الشيعة في مصر يشكلون تحديًّا جديدًا لسياسة الرئيس السيسي

318
11-92014-1-d
 بن مينداليس ..

      وافق يوم 30 من شهر حزيران الذكرى السنوية للانقلاب العسكري في مصر والذي أطاح بحكومة محمد مرسي والإخوان المسلمين. وقد وضَّح الرئيس عبد الفتاح السيسي خطة عمله للتغلب على التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجها مصر وذلك في خطاب ألقاه في ذكرى هذه المناسبة. وأعلن السيسي أن مصر ستتخلص من جميع القيم الدخيلة تحت حكمه وأضاف بأنها ستقوم بتصحيح الخطاب الديني لتطهيره من الأفكار البالية، لأن القصد من الدين هو الدعوة الى التعايش المشترك ورفض التطرف والإرهاب . وفيما قد تبدو هذه الأهداف جديرة بالثناء، إلا أنها تشكل مصدر قلق محتمل للأقلية الشيعية في مصر والتي قد عانت من الإضطهاد والتمييز تحت حكم كل من مبارك ومرسي. ولذلك يواجه السيسي الآن إختباراً بما يخص موضوع الشيعة. فهل سيتم تقبُّل ممارساتهم كجزء من دعوة الرئيس الى التعايش المشترك بين الأديان المختلفة ؟ أم هل سيتم رفضها كما حصل في الماضي لكونها تمثل قيماً دخيلة؟

إن عدد الشيعة في مصر اليوم ليس معروفاً بسبب عدم تواجد رقم دقيق وموضوعي يحدد ذلك. ففيما تشير بعض التقديرات التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية الى وجود حوالي 750.000 من الشيعة في مصر، يدّعي الشيعة نفسهم بأن عددهم يتراوح بين 1.6 و 2 مليون نسمة، يمارس أغلبهم التقية، بالتخفي كأعضاءٍ في إحدى الطرق الصوفية السبعين في مصر.

وكان هناك مؤخراً عدد من الأشخاص النافذين السنة الذين اعتنقوا المذهب الشيعي وأصبحوا يأملون أن يتم الاعتراف بهم كأقلية دينية مصرية. كما دخل عدة آلاف من العراقيين الى مصر بعد غزو عام 2003 ومن بينهم عدد معين لم يتم تسجيله من الشيعة. ولم يكن يُسمَح للاجئين الشيعة العراقيين بالصلاة في العلن في عهد مبارك بينما رفضت وزارة الأوقاف طلباتهم ببناء مساجد خاصة بهم معتبرةً ذلك مسألة مبدأ. وقد أسفرت محاولات بناء مسجد للشيعة، بدون رخصة حسب المفترض، في العام 2009 عن إعتقال منظميها.

وتعتبر النظرة الى الشيعة، سواء كانوا مصريين أو غير ذلك، كمخربين سياسيين وعملاء طابور خامس محتملين لإيران، سمة مميزة لعهد مبارك. فقد قال مبارك بنفسه أن الشيعة مخلصين لإيران وليس للدول التي يعيشون فيها .  كما تم استدعاء خبراء من جامعة الأزهر ليلقوا محاضرات على أعضاء في جهاز أمن الدولة عن خطر الأيدولوجية الشيعية . وبالرغم من أن اعتقالات الشيعة كانت تتم ظاهرياً لأسباب سياسية إلا أن محتوى الاتهامات والتحقيقات كان دائماً يأخذ منحنىً دينياً. وقامت نيابة أمن الدولة العليا بإعتقال 12 من الشيعة في العام 2010 بتهمة إهانتهم للدين و تحريف القرآن والتآمر للإطاحة في النظام. كما سُجِنَ مئات آخرين في تلك السنة دون أي تبرير رسمي على الإطلاق.

وقد شعر بعض الشيعة بشئٍ من التحسن في وضعهم بعد تجريد مبارك من الحكم. إلا أن مثل هذا التفاؤل كان ربما سابقاً لأوانه. ففي يوم الإثنين الموافق 15 كانون الأول من العام 2011، حاول ما يقارب 3000 شخص من الشيعة الإحتفال في يوم عاشوراء في مسجد الحسين في القاهرة. فقامت الشرطة بإخلائهم، ظاهرياً لمصلحتهم، لأنهم يقومون بطقوس همجية ومخالفة للدين . وقوبلت محاولات تكوين حزب شيعي بالريبة لأنه قد يكون وكيلاً لإيران أو لحزب الله أو لأنه قد يشكل تهديداً لأمن مصر . وأخيراً، رفضت لجنة الأحزاب السياسية التابعة لمجلس الدولة تسجيل الحزب بسبب توجهاته الدينية ، إلّا أنها سمحت للأحزاب السياسية التي تمثل كلاً من الإخوان المسلمين والحركة السلفية بالتنافس.

لقد تزايد التحريض على العنف ضد الشيعة بشكلٍ ملحوظ عقب انتخاب مرسي في العام 2012. ففي ظل خلفية النزاع العرقي والديني في سوريا وغيرها من الدول، أصبح الشيعة المصريون يمثلون مجموعةً يعتبرها المصريون العدو بالمعنى الجوهري لهذه الكلمة. فعندما شكى الشباب السلفيين عن محاولة الشيعة الإحتفال في يوم عاشوراء في مسجد الحسين مرةً أُخرى، قامت الشرطة بمنعهم من ذلك. وأصدر الأزهر تصريحاً شجب فيه هرطقة الشيعة التي كل ما ستفعله هو إثارة نزاع طائفي كما قام عددٌ من الأحزاب الإسلامية المصرية بالتخطيط لمظاهرات ضد الزحف الشيعي في البلاد السنيّة . وتحدث نشطاء شيعة عن التمييز ضدهم في أماكن العمل وعن مقاضاتهم بحجة الكفر في حال تم الامساك بهم أثناء ممارستهم لطقوس شيعية. وقد كان الدستور الجديد مقلقاً بشكلٍ خاص، إذ اعتبره الشيعة يرتكز على المذهب السني فقط و يشجع على التمييز السلبي ضدهم. ووصلت الأمور الى ذروة مأساوية بتاريخ 23 حزيران 2013، عندما ثار ما يقارب 3000 شخص بقيادة من ادّعوا أنهم شيوخ سلفيون، بسبب سماعهم إشاعات حول تجمع للشيعة في الجيزة. فقام الحشد بالاعتداء على الزوّار، بإحراق البيت، بقتل وبتعذيب أربعة من الشيعة، كما قاموا بسحل جسد واحد على الأقل في الشوارع. وقد جاء رد الفعل الرسمي فاتراً على حادثة القتل هذه. وأدان محمد مرسي و الإخوان المسلمين هذا الاعتداء من جهة ولكنهم أحاطوا اعتراضهم ببعض التحفظات من جهةٍ أُخرى: فقد استنكر مرسي أي إنتهاك للقانون أو سفك للدماء بغض النظر عن الأسباب، بينما عبَّر متحدث بإسم الإخوان المسلمين عن أسفه لتعذيب وقتل أربعة أشخاص، بالرغم من كون أفكارهم غريبة عن مجتمعنا .

هل ستختلف الأمور تحت حكم السيسي؟ بالرغم من إزالة بعض اللغة العنصرية من الدستور الجديد، إلا ان الشيعة والأقباط لا يزالوا يُحاكمون بتهمة ارتكابهم لجرائم دينية. ففي تاريخ 26 شباط 2014، تم الحكم على الطالب الشيعي عمرو عبدالله بالسجن مع الأشغال الشاقة لخمس سنوات بتهمة الكفر والتشهير بصحابة الرسول . و في شهر حزيران 2014 تم إقرار القانون 15/2014 والذي يمنع القاء الخطب أو المحاضرات الدينية دون الحصول على رخصة من وزارة الأوقاف أو من الأزهر. مع الأخذ بعين الاعتبار التمييز المنهجي والتاريخي الذي تمارسه هاتين المؤسستين ضد الشيعة فإن تصريحات السيسي الأخيرة لا تشير الى أن هناك توقعات لتغيرات كثيرة.

وفي الواقع، فإن الإشارات التي تحدث مؤخراً لا تدعو للتفاؤل. ففي حزيران 2014، قامت جمعية حفظة القرآن المرتبطة بوزارة الأوقاف بسحب العضوية من بعض أعضائها بعد أن تبيَّن بأنهم كانوا قد سافروا الى العراق وإيران بدون تصريح. وبعد وصولهم الى هناك قاموا بتأدية الآذان حسب الطريقة الشيعية. وقام الشيخ عدل ناصر وهو واعظ سلفي، بالثناء على هذا القرار واعتبره ضامن لإفشال أي محاولات يقوم بها الرافضة (وهو مصطلح يحط من قدر الشيعة ومعناه الحرفي هو المرتدين ، الخائنين ) لإختراق الدين السني. وبالرغم من أنه قد تم إلغاء هذا القرار حسب ما ورد، إلّا أن مجرد إصداره يمكن أن يشير الى الخوف الواضح الذي يشعر به أعضاء المؤسسة الدينية الكبرى من فكرة التسلل الشيعي. ففي مؤتمر عُقِد في حزيران 2014 لمناقشة التقريب بين السنة والشيعة، وضَّح مفتي الأزهر أن أمراً كهذا لن يحصل إلّا إذا توقف الشيعة عن محاولاتهم للإنتشار في الدول السنيّة. واستُعمِلَت هذه الحجة لمحاربة ما يسمى بالزحف الشيعي لقمع واضطهاد الشيعة المصريين كونهم أعتُبِروا دوماً كمتطفلين.

أما بما يخص السيسي، فلا يستطيع المرء إلا أن يخمّن ما سيأتي. ففي الوقت الذي تتم فيه الاعتقالات الجماعية التي تحظى بتغطية إعلامية كبيرة لصحفيين وأعضاء في الإخوان المسلمين، يريد السيسي أن يؤكد على الطابع الإسلامي لمصر وذلك لتكذيب الإنتقادات الموجهه له ولحكومته بأنهم ليسوا إسلاميين بما يكفي . وعلاوةً على ذلك فإن مصر الآن تحصل على مساعدات مالية من دول الخليج يصل مقدارها الى عشرات مليارات الدولارات. وتنبأ بعض الخبراء بأنه قد يكون لذلك تأثير معين على سياسة مصر.ولذلك قد يسلك الرئيس المصري الجديد الطريق الأسهل للمقاومة وأن يستمر بسياسات من سبقوه في إضطهاد الشيعة و التمييز ضدهم داخل مصر، تاركاً الخيارات الدبلوماسية مفتوحة خارجها.

الرأي اليوم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*