تكوين المثقف المُنتج
مصطفى المزعل..
ضمن حديث لدكتور جامعي أمام طلابه في بداية الفصل الدراسي، ذكر الدكتور أنه في هذا الصف لا يطمح بأن يرى طلاباً متفوقين، وأذكياء فحسب، بل يرغب في أن يرى طلاباً متفوقين على المستوى الشخصي، وقادرين على التأثير في من حولهم من زملائهم الطلبة بمختلف الطرق، وشتى الوسائل، ليرتقي مستوى عموم طلاب الصف لأعلى المستويات، يَذكر المعلم هذا الأمر موضحاً بأن الطالب المتميز، والمثالي في نظره، هو ذلك الذي لا يكتفي بكسب العلم وتحصيل المعرفة لنفسه، منعزلاً عن زملائه غير مكترثٍ لما هو عليه حالهم، يطمح هذا المعلم بأن يُسهم في تكوين طلاب لديهم القدرة على الاستفادة مما كسبوه من معرفة، ومهارة في رفع وتعزيز المستوى العلمي للصف بشكل عام.
مثال الصف الدراسي هذا، ينطبق على نطاقات ومجالات متعددة في حياتنا، وأود التطرق هنا للمجال الثقافي والفكري في المجتمعات. قد يحتوي هذا المجتمع أو ذاك على العديد من الأفراد المثقفين، والمتعلمين والحاصلين على أعلى الشهادات، لكن عوائد ما يملكه هؤلاد الأفراد من ثقافة للمجتمع تكاد تكون معدومة، وتأثيرهم في الوسط الاجتماعي الذي يعيشون فيه محدود، ونشوء مثل هذه الظاهرة يعود لأسباب عديدة أبرزها:
أولاً: انعدام مهارات التواصل أو ضعفها لدى هؤلاد الأفراد الفائضين بالمعرفة، والفكر، فكثيرون هم الذين يقرؤون الكتب، ويستمعون للمحاضرات واحدة تلو الأخرى، منهمكين في طلب العلم بلا كلّ أو ملل، وقد يسيروا على هذا النهج، وهذا المسار «مسار الكَسْب» لنهاية حياتهم، دون أن ينتقلوا إلى «مسار العطاء»، ولكي يعطي الإنسان، ويُبلّغ بما لديه من أفكار، هو بحاجة لتعلم وسائل التبليغ، وطرق الوصول لعقول الناس بالكلمة المكتوبة أو المسموعة، إن أكثر الناس تأثيرا في فكر، وثقافة مجتمعاتهم هم الكُتاب، والخطباء، فلم يمر رجل صنع تغييرًا في مجتمعه على مر التاريخ، إلا وقد كان خطيباً بارعًا، ورجلا مفوهاً.
ثانياً: عدم الاهتمام بالشأن العام، فقد يملك الفرد المثقف مقومات، ومؤهلات تُمكنه لأن يكون عنصراً فعالاً في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، لكنه يعيش منعزلاً، منكفئاً عن ممارسة دور الفرد المنتج، مكتفياً بدور «الكومبارس» وذلك لأن أمور الشأن العام لا تأخذ حيزاً من تفكيره، واهتماماته محددة بنطاق ضيق، فلذلك يكون مجال تأثيره محدوداً.
متى ما أردنا النهوض بثقافة مجتمع ما، علينا التوجه لبناء وتكوين جيل يملك العديد من الأفراد المنتجين ثقافياً، والقادرين على استثمار ما لديهم من معرفة، وتحويلها من «مخزون» ذاتي «لمُنتج» ثقافي، يُثري الساحة الفكرية. وإحدى أهم معوقات تكوين الشاب المفكر والمنتج ثقافياً، هي عدم الموازنة بين الانخراط في ميادين العمل الاجتماعي، والتطوعي، وبين الالتحاق بركب الفكر والثقافة. لذلك نحن بحاجة ماسة لمضاعفة الاهتمام بتكوين الشاب المثقف، المُنتج، الفعّال، والقادر على التأثير في مجتمعه والرقي به.