الحوزات العلمية والحرية الإعلامية

202

10-10-2014-11-d

تستحق الحوزة العلمية أن توصَف بأنها صمام الأمان للدولة والمجتمع، وقد بيّنا في مقالات سابقة ما هي المكانة الحقيقية التي تستحقها الحوزة العلمية، ولماذا على الدولة ونظامها السياسي الاهتمام بها، فالحوزة كما هو واضح من الوقائع والمواقف والأحداث، عنصر توازن أساس للمجتمع، وهي صاحبة الدور المؤازر لدور السلطة في صناعة الاستقرار، بعكسه لا تستطيع الأنظمة السياسية في الدول الإسلامية أن تحقق عنصر التوازن المجتمعي من دون الدور الأساس الذي تتصدى له الحوزة العلمية في هذا الجانب.
فلا يوجد استقرار ولا تطور في ظل الاضطراب، والحوزة العلمية لها القدرة الحاسمة على ضبط الشارع، من خلال توجيهاتها التي تصب في خانة الاعتدال دائما، والابتعاد عن التعصب وإثارة الشغب والضغائن بين مكونات وطوائف المجتمع الواحد، هذا هو دور الحوزات العلمية الموثوق بها من لدن الناس والمقلدين لها، وهكذا يبدو هذا الدور حاسما في صنع فرص التقدم للدولة والمجتمع، لأننا لا يمكن أن نتصور حدوث تطور من دون استقرار، والأخير كما ذكرنا صناعة رئيسة للحوزات العلمية.
التساؤل الذي ينبثق هنا، ألا تستحق الحوزات العلمية إعلاما بلا قيود، يتصدى لمهمة تواصل الحوزة مع أفرد المجتمع؟، ثم هل يجوز لنظام سياسي متوازن أن يتورط بمحاصرة الحوزات العلمية إعلاميا؟؟، لا شك أن مثل هذا الإجراء في مضايقة الحوزات إعلاميًّا ويمنعها من التواصل مع الناس، يمثل غباءً سياسيا بحتً للحكومة أو النظام السياسي الذي يقود الدولة، فعندما يظن الحاكم وحكومته لأي سبب كان، بأن منع الحوزات من تشييد القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية والصحف الورقية والإذاعات وسواها من السبل الإعلامية، يحمي نظامه من سطوة الحوزات العلمية، فهو واهم بطبيعة الحال، وسنأتي على ذكر أسباب هذا التصوّر الوهمي للأنظمة التي تحاصر الحوزات إعلاميًّا.
أما الانظمة التي تسمح بذلك، وتعمل بصورة جادة على فتح الآفاق الإعلامية أمام الحوزات العلمية، فإنها تحقق نجاحات على أصعدة كثيرة، أهمها أنها تكسب الاستقرار المجتمعي الذي تسعى الحوزات إلى تحقيقه دائما عبر تعاليمها المعتدلة والمسموعة في وقت واحد، وعندما يكون النظام السياسي قائدا لشعب منضبط متوازن ومستقر، فإن هذا النظام يمكنه أن يحقق قفزات كبرى في مجالات الإنتاج المتنوعة، فضلا عن تطور المجتمع نفسه، وعيا وثقافة وإبداعا وتطورا تنافسيا على مدار الساعة، وبهذا يكون الفائز الأول بمنح الحريات الإعلامية للحوزات العلمية هو النظام السياسي القائم والدولة والمجتمع والحوزة العلمية أيضا، وكما يتضح لنا أن هذا الفوز يمثل فوزًا جماعيا لدولة مستقرة وساعية للتطور المتصاعد.
وحينما يتوهم النظام السياسي بأن هناك مخاطر جمة، تنعكس عن منح الحوزات العلمية حرية إعلامية وحضورًا فاعلا بين الناس، فإن المخاطر الناجمة عن ذلك ستطول النظام السياسي أولا، فضلا عن الدولة والمجتمع، فعندما لا يصل صوت الحوزة العلمية للناس، ستكون النتائج بالغة الخطورة، لأنك ستكون أمام شعب غير منضبط، وقد يتعرض للانفلات في أية لحظة، والانهيار المجتمعي سوف يؤدي إلى فوضى عارمة قد تطيح بالنظام السياسي قبل سواه، ولكن لا يمكن للحاكم المستبد والحكومة القمعية أن تفكر بهذه الطريقة المنطقية، لأن الحاكم وحكومته يفكران دائما بالكيفية التي يحمون من خلالها سلطتهم، وهؤلاء عندما يتوهمون بأن الحوزات العلمية تنافسهم على قيادة الناس، فإنهم يرتكبون بذلك خطأً فادحا، نتائجه عدم ضبط الشارع، وشيوع الفوضى وغياب الاستقرار، الذي يغيّب معه كل ما يمت للتطور والنمو المتصاعد بصلة، وهذا الأمر يمنع بناء الدولة كما يجب.
وفي الوقت نفسه يؤكد خسارة الأنظمة السياسية التي لا تمنح الحوزات العلمية موافقات تامة، تجيز لها استثمار وسائل الإعلام بكل أشكاله للتواصل مع الناس، من هنا لابد أن تعي الأنظمة الإسلامية، أهمية الحرية الإعلامية للحوزات العلمية، ولا يجوز التفكير مطلقا، بأن هذا الأسلوب من التعامل يجعل الحوزة في حالة منافسة على السلطة، لأن دورها ينحصر في مجالات معروفة دينية، تربوية، أخلاقية، بالدرجة الأولى، وعندما تتدخل الحوزات في السياسة، فإنها تقوم في ذلك عندما ترصد نواقص وانحرافات في إدارة الدولة، ومن حق الحوزة بل من أهم أدوارها أن تردع المسؤولين الذين يميلون إلى الظلم والفساد والإفساد، كون الحوزة هي المعيار الذي يساعد الدولة ويحميها من الانهيار، فضلا عن ثقة الشعب بها، لهذا مطلوب من النظام السياسي أن لا يشط ويظلم ويشذ عن المسارات الدستورية للحكم، حتى يضمن عدم معاصرة الحوزة العلمية له، وفي الوقت نفسه يضمن مجتمعًا مستقرًّا يميل إلى الإبداع والابتكار والإنتاج الأفضل دائمًا.

النبأ

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*