عراقيو سورية يتحولون إلى طرف في الصراع رغماً عنهم

251
30-6-2012-2

يشير التدفق المستمر للاجئين العراقيين في سورية إلى كل من العراق والأردن وتركيا، إلى حقيقة أن هذه البلاد صارت منطقة طاردة، بعدما كانت بلاد جاذبة لهم، في ظل توتر الأوضاع هناك.


    يروي حسين كامل الذي يقيم في منطقة السيدة زينب في ريف دمشق منذ نحو ثمان سنوات أن الوضع الأمني والمعيشي بات يؤرق اللاجئين العراقيين لاسيما أولئك الذين لا يريدون العودة إلى العراق.    ومنذ نحو الثلاث سنوات تنتظر فريدة حسن ترحيلها إلى بلد ثالث عبر الأمم المتحدة، بعد أن اعتُرف بها كلاجئة إلا أن الأمر بات اليوم بعيد المنال مع زيادة أعداد اللاجئين، وعدم وجود برامج ترحيل منتظمة من قبل الأمم المتحدة.

مجازفة العودة

    ومن العراقيين من يود العودة إلى بلاده لكن ظروفا قاهرة تمنعه من ذلك، إذ فقد (حسن حاتم) كل اتصال بأهله من نحو أربع سنوات، وهو المطلوب عشائريًّا في العراق لارتكابه جريمة قتل. ويعترف (حاتم) أن عودته إلى العراق تتطلب منه معرفه فيما إذا كان الموضوع قد تمت تسويته عشائريًّا أم لا، وحتى في هذه الحالة فإن أمر عودته يبقى مجازفة كبيرة.

    ويؤكد (أمين الكاظمي) أن الأمر في سورية لم يعد كذلك، وأن نذر الحرب الطائفية تلوح في الأفق.

    ويضرب (الكاظمي) مثالاً على ذلك، حين سأله مواطن سوري قبل أيام إن كان هو سنيًّا أم شيعيًّا، في حين أن هذا السؤال لم يكن ليطرح في سنين سابقة.

    (رحيم الجبوري) يؤيد ما ذهب إليه (الكاظمي) ويقول إنه تعرض للإهانة من قبل جماعة سورية، بعد أن عرفوا أنه من طائفة معينة.

اللعبة الطائفية

    وعلى رغم من أن أغلب العراقيين ينوأون بأنفسهم عن السياسة وتحولاتها في سورية إلا أن ذلك لا يحول دون زجهم عنوة في الجدالات والمشاكل التي تحدث.

    ويعترف (ليث الخفاجي) أن اللعبة الطائفية بدأت في سورية، وأن العراقيين سيكونون طرفًا فيها مهما تجنبوا ذلك، وسيكونون هم الضحايا بالتأكيد.

    وقبل أسبوع رفض بائع سوري التعامل مع (الخفاجي) قائلًا لهم إنكم سبب خراب سورية، ولا يعرف (الخفاجي) ماذا يقصد البائع في كلامه. ويؤكد (الخفاجي) الذي عاد إلى العراق قبل نحو أسبوع أن العوائل العراقية التي سكنت حمص عانت الأمرين من التهديد بالقتل والجوع، مما اضطرها إلى الانتقال إلى دمشق.

    وأصبحت حمص معقل المعارضة المسلحة التي بدأت قبل عدة أشهر بعد احتجاجات سلمية على حكم عائلة الأسد الممتد منذ 42 عامًا.

    من جانبه يؤكد (علي حسن) الذي كان يقيم في منطقة السيدة زينب أن الوضع لم يعد آمنًا هناك للعراقيين، وأن التفجيرات والاغتيالات بدأت تطالهم إضافة إلى الكثير من التهديدات بدوافع طائفية، والتي تدعوهم إلى الرحيل أو القتل.

    ولفت (حسن) الانتباه إلى أن منشورات طائفية وزعت في منطقة السيدة زينب فحواها أن الشيعة هدف مشروع للعمليات الحربية والقتل، طالما أنهم يؤيدون بشار الأسد.

    وفي منطقة السيدة زينب تنتشر اللوحات والإعلانات لصور الرئيس السوري بشار الأسد إلى جانب الأمين العام حسن نصر الله ومع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد.

    كما اغتال مسلحون مجهولون الأسبوع الماضي، خطيب وإمام حسينية الحوزة العلوية في سورية سيد ناصر العلوي. وقالت أسرته إن شخصًا أطلق رصاصة واحدة على وجه الضحية أمام منزله في منطقة السيدة زينب في دمشق.

    وتبدو أحياء كثيرة في دمشق والمدن من حولها مثل منطقة الزهراء بمثابة قواعد عسكرية أكثر منها أحياء سكنية.

عراقيو السيدة زينب يوالون النظام السوري

    وينظر أغلب السوريين إلى منطقة السيدة زينب حيث يقيم أغلب العراقيين، إلى أن هذه المنطقة موالية للنظام السوري مما يتوجب محاربتها أو محاصرتها.

    وبالنسبة لكثيرين لم يكن موضوع العودة للعراق خيارًا مطروحًا قبل الآن، إلا أن الموقف الأمني والمعيشي المتدهور يحتم عليهم تغيير خططهم والعودة بسرعة إلى العراق.

    وانخفضت أعداد اللاجئين العراقيين في سورية إلى أدنى مستويات لها في الأشهر القليلة الماضية، بعدما ظلت هذه البلاد لسنين طويلة المقصد الأول للنازحين للهروب من جحيم الحرب في العراق منذ العام 2003.

    (أبو تماضر) سائق “باص” على خط دمشق – بغداد يوضح  أن العودة إلى العراق قائمة على قدم وساق، ويتوقع أن تخلو سورية من العراقيين بعد وقت قصير.

    وعاش (حليم الأسدي) في مدينة حلب مدن خمس سنوات بسلام وأمن، لكن عاد العراق منذ نحو ستة أشهر مؤكدًا أن بعض العراقيين انضموا للقتال إلى جانب الجماعات المسلحة والجيش السوري الحر.

    ولم يفصح (الأسدي) عن أسباب ذلك لكنه، يعتقد أن اغلب هؤلاء الذين انضموا إلى الجماعات المسلحة كانت لهم تجارب سابقة في القتال في العراق.

    وفي ذات الوقت يشير (محمد هاتف) الذي كان يسكن مدينة حلب لمدة ثمان سنوات أن أغلب العوائل هناك إما أنها عادت إلى العراق أو انتقلت إلى دمشق حيث الأمن أكثر رسوخاً. وينبه (هاتف) إلى صحة ما ذهب إليه (الأسدي) من أن عراقيين انضموا للقتال إلى الجيش السوري الحر.

فعاليات سياسية

    وفي ذات الوقت يرى هاتف أن بعض العراقيين انخرطوا أيضًا في فعاليات تدعم الرئيس الأسد عبر الفعاليات السياسية والدعائية والمظاهرات.

    (أبو رحيم) صاحب مكتب سفر، يقر بأن الأوضاع في مدن سورية بدأت تؤثر بشكل مباشر على اللاجئين العراقيين، حتى الذين يسكنون مناطق بعيد نسبيًا عن مناطق التوتر مثل السيدة زينب وجرمانا.

    أما (علي الحسيني) الذي يستعد للعودة إلى سورية لتصفيه أعماله التجارية فيقول : إن المقيمين العراقيين يتجهون إما إلى الأردن أو إلى العراق، مؤكدًا أنهم يتابعون تطورات الموقف ساعة بساعة.

    ولا يخفي الحسيني تأكيداته من أن بعض العراقيين صاروا طرفًا في النزاع من قريب أو بعيد، حيث انقسموا بين مؤيد للنظام ومعاد له.

    ويتابع (الحسيني) حديثه: “أغلب العراقيين المقيمين في مناطق دمشق وريفها مثل منطقة السيدة زينب وجرمانا يؤيدون النظام، في حين يؤيد العراقيون في حلب وحمص ومناطق التوتر – على ضآلة أعدادهم – المعارضة السورية”.

    وكان يعتقد (أبو سحر) المقيم في سورية منذ سنوات ويسعى عبر إقامته هناك من الهجرة إلى أوروبا، أن الأحداث في سورية سحابة عابرة لكن الأمر ليس كذلك على ما يبدو.

    ولا يبدو الأمر سهلًا بالنسبة للكثير من العراقيين، أن يتركوا البلاد على الفورلارتباطهم بأعمال تجارية إضافة إلى ارتباط الأولاد بالمدارس.

أيام صعبة

    وشهد عام 2005 والسنوات اللاحقة هجرة كبيرة للعراقيين إلى الخارج بعد تردي الأوضاع الأمنية وانتشار ظاهرة الاختطاف والقتل في الكثير من المدن العراقية.

    وتصف (أم حسن) التي أقامت في سورية قرابة عشر سنوات، أن العراقيين هناك بدوا منهكين وجائعين بسبب تردي الأوضاع هناك.

    وعادت (أم حسن) إلى بلدها منذ نحو شهر مؤكدة أن الوضع في العراق أفضل مما هو عليه في سورية.

    والتقت (أم حسن) الكثير من العراقيين الذين كانوا يقيمون في مناطق النزاع، وأكدوا لها أنهم يعيشون أيامًا صعبة حيث القصف والمناوشات المسلحة، واضطروا في بعض الأحيان إلى أكل أوراق الأشجار.

    ويعترف (محمد حسن) الذي كان يقيم في مدينة درعا السورية العام الماضي، أنه كان يرى على الطريق أناسًا ميتين بسبب القتال. ويضيف (حسن): “العوائل التي نجت وتمكنت من الفرار اعتبرت نفسها محظوظة”.

    وفي منطقة العلاوي في بغداد يشير(رياض كامل) إلى جرح كبير في ساقة بسبب إصابته بشظية من جراء انفجار في منطقة السيدة زينب، مما دفعه إلى العودة إلى بلده.

    وبالنسبة للعراقيين البعيدين عن مناطق القتال، فإن معاناتهم تتلخص في التضخم الكبير في السوق السوري، وشحة المواد الغذائية والوقود، كما أن انخفاض سعر صرف العملة المحلية كبَّدَ التجار العراقيين خسائر كبيرة.

 

المصدر : إيلاف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*