينب! وما أدراك ما زينب! هي عقيلة بني هاشم، وقد حازت من الصفات الحميدة ما لم يحزها بعد أمها أحد، حتى حق أن يقال: هي الصديقة الصغرى، هي في الحجاب والعفاف فريدة، لم ير شخصها أحد من الرجال في زمان أبيها وأخويها إلى يوم الطف، وهي في الصبر والثبات وقوة الإيمان والتقوى وحيدة، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السّلام كما لا يخفى على من أنعم النظر في خطبتها”.
وأشبهت عقيلة بني هاشم (ع) أمَها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجد، ولم تترك نوافلها حتى في أحلك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال إن عمته زينب (ع) ما تركت نوافلها الليلية مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام.
إن حياة السيدة زينب (ع) كانت بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة. كانت لإعدادها سلام الله عليها لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في نهضة أخيها الحسين (ع) بكربلاء.
وما كان للسيدة زينب (ع) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي.
فواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله (ص).
وكان للسيدة زينب (ع) دور أساسي ورئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين (ع).
كما أنها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (ع) وأكملت ذلك الدور العظيم بكل جدارة.
لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (ع)،وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها.
فسلام الله عليك يا عقيلة الهاشميين يوم ولدت، ويوم التحقت بالرفيق الأعلى، ويوم تعثين حية فيوفيك الله تبارك وتعالى جزاءك بالكأس الأوفى مع جدك المصطفى (ص)، وأبيك المرتضى (ع)، وأمك الزهراء (س)، وأخيك الحسن المجتبى (ع)، وأخيك الشهيد بكربلاء (ع).
أبنا