الـصـراع علـى الـوهـابـيـة بـيـن قـطـر والـسـعـوديـة
يحاول الكاتب السعودي المثير للجدل منصور النقيدان في دراسته «قطر ومشروعها في دعم الوهابية» (مركز المسبار للدراسات والبحوث ــ 2012) تسليط الضوء على الجهد الذي تبذله قطر في جذب العقيدة الوهابية مع امتداده العقدي والقبلي، ويبدأ بحثه في كلمة افتتاح جامع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدوحة التي ألقاها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إذ أشار إلى أن قطر ستسعى إلى دعم ونشر الدعوة الوهابية تأكيداً على الصلة المباشرة مع الإمام ومنهجه السلفي.
وعلى الرغم من أن السعوديين يؤكدون على البعد السلفي ويتجنبون وصف دعوة إمامهم بالوهابية، إلاّ أن المصطلح انتشر وأصبحت له سطوة على مجمل الخطاب الديني المتشدد من المحيط إلى الخليج. ومعلوم أن الحركة الوهابية ذات المنابع السلفية، استمدت تفسيرها من الإمام أحمد ابن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية، وكانت ضد الحركات الصوفية، وتأثرت فيها العديد من الحركات الإسلامية، كما عملت على فرض عقيدتها خارج مجالها الجغرافي، إذ سجل التاريخ الحديث محاولات دؤوبة لنشر السلفية في الدول المجاورة للسعودية، من بينها العراق إبان مرحلة التأسيس (نُحيل على كتاب: رسول، رسول محمد رسول، الوهابيون والعراق عقيدة الشيوخ وسيوف المحاربين) علماً أن دعاة الوهابية نشروا دعوتهم في العديد من الدول العربية أقله منذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي.
يستند النقيدان ــ الذي كان داعية متطرفًا ومن أكثر المتحمسين لعقيدة محمد بن عبد الوهاب قبل أن يجري مراجعة نقدية/ جذرية في مرحلة السجن دفعته إلى اتخاذ مواقف ليبرالية ــ إلى عدة معطيات في قراءته لعملية الجذب القطري المحموم للوهابية، فيستحضر بداياتها التاريخية في القرن التاسع عشر، إذ سعى الشيخ قاسم بن محمد إلى ترسيخ المذهب الحنبلي المعتمد عليه في قانون الأحوال الشخصية حتى اليوم، بعدما كان المذهب المالكي سائداً.
وبصرف النظر عن الظروف التاريخية المؤدية لانتشار الوهابية، التي يصفها الكاتب في مواضع مختلفة من دراسته بـ «الوهابية الناعمة»، يخلص إلى أن قطر أقامت توليفة ساعدتها على تجنب حال الفوران والصدام التي عاشتها السعودية مع وهابيتها إبان الصحوة الإسلامية في ثمانينيات القرن المنصرم، ولم تسمح هذه التوليفة «بتفعيل سلفية وهابية شرسة تنعكس على الاستقرار السياسي، أو تقدم وجهة نظر معارضة للنهج الذي اتبعه الشيخ حمد منذ وصوله إلى الحكم».
تنهض التوليفة المشار إليها على ثلاث قواعد: الحنبلية ــ السلفية الوهابية ــ الدعوة والتبيلغ التي استقرت في قطر وتأثر فيها الكثير من أبناء المجتمع القطري. لكن النقيدان في وضعه لهذه الثلاثية لا يفسر بشكل دقيق الأسس الإيديولوجية والعقدية للوهابية القطرية، فهو لا يشرح للقارئ كيف ترسخت هذه التوليفة وما هي مؤثراتها في المستويين الاجتماعي والسياسي، وهذا لا يمنع كونه خرج بنتائج أولية تحتاج إلى تأسيس.
ومن بين الخلاصات التي يفصح عنها في دراسته أن قطر مرشح مثالي لخلافة السعودية في نشر الوهابية «فهي أكثر دولة وفاءً» لهذه العقيدة بعد السعودية التي تنازعها على تراث ابن عبد الوهاب، وتجهد في دعمها كي تتواءم مع التوجه «والأهداف القطرية» على المستوى الإقليمي. وإذ يحذر الكاتب الإحيائيين الوهابيين الجدد من النتائج الكارثية في حال «نشطوا الوهابية الثورية/ المحتسبة» كما جرى ويجري في السعودية، يرى أن قطر تستنهض المشروع الوهابي لكن بطريقة حديثة، وهنا يستشهد بكلام وزير الخارجية القطري الذي قال: « الوهابية في بلدنا مختلفة عن السعودية حيث في قطر المرأة لها مساحة من الحرية ومسموح لها أشياء كثيرة ممنوعة على المرأة في السعودية مثل قيادة السيارة».
الأخطر في النقاط التي يكشف عنها الكاتب اعتماد بعض المدارس القطرية على مناهج التربية الإسلامية الوهابية الطابع بدءاً من العام 2006.
قطر المشغولة في دعم إسلاميي الربيع العربي حصرت وهابيتها الناعمة داخل المدارس ووزارة الشؤون الاجتماعية، ولم تسمح لسلفييها أن يكونوا ناشطين على الساحة أسوة بنظرائهم في الكويت أو البحرين، بمعنى آخر المشهد الديني لا يمكنه أن ينافس حضور العائلة الحاكمة كما يلحظ الكاتب. وفي سبيل تنشيط الوهابية وإثر وصول الشيخ حمد إلى الحكم، عملت قطر على استقطاب السلفيين السعوديين ومنحت بعضهم الجنسية القطرية.
يتساءل النقيدان هل «القطريون وهابيون أم سلفيون حنبليون؟» من أجل الإجابة عن هذا السؤال يرصد ردود الأفعال الشبابية، التي أثارتها المقابلة التي أجريت مع وزير خارجية قطر الذي أكد «أنه وهابي»، في منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ليقول: «إن معظم الجيل الجديد يعبرون عن أنفسهم بأنهم حنابلة سلفيون، ويحتفظون لابن عبد الوهاب بإجلال كبير له ولتعاليمه». عملية استنهاض العقيدة الوهابية في قطر ترافقت مع نشاط ثقافي تجلى في السعي للحفر في التراث والمخطوطات التي تؤكد على تاريخ قطر الوهابي وارتباطه بالوهابيين في السعودية.
يجري الكاتب نوعًا من المقارنة للصراع القطري ــ السعودي على الوهابية خلال الفترة الممتدة بين عامي 1995 و2011 ويضع نتائجه الأولية في خانة «البحث عن إيديولوجيا موائمة»، أي تلك الحقبة التي حاولت فيها القيادة القطرية إرساء وهابيتها المعدّلة، علمًا أن الدوحة إبان خلافها السياسي مع السعودية قبل العام 2008 شنت هجومًا على الوهابية ووصل الخلاف إلى ذورته العام 2008 إلى أن توقف في العام 2010. المؤشر الأهم الذي يدرسه الكاتب بحث قطر عن عمقها القبلي/ الديني في السعودية ومحاولاتها المتكررة «للاستحواذ على الإسلام السلفي الوهابي» أي بذل الجهد في البحث عن شرعية دينية / قبلية «في العمق النجدي السعودي على وجه الخصوص».
يصل الكاتب إلى مجموعة من الخلاصات من بينها: لا يمتلك القطريون رؤية واضحة حول مشروعهم لبعث الوهابية في ظل الجار الكبير الذب نبعت منه المدرسة؛ كل المعطيات تؤكد أن قطر تسعى إلى دعم الوهابية لا السلفية بمعناها العام؛ ليس مؤكدًّا أي نسخة من الوهابية سوف تتبناها قطر، وإن كانت كل الظروف تشي بأنها ستتبنى الوهابية الناعمة المنسجمة مع مشروعها الإقليمي ترجح كل المعطيات أن المستهدف هو العمق السعودي والحظوة بشرف سدانة الوهابية.
ثمة نقاط ضعف في دراسة النقيدان، إذ كان بإمكانه تكثيف الأفكار والإضاءة على عدة.
مفاصل الإشكالية، فهو لم يجب بالشكل المطلوب عن مؤثرات الوهابية القطرية «منزوعة الدسم» في المجتمع القطري، ولم يفصل الكلام حول الأسس العقدية / الدينية التي تنهض عليها الوهابية في قطر، كما لم يوسع فرضية أساسية تتمثل في البعد القبلي / الجغرافي الذي تبحث عنه القيادة القطرية في العمق السعودي، وهذا المفصل هو الأهم.
قطر المنتشية اليوم بوصول الحركات الإسلامية إلى الحكم في بعض دول الربيع العربي، تراهن بقوة على ورقة الإسلاميين، وربما ترى أن التحولات الراهنة ستؤدي إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، وإلى فرض أجندتها السياسية الملتبسة والمثيرة للتساؤلات، لكن الإشكالية التي تطرح نفسها هل ستنجو قطر من لعنة الإسلاميين، من المفيد الإحالة على كتاب Oussama ben laden ou le meurtre du père (أسامة بن لادن أو اغتيال الأب) للصحافي الفرنسي ريشار لابيفيير.
المصدر: السفير