الإسلام السياسي وغياب الرؤية الاستراتيجية

227

23-9-2014-3-d
علي حسين عبيد ..

الفكر السياسي يبتغي بالدرجة الاولى الى بناء دولة يمكنها مواكبة العصر عبر الوصول الى السلطة، وادارة شؤون الدولة والمجتمع، وفق الرؤى الاستراتيجية والمرحلية التي يقترحها هذا الفكر على القادة السياسيين، لتحويلها من حيّز الفكر النظري الى التطبيقي، وكلنا نتفق على أن الاحزاب والجماعات والشخصيات السياسية، التي تخطط وترسم خطوات الوصول الى السلطة، لديها فكر سياسي ينطوي على رؤية او مجموعة رؤى استراتيجية، تقود العاملين في الساحة السياسية الى السلطة، وترسم لهم كيفية ادارة الدولة والمجتمع.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: بعد وصول جماعات واحزاب سياسية تندرج تحت مسمّى الإسلام السياسي الى السلطة في عدد من الدول العربية وسواها، هل تمكن من ادارة تلك الدول وفق رؤية استراتيجية واضحة، تم استخدامها بعد الوصول الى السلطة؟، وهل توافرت الرؤية الاستراتيجية لهذه الاحزاب والجماعات بما يمكنها من بناء دول تواكب مستجدات العصر؟، أم أنها بقيت تراوح في الكيفية التي تضمن لهم البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة؟.
في التجارب المتوافرة لدينا في هذا المجال، معظم الدلائل تشير الى غياب الرؤية الاستراتيجية للاسلام السياسي، بمعنى هناك فرص كثيرة وكبيرة حصل عليها السياسيون الإسلاميون، ونعني الاحزاب والجماعات والشخصيات الإسلامية المتنوعة، فهل نجح هؤلاء في بناء الدولة الإسلامية التي توكب طبيعة العصر؟.
في الحقيقة ليس هناك ما يدل بشكل قاطع على تحقيق مثل هذا الهدف، وهذا يعني عدم قدرة العاملين المنضوين تحت يافطة أو مسمى الإسلام السياسي على تحقيق الهدف الأسمى لهم وللمسلمين عموما، وهو يتمثل في بناء الدولة التي يمكنها محايثة ما يجري في العالم ضمن الحقل السياسي الذي يصب بالنتيجة في مجمل مجالات الحياة الأخرى.
وعندما نبحث عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، سنجد أن الخلل الجسيم يكمن في غياب الرؤية السياسية، والتخبط في التخطيط والتنفيذ معا، والتركيز المستميت، على حماية السلطة وترصين العرش بشتى الأساليب والوسائل، الامر الذي يدل على اهتمام الإسلام السياسي وتركيزه على الاحتفاظ بالسلطة، حتى لو اضطرهم الأمر إلى اللجوء للقمع، والتشبّه بالحكومات الدكتاتورية التي كانوا يناضلون ضدها، كما حدث في مصر مثلا.
هذا التراجع في القدرة على استثمار الفرصة بصورة سليمة لدى المندرجين تحت الإسلام السياسي، يعود بالدرجة الأولى إلى حالة التأرجح بين نموذج الدولة الإسلامية القديمة المنتمية لما يُعرف بالخلافة، وبين الدولة المدنية التي يمكنها مماشاة العصر ومجاراته، بكل ما ينطوي عليه من قضايا وافكار ومنطلقات نظرية وعملية، تتعارض وتتناقض من منهج الإسلام السياسي، ليس المجاراة بمعنى الخضوع والتنازل، وانما بمعنى التقارب والانسجام والتلاقح بين الرؤى والأفكار.
وهو امر لجأت إليه بعض حركات واحزاب الإسلام السياسي، ولكن بصورة متذبذبة، لا تقوم على رؤية استراتيجية راسخة، لذلك طالما كانت هذه الرؤية ضعيفة أو غائبة في مسيرة الحركات والجماعات الإسلامية، فإن الضعف وعدم القدرة على بناء الدولة السليمة، سيبقى أمرا قائما، ويشكل عقبة امام تحقيق ما تصبو اليه هذه الجماعات، وقد أوضحت لنا التجارب القائمة على ارض الواقع طبيعة هذا الفشل وبيّنت لنا أسبابه أيضا.
من هنا لابد من معالجة الأخطاء التي تكمن وراء تراجع ادوات الإسلام السياسي، وعدم قدرتها على تحقيق النجاح في بناء الدولة المدنية، وأول هذه الاخطاء الشروع في بناء الرؤية السياسية الاستراتيجة، ولا ضير في المرحلية التي تحقق بعض الأهداف الحاسمة، ولكن ينبغي ان يبقى الهدف الأساس قائما، متمثلا بوضوح الرؤية السياسية وثباتها، والكفّ عن التمسك بالأساليب البالية التي تركّز السلطة بيد فرد أو قائد أعلى أو حزب أوحد، لأن النتيجة لمثل هذا السلوك هو الدكتاتورية التي لا يمكنها العيش إلا في ظل دولة أحادية قامعة لكل شيء، فتبدو الدولة شاحبة ضعيفة وإن ظهرت للخارج كأنها قوية، فما فائدة أن تكون الدولة قوية خارجيا وتشكو الضعف من الداخل، بسبب السياسات الدكتاتورية التي تقوم عليها وتلجأ إليها كي تبقى الجماعات الإسلامية على رأس السلطة بغض النظر عن المخاطر التي تحيق بها.
لذلك ليس ثمة أمام الإسلام السياسي ومن يندرج ضمنه، إلا الذهاب الى المنهج السياسي الاستراتيجي، لبناء دولة لا تقوم على الفردية، أو الفئوية، ولا تنشغل بتكريس السلطة وتنسى واجباتها في حماية الحقوق والحريات المختلفة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*