آفاق السلام في سورية ومصير الجماعات الإرهابية
بدخول المبعوث الدولي الجديد في الملف السياسي السوري، انفرج هنالك بصيص أمل بحل سياسي يضع حداً للحرب الطاحنة التي تكاد تصل ضحاياها الرقم (200)ألف قتيل وآلاف المصابين وملايين المشردين. هذه الومضة التي رصدتها أوساط إعلامية وسياسية، مصدرها التزامن الحاصل بين مهمة “ستيفان دي ميستورا” وبين عمليات القصف الجوي الذي تقوم به قوات التحالف الدولي بقيادة أميركا التي تحت شعار “الحرب على الإرهاب” واستهداف مواقع تنظيم “داعش” حصراً.
المبادرة السياسية التي طرحها المبعوث الأممي، لقيت الترحيب الفوري من دمشق، وتحديداً الرئيس السوري بشار الأسد، لأنها تصب في الطريق الموازي للخيار العسكري الذي تقف خلفه – وما تزال- أطراف إقليمية ودولية لتغيير شكل النظام السوري. هذا الترحيب تمثّل في رد الأسد على مقترح “بتجميد” إطلاق النار في مدينة حلب بين القوات الحكومية وقوات المعارضة، كتمهيد للتوصل إلى حلٍّ سياسي شامل، بأنها “جديرة بالدراسة…”. وبحسب التلفزيون السوري فقد “تم الاتفاق خلال اللقاء على أهمية تطبيق قراري مجلس الأمن 2170 – 2178 وتكاتف جميع الجهود الدولية من أجل محاربة الإرهاب في سوريا والمنطقة والذي يشكل خطراً على العالم بأسره”.
هذه المبادرة الأممية الجديدة، حال سابقاتها، من الصعب جداً عليها تحقيق تقارب وجهات النظر بين طرفي النزاع لإنجاحها، لاسيما وأن على الساحة السورية الملتهبة، أصبح هنالك أكثر من طرف، وربما هذا من الخطأ الفاحش والقاتل التي وقعت فيه “المعارضة السورية”، التي سعت لأن يكون خطها السياسي هو المنهج الذي يسير العمليات العسكرية على الأرض ضد القوات السورية، وتكون الواجهة العسكرية الأساس هو “الجيش السوري الحر”، وهذا ما لم يتحقق منذ البداية، بل أصبح من المستحيلات، نظراً لأن أصل الوجود المعارض للقوات والنظام في سوريا، هو عديد الجماعات المسلحة تحت مسمّيات مختلفة، بل بمصادر دعم متعددة أيضًا، و ما أركس هذه المعارضة في مستنقع الفشل، هو منهج التكفير والإرهاب الدموي والممارسات البشعة واللا إنسانية التي صدرت من تنظيمات إرهابية في مقدمتها “داعش” ونظيراتها في الوحشية والدموية. مما أضعف كثيراً حجج المعارضة السياسية أمام المحافل الدولية لاستحصال إدانات ومواقف سياسية متضامنة ضد النظام السوري.
بيد أن تصريحات الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، ذات الطابع الايجابي، ربما يرى فيها المراقبون والمتابعون على أنها مؤشر لاحتمال تحقيق بعض النجاح في هذه المبادرة، حيث تحدث عن المتابعة “باهتمام بالغ لجهود المبعوث الأممي في دمشق…”، كما أشار إلى احتمال أن تفضي المبادرة لعقد “جنيف 3″، الأمر الذي وصفه المراقبون بأنه بصيص أمل آخر للشعب السوري والخروج من ظلام المرحلة الراهنة. وما يبنون عليه، أن تكون هنالك صفقة تشترك فيها المعارضة السورية ويقبل بها النظام السوري، بما يشبه “لا غالب ولا مغلوب”. وقد تحدثت أوساط إعلامية عن احتمال لبننة سوريا، باستنساخ “طائف” جديد، في إشارة إلى اتفاق الطائف الذي رعته السعودية عام 1989، والذي وضع حداً نهائياً للحرب الأهلية في لبنان بعد مضي حوالي ربع قرن من الزمن، والتحول من مرحلة الحرب العسكرية إلى الحرب السياسية والتنافس على السلطة والنفوذ، كما هو الحال في لبنان.
هذا السيناريو ليس بالضرورة يكون مرضياً للجانب الآخر من الصراع والحرب، فالخندق السياسي كما الخندق العسكري (الإرهابي) في سوريا يعارضون بشدة أي مشروع سياسي ينتفع منه الرئيس السوري بشار الأسد ويعده نصرًا على الخيار العسكري وعلى الجماعات التي واجهته طيلة الفترة الماضية وتسببت في قتل وتشريد الملايين. ليس هذا وحسب، بل ويطالبون الغرب وتحديداً أميركا بدعمهم على الأرض عسكريًّا، من خلال تقوية مواقع ما يسمى “الجيش السوري الحر”، بدلاً من قصف مواقع “داعش” في سوريا. وقد وصف رئيس ما يسمى “الائتلاف الوطني السوري المعارض” هادي البحرة، خطة القصف الجوي لقوات التحالف بأنها قتال “لظاهر المشكلة الذي هو الدولة الإسلامية من دون مهاجمة أصل المشكلة الذي هو نظام بشار الأسد”.
وما يعزز الاعتقاد بصعوبة نجاح المبادرة السلمية الأممية، تعدد اطراف الحرب والقتال في حلب، فإلى جانب “داعش” هنالك “أحرار الشام”، و”جبهة النصرة”، وأيضا “الجيش الحر”، هذه القوى العسكرية المسلحة والممولة بشكل جيد، لا تعبأ بالرأي العام الدولي وإداناته الشديدة لما اقترفته من جرائم مريعة ضد الإنسانية، بل يعدون أنفسهم أصحاب حق مشروع لإسقاط النظام السوري، وإن حصل هنالك اتفاق كما حصل في حمص من قبل، فيجب أن يحقق لهم بعض المكاسب والمصالح على الأرض، مثل تأمين عناصرها أو تهريب البعض الآخر وعدم ملاحقة المجرمين والسفاحين وتوفير قنوات انسحاب آمنة كما حصل تماماً في حمص عندما استعادتها القوات الحكومية وأعادت الحياة الطبيعية إليها.
وحسب المتابعين والمراقبين، فان أهم ما تكسبه الجماعات المسلحة (الإرهابية) والتي تضمنها خطة “دي ميستورا” إجراء نوع من التمييز والعزل بينها وبين تنظيم “داعش” الذي حملته الأوساط الإعلامية والسياسية في الغرب كل تبعات الإرهاب الدموي والطائفي في الوقت الحاضر. فـ “الإرهاب” الذي جاء في المبادرة الجديدة، يقصد منه بالتأكيد “داعش” وليس الجماعات الإرهابية الأخرى التي لم تقل إجرامًا ودموية عن “داعش”، فإذا تقدمت هذه الجماعات خطوة واحدة نحو المبادرة، فإنها ستكون قد ابتعدت أميالاً عن مصطلح الإرهاب الشنيع والدخول في الساحة السياسية كلاعبين فاعلين ربما يكونون ضمن المستقبل السياسي في سوريا.
النبأ