نريد أن نعرف !
غلّظت محكمة التاج البريطانية عقوبة التاجر الغشاش جيم مكورمك وقضت بسجنه عشر سنوات بدلاً من ثمانية كما كان متوقعاً. وبرر القاضي ريتشارد هون حكمه بالقول إن «الخدعة» التي مارسها مكورمك سعياً وراء المال “تسببت بقتل وإصابة أبرياء”.
هؤلاء الأبرياء هم في معظمهم مواطنون عراقيون ماتوا في المئات من التفجيرات والهجمات الإرهابية التي حدثت في بغداد وسائر مدن البلاد على مدى السنوات الخمس الماضية. وتلك التفجيرات والهجمات مرت الأسلحة والذخائر المستخدمة فيها بنقاط التفتيش ولم يكشف عنها جهاز (DE-651 ) الذي يستخدمه الجنود والشرطة في نقاط التفتيش. فكما ثبت للمحكمة فإن هذا الجهاز ليس سوى خدعة كبيرة مارسها هذا التاجر بالتعاون الوثيق مع 15 مسؤولاً في الدولة العراقية أظهرت وقائع المحاكمة أن التاجر الغشاش وضع لهم ملايين الدولارات في حساباتهم خارج العراق، هي حصتهم من عائدات تلك الصفقة الفاسدة التي حقق فيها مكورمك لنفسه أرباحاً زادت عن 70 مليون دولار.
الآن نريد أن نعرف: هل تابعت حكومتنا محاكمة مكورمك أمام القضاء البريطاني؟ وهل طلبت من سفارتنا في لندن الحصول على تفاصيل القضية التي استغرقت التحقيقات فيها أكثر من ثلاث سنوات؟
إذا كان الجواب لا، نريد أن نعرف لماذا؟ وإذا كان الجواب نعم، نريد أن نعرف ما الذي تنوي دولتنا، حكومة وبرلماناً وسلطة قضائية، فعله؟.
القاضي البريطاني وبّخ التاجر الغشاش قبل النطق بالحكم ولامه على التسبب في قتل أفراد أبرياء. والآن نريد أن نعرف ما اذا كانت حكومتنا، ودولتنا برمتها، قد تأثرت بموت الآلاف من مواطنيها بسبب تلك الصفة الجهنمية التي كان طرفها الأول بالنسبة لنا مسؤولون تولوا مناصب رفيعة في دولتنا.
وبعد أن اثبتت محكمة بريطانية عريقة ان جهاز (ADE-651 ) لا يكشف عن الاسلحة والمتفجرات، نريد أن نعرف لماذا تصر الحكومة على استخدامه حتى اليوم؟ هل هي تمارس الخديعة معنا فتوهمنا بأنها ساهرة على أمننا وسلامتنا بينما تضع في أيدي شرطتها وجنودها جهازاً لا يصلح لدينا الا لعبة للاطفال، ففي بريطانيا يستخدم هذا الجهاز في البحث عن كرات لعبة الغولف ونحن لا نملك حتى ملعباً واحداً للغولف في كل أنحاء البلاد.
نريد أن نعرف من الحكومة لماذا تُصرّ على إبقاء هذا الجهاز في الخدمة فيما الشيء الوحيد المترتب عليه هو إحداث اختناقات مرورية لا تطاق في الشوارع، فضلاً عن المرور اليسير والآمن للمتفجرات والأسلحة المستخدمة في التفجيرات والهجمات الإرهابية.
نريد أن نعرف، ومن حقنا أن نعرف من وزير الداخلية ووزير الدفاع ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بوصفهم الأشخاص المتعهدين بأمننا وسلامتنا، كل تفاصيل هذه القضية والصفقة الفاسدة القائمة في وسطها والمسؤولين الخمسة عشر المتورطين فيها شركاء التاجر البريطاني الغشاش.
نريد أن نعرف من البرلمان ومن السلطة القضائية أيضاً ما الذي ينويان فعله، هل سيقرران فتح تحقيق عاجل في القضية برمتها لوقف هذه المهزلة، بل المأساة… مأساة شعب بثلاثين مليون نسمة ائتمن هذه الحكومة وهذا البرلمان وهذه السلطة القضائية على حياته ومصيره، فلم يكونوا جميعاً على قدر الثقة؟
نريد أن نعرف. من حقنا أن نعرف. ومن واجب مسؤولي دولتنا، وبخاصة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية ووزيري الداخلية والدفاع، أن يقدموا لنا كل ما يجعلنا نعرف.
المصدر: (المدى العراقية) – عدنان حسين