العباءة الرجالية النجفية … الأولى في العراق والوطن العربي
تشتهر محافظة النجف الأشرف ومنذ عشرات السنين بصناعة العباءة الرجالية، وبأنواعها وأصنافها وأشكالها، والتي تكلم عنها المستشرقون الأجانب في كتبهم، والتي كل ما تقدم بها الزمن زادت أصالة وأصبحت فناً تراثياً عريقاً ، لتصنف على أنها من التراث الشعبي الذي تميزت به المدينة عن باقي المحافظات العراقية والدول العربية .
حيث الأنامل التي تتحرك بين خيوط الحرير وصوت الجومة اليدوية، أصلها نجفيٌّ من هذه البقعة المقدسة التي علت بوجود وصي رسول الله علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما.
ومن أجل إبراز هذه الصنعة التراثية لابد من معرفة صانعي العباءة (الحيَّاكة) في شارع (عگد العبايجية) في محافظة النجف لتسليط الضوء على تاريخها وأصالتها وعمرها.
النجف أقدم مكان لصناعة العباءة في الوطن العربي
يقول حمودي حسن العبايجي بائع وصانع العباءة النجفية (65سنة) : إن هذه الصنعة قد ورثها من والده التي ورثها عن والده الحاج مهدي العبايجي أيضًا الذي ناهز عمره المائة عام، مبيناً أن محافظة النجف الأشرف تعد أقدم مكان لصناعة العباءة الرجالية في العراق والوطن العربي، وأفضلها بجودتها وفنها التراثي النجفي حيث يرجع تاريخ صناعة العباءة في المدينة إلى أكثر من 130 سنة ، حيث جابت العباءة النجفية جميع محافظات العراق وأغلب دول الخليج العربي.
وأضاف العبايجي إنها كانت تصنع أيضًا قديماً في منطقة عبادان الحدودية والتي كانت تسمى بـ(الدورك) وكذلك العباءة الحياوية أو المجرية التي تصنع في منطقة الحي في محافظة الكوت والتي ميزتها أنها تصنع من قبل الرجال .
أنواع العباءة حسب الفصول والمناسبات والأماكن
وتابع العبايجي: إن العباءة تقسم إلى أربعة أنواع حسب الفصول والمناسبات الخاصة، فمنها الصيفية والتي تسمى (البشت) الخفيفة الوزن، ومنها اليدوية (المغزل) وأيضًا (الصناعية). العباءة الأخرى التي تسمى (البهارية) والتي تلبس في الفترة الربيعية والخريفية، ويكون وزنها خفيفًا أيضًا، أما النوع الثالث والذي يسمى بـ (الدگاك) ويرتديها الرجال في فترة الشتاء ويكون وزنها أكثر من كيلوين ونصف، ويكون أغلبها صناعية لصعوبة حياكتها يدوياً.
ويبين العبايجي : أما من حيث المناسبات (الحزينة أو المفرحة) فهناك العديد من العباءات التي تكون مخصصة لها منها ما تسمى بالعباءة السوداء (الخاچية) والتي يكون صوفها أبيض ويتم صباغته إلى اللون الأسود .
وأوضح العبايجي إن: هناك من يصنفها حسب الأماكن حيث تسمى العباءة التي يرتديها الرجال في المنطقة الغربية والشمالية من العراق والخليج العربي بـ (الكلبدون) أي التي تطرز مناطق منها بخيوط باللون الأصفرالذهبي ويكون من مناشىء فرنسية ويابانية ويأتي عن طريق سورية والأردن.
العباءة اليدوية والصناعية
منتظر حسن الرماحي (35سنة) قال : تقسم العباءة الرجالية قسمين من حيث الصناعة، فمنها اليدوية، والتي لها تسمية شعبية أخرى وهي ((المغزل))، والتي تحاك بالمغزل اليدوي أو الماكنة القديمة ((الجومة)) والتي يفضلها كبار السن ويعدونها تراثا يتجدد، والتي هي في طريقها للانقراض بسبب قلة شرائها وارتفاع أسعارها.
ويذكر الرماحي أن: القسم الآخر فهو الصناعي الذي يدخل في حياكته الآلات الحديثة التي راج العمل بها بعد عام 2003 لانفتاح العراق على الدول الأخرى، والتي تكون أقل كلفة وأرخص ثمنًا مع منظر مقبول، ويقبل عليها أغلب الناس أما العباءة اليدوية فتكون ذات أسعار مرتفعة تصل أحياناً إلى مليون دينار و لا يقتنيها إلا القليل .
الأصواف والخيوط المستخدمة في صناعة العباءة
وبين أحمد علي صانع العباءة (43 سنة ) أن :هناك العديد من الأصواف والخيوط المستخدمة في صناعة العباءة الرجالية، أما الأصواف فهي تؤخذ من صوف الخروف وبر الإبل، وحسب لونه يكون لون الصوف، وكذلك يتم صباغته بعد ذلك حسب اللون الذي تكون عليه العباءة، وتصنف إلى أنواع منها (الكرناوي) و(البشت) و (ألنجفي) و (الدكاك) المستخدم في العباءة الشتوية .
ويتابع علي :أما الخيوط المستخدمة في الحياكة فهي الحرير الطبيعي الذي يستخرج من حشرة دودة القز التي تجري تربيتها في مزارع خاصة، وتكثر في الصين، وكذلك خيط البريسم الفرنسي والصيني، وكذلك الخيط الهندي واليابان, مبيناً أن :كل ماتكون الخيوط أرفع تكون العباءة أغلى سعراً لصعوبة حياكتها.
مشاركة العباءة النجفية في المعارض التراثية
الحاج أبو أمير (60سنة ) ذكر أن : في كل سنة كنا نشارك مع من بائعي العباءة في معرض التراث العراقي المقام في معرض بغداد الدولي السنوي، وبدعوة من إدارة المعرض، وبقسم خاص يضم العديد من أنواع العباءة النجفية التي تتميز بأصالتها وتراثها العريق، وقد حصلنا على شهادات تقديرية لمشاركتنا في المعرض، وقد كان يقدم لرواد المعرض من جهات عربية وأجنبية الهدايا مع العباءات الفاخرة، وخاصة ذات اللون الصفر (الكلبدون) لأنها تعطي المظهر الذهبي .
تجارتها بين الماضي والحاضر
الحاج أبومحمد بائع (50سنة) أوضح أن : تجارة العباءة الرجالية أفضل منها قديماً من الوقت الحاضر، خاصة ، بعد دخول الآلات الحديثة المستخدمة في الحياكة، وأن الكثير من صناعها قد تركوا المهنة لما فيها من الربح القليل.
يتم التحضير لكل موسم قبل قبل فترة وجيزة من خلال شراء الأصواف والخيوط وغيرها من المستلزمات التي تكون في فترة الموسم أكثر سعرًا ، وإن السوق يرتاده العديد من الزبائن من كل أنحاء العراق والخليج العربي، من البحرين والكويت والسعودية.
ومن أهم رواد هذه الصنعة التراثية شيوخ العشائر والقبائل العربية في القرى والأرياف، لأنهم أكثر استخدامًا للعباءة، لأنها تعتبر الزي الرسمي لهم . رغم كل ما تقدم يبقى هناك الكثير لنتحدث به عن هذه المهنة التراثية التي تعتبر جزءً لا يتجزأ من تاريخ هذا المدينة المعطاء التي تميزت بكل شيء جميل .
النجف نيوز/ تحقيق- عقيل غني جاحم