ضارب صدام حسين بـ(النعال) يستذكر لحظات انتصاره على الطاغية؟!!
346
شارك
توفيق التميمي
في الساعة التاسعة والنصف من صباح التاسع من نيسان من عام 2003.. والنظام الجبروتي للمقبور “لصدام حسين” لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد، وأمام مقر اللجنة الاولمبية في شارع فلسطين حيت ما زال التواجد الأمني الكثيف للقوى الصدامية ومفارز الجيش الشعبي للسلطة البعثية تمني نفسها بلحظة إنقاذ في اللحظات الأخيرة، تسلق المواطن جواد كاظم والمشهور بـ(أبو تحسين) إلى موضع الصورة الكبيرة للطاغية صدام والموضوعة على بوابة اللجنة الاولمبية، وبينما كانت هناك وليمة من اللصوصية والنهب حوله، سجل لحظة تاريخية سوف لن تنساها ذاكرة الضحايا العراقيين عندما أعلن ذلك المواطن الشجاع عن سقوط صدام بلكنة بغدادية ملتاعة بكل عذوبتها وحنيتها وحزنها ((لكم تعرفون شسوه بينه هذا ..هذا دمرنا..هذا كتل شبابنا )) ثم لينهال بضربات من “نعاله” على الصورة التي كانت تمثل كابوساً مرعباً جاثماً على صدور العراقيين.
استمد أبو تحسين جرأته وشجاعته من تاريخ القهر والعذاب الذي أذاقه صدام لشعبه بكل فئاته وأحزابه الوطنية قرابة أربعة عقود من حكمه الأسود، لم يكن أبو تحسين في تلك اللحظة يحلم بأكثر من التعبير عن آلام الملايين من شعبه بحلول اللحظة الوشيكة في سقوط الطاغية والتي حلم بها الآلاف من الشهداء والمشردين في أصقاع الدنيا ، ولكن رسم له القدر مصادفة عجائبية بأن تلتقط فرحته وتنتقل نبرات صوته الملتاعة بالفرح والغضب عبر كاميرا مراسلي أحد الصحف الأجنبية الذي كانت كاميراته تلاحق وتتعقب مناظر النهب الجارية في بناية اللجنة الاولمبية، تلك الولائم التي شوهت صورة العراقي الشهم والغيور أمام العالم.
المنفيون يعودون
ما هي إلا ساعات قليلة حتى بُثت هذه اللحظة الوطنية النادرة عبر الوكالة الأجنبية لتعلن تحطيم جدار الخوف الحديدي الذي ابتناه صدام عبر أجهزته القمعية، وكانت صورة أبو تحسين للعراقيين في الخارج والذين تسنى لهم مشاهدتها وهم منشدون إلى شاشات الفضائيات لمتابعة ما يجري في شوارع وميادين مدنهم العراقية، إيذاناً بإعلان البيان الأول لسقوط الطاغية قبل ساعات من ظهور مشهد الرافعة الأميركية التي عرضتها وسائل الإعلام العربية والأميركية في لحظة سقوط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس. من شاهد أبو تحسين من عراقيي المنفى أعلن ابتهاجه كل بطريقته الخاصة وشعر الجميع أن لحظة الغربة القاسية قد انتهت وأن لحظة العودة قد أعلنها أبو تحسين. السيد صاحب الحصونة عضو في الحزب الشيوعي العراقي عندما شاهد (أبو تحسين) وهو ينهال بنعاله على صورة الطاغية تعانق مع رفاقه المتواجدين معه في مكتب الحزب الشيوعي العراقي في دمشق وقرر حسب التعليمات الحزبية الصادرة إليه حزم حقائبه والعودة إلى العراق فورا، ويؤكد السيد حصونة أنه تيقن كما تيقن رفاقه الذين شاهدوا تلك اللقطة بأن النظام قد سقط تماماً ولم يبق مبرراً للبقاء في المنافي.
أبو تحسين يستذكر المشهد
أبو تحسين نفسه يستذكر تلك اللحظة التي لا يمكن أن ينساها (كنت في بيتي قبل أن اتوجه إلى اللجنة الاولمبية القريبة من سكني ، حيث كنت أسكن في مشاتل شارع فلسطين ، أستمع إلى الأنباء المتضاربة حول سقوط الطاغية من عدمه من خلال جهاز الراديو، حيث لم تكن الكهرباء موجودة يومها، فتوجهت في ساعات مبكرة من صباح التاسع من نيسان مع اثنين من أصدقائي إلى مقر اللجنة الاولمبية، وجدت مشاهد مؤلمة من السلب والنهب يقوم بها بعض الأفراد. ولكني وسط هذه الوليمة من النهب توجهت إلى صورة صدام الموضوعة أمام اللجنة الاولمبية واستعنت بأحد الصبية الموجودين في المكان نفسه وتسلق على أكتافي وخلعها من مكانها وعندما أصبحت في مواجهة الصورة تقمصتني مشاعر غريبة ومختلطة من الغضب والفرح والحب والمخاطرة بحياتي، حيث لم يختف جلاوزة النظام بعد عن مسرح الأحداث، لا سيما أن الحادثة وقعت مقابل نصب الشهيد وعلى مقربة من وزارة الزراعة والري حيث تتواجد مفارز كثيفة من رجالات النظام هناك. ووجدت نفسي أنهال بالضرب عليه وتعجبت لعدم تمزق الصورة رغم قوة الضربات وتيقنت أنها مصنوعة من نوعية خاصة من القماش ومتينة ، حيث كان ينفق آلاف الدولارات من أجل صور الطاغية التي تأتي من مطابع عالمية، أتذكر أن أحد المارة من المواطنين حاول ثنيي عن ضرب الصورة وقال أترك الصورة بحالها ما شأنك وصدام؟ فأجبته هذا عذبنا و قتل أولادنا وشردهم وهو الذي جعل بعضكم يبحثون في مزابل القمامة الآن وأوصلكم إلى هذا المستوى من انعدام الشعور بالحرص على الممتلكات العامة للعراق وليست لحكومة صدام!!، بعد لحظات وجدت نفسي بمواجهة أحد مصوري الوكالات الأجنبية الذي جاء بقصد تصوير مشاهد السلب والنهب الجارية على قدم وساق في اللجنة الاولمبية.
ولكن يبدو أن موقفي الشاذ عن حفلة اللصوصية استوقفه وأخذ يصورني وأنا أنهال بالضربات على صورة صدام بنعالي الذي لم أمتلك سواه في تلك اللحظة……. ويسترسل أبو تحسين في سرد ذكرياته عن هذه الواقعة (عندما عدت إلى البيت فوجئت بردود الأفعال في داخل العراق وخارجه على أثر ظهور الصورة في الفضائيات حيث أخبرني أحد الجيران بهذه الضجة التي أحدثها ظهور صورتي على شاشات الفضائيات ولم أعلم أن اللقطة ستصبح بمثابة البيان الأول لسقوط صدام ليس بالنسبة للعراقيين المتواجدين في الخارج فقط، بل حتى أصدقائي الذين كانوا يشاهدون التلفزيون في المحافظات القريبة التي لجؤوا إليها هرباً من احتمال ضربة كيمياوية كما أخبروني بذلك لاحقاً.
تهديدات وملاحقات
تعرض أبو تحسين بعد الحادثة إلى الكثير من التلميحات بالتهديد ووصلت إليه عبر رسائل مباشرة أو عن طريق الأصدقاء، ووصلت هذه التهديدات ذروتها عندما أقدم إثنان مجهولان على درجة بخارية بإحراق منزله، حيث تقول زوجته أم تحسين مستذكرة تلك اللحظة (كنت وحدي في المنزل عندما وجدت ألسنة النيران تتصاعد قرب النافذة الرئيسة للبيت، ولما خرجت كان الفاعلان قد وليا هاربين على دراجتهما، فاستعنت بجيراني على إطفاء الحريق وفعلاً قام شباب من المنطقة بإطفاء النيران قبل أن تصل إلى البيت وتحرق محتوياته).
الرحيل إلى كردستان
بعد تلك الحادثة لم يعد بقاء أبو تحسين ممكناً في بغداد، ففكر بالانتقال إلى منطقة كردستان الآمنة وطلب مقابلة السيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم الذي كان يزور بغداد وفعلاً قابله في فندق برج الحياة وطلب منه البارزاني التوجه إلى عاصمة الاقليم واختيار ما يشاء من المناطق والسكن فيها وفعلاً توجه أبو تحسين في أول الأمر إلى أربيل ولكنه ما لبث أن عاد إلى بغداد حيث لم تحتمل عائلته الغربة والشعور بالحنين للأهل والأقارب في بغداد، ولكن لم تتوقف التهديدات لـ(أبو تحسين) وعائلته وهنا قرر قراره الحاسم والقاطع بمغادرة بغداد وعدم العودة إليها حفاظاً على نفسه وأبنائه وطلب مقابلة رئيس الجمهورية مام جلال الذي أكرمه بدار مؤثثة بالكامل وسط السليمانية، وهو يشعر بالامتنان والاعتزاز لهذا السخاء من قبل رئيس الجمهورية.
رد الدين والوفاء
ولرد الدين والوفاء لهذا الموقف من قبل رئيس الجمهورية والاقليم قرر أبو تحسين إهداء “فردة نعاله” إلى بانوراما حلبجة في حفل خاص أقيم هناك، ووضعت إدارة البانوراما هذه الفردة في خزانة خاصة مع رسالة بإمضائه كتب فيها ((أقدم هذه الفردة هدية إلى ضحايا الشعب العراقي وإلى ضحايا حلبجة بالذات لا سيما وأننا نفتقر في الوسط والجنوب إلى متحف يوثق لجرائم النظام المباد ويخلد ضحاياه من العراقيين كافة)).
السواح ونعال أبو تحسين
يزور البانوراما في قضاء حلبجة يومياً عشرات من الزوار والسياح الأجانب.. تقول الدليل السياحي السيدة (كوشة ر مولود) أن عشرات من الزائرين إلى بانوراما حلبجة يلفت انتباههم وجود فردة نعال أبو تحسين في داخل الخزانة الزجاجية مع كاميرات الأجانب الذين صوروا ماساة حلبجة، وأقوم بشرح رمزية وجوده هنا، وأتحدث عن اللحظة الاحتفالية التي قدم بها أبو تحسين نعاله إلى إدارة المتحف، في الوقت الذي سمعنا أن جهات كويتية عرضت مبلغاً مغرياً إليه ولكنه رفض ذلك مفضلاً إهداءه إلى متحفنا وفاء وتعبيرًا عن الامتنان لموقف القيادة الكردية وكرمها له ولعائلته.
بين سامر المشعل وحسن العاني
نشر الزميل سامر المشعل في عموده الأسبوعي معلومة تؤكد عرض الحكومة الكويتية لـ(أبو تحسين) مبلغًا يتجاوز الـ 250 ألف دولار لقاء فردة نعاله التي ضرب بها صورة الطاغية، إلا أن ذلك يبدو غير مقنع لدى بعض القراء والإعلاميين ومن بينهم الزميل الكاتب حسن العاني والذي رد في عموده في نفس الجريدة على قصة الزميل سامر المشعل بلهجته التي تستبطن التهكم والمزاح رافضاً تصديق القصة، ودخل صحفي آخر على الخط هو الزميل مصطفى صالح كريم.
رواية أبو تحسين
ولحسم حقيقة هذه القصة سألته فأكد أبو تحسين حقيقة العرض الكويتي المالي له، ولكنه أضاف بأن العرض لم يأت من الحكومة الكويتية، وإنما من جهة أشخاص لم ألتق بهم، ولكن الوسيط الذي قدم العرض لي أكد وجود هؤلاء الأشخاص في البصرة كما أبدوا استعدادهم لتوجيه دعوة لي لزيارة الكويت ومقابلة أمراء العائلة المالكة ، لكني رفضت هذا العرض وفضلت تقديم فردة نعالي إلى بانوراما حلبجة، وطلبت من الوسيط أن ينقل ردي إليهم بأن المواقف الوطنية لا تباع ولا تشترى.
تعليقات على النت
ليست هذه الواقعة فريدة من نوعها حول الحادثة التي مضى على وقوعها تسع سنوات، حيث يتعرض أيضا موقع أبو تحسين الألكتروني إلى عشرات التعليقات من القراء بين مادح ومثمن لموقفه وبين مشكك بنواياه وشاتماً له، وهذا السجال لا يشكل لـ(أبو تحسين) أية مشكلة لأنه باعتقاده أن الحملة المضادة له يتعرض لها من جهات صدامية ما زالت موجودة بيننا ويكفيه مشاعر الامتنان والعرفان التي يتلقاها يومياً من أبناء الشعب والمواطنين البسطاء.
لست نادمًا
في المحافل الاجتماعية والثقافية يتلقى أبو تحسين بعضاً من الأسئلة من قبيل هل هو نادم على فعلته؟ حدث ذلك مع صحفي عراقي مشهور في أحد المجالس الثقافية، ولكنه أجاب ذلك الصحفي بأن المشهد لو تكرر ألف مرة لأعيد نفس فعلتي، وأنا غير نادم عليها، بل هي التي جلبت لي محبة وتقدير العراقيين المظلومين والمهمشين، ويستشهد أبو تحسين بامرأة كردية قبلت يديه ذات مرة في سوق شعبي مكتظ وأخبرته بأنها نزعت سوادها يوم مشاهدتها للقطته بعد سنوات طويلة من الحداد على عائلتها التي فقدتها في كارثة حلبجة.
التباس
ما يعانيه أبو تحسين ليس التشكيك بنواياه الوطنية فقط، بل ذلك الالتباس الحاصل في أسبقية إعلانه عن سقوط الصنم في ساحة الفردوس بساعات طويلة، وعن المسؤولية في ذلك يقول أبو تحسين: إن الإعلام الأميركي والعربي القومجي كبر عليهما أن يمنحا مواطناً عراقياً بسيطاً شرف إسقاط صنم مقيت بنعال مواطن بسيط ولو إعلاميًا، ومنحا ذلك الشرف للرافعة الأميركية بإعادة المشهد عدة مرات.
دليل دامغ
يؤكد المواطن هادي مولة (أبو عمار) من سكنة حي جميلة في الرصافة أنه شاهد لقطة أبو تحسين في الستلايت الذي كان يخفيه عن عيون النظام في الساعة العاشرة من صباح التاسع من نيسان، وبعدها جاء من يخبره في الساعة الثانية ظهراً بوجود صدام في ساحة 83 القريبة من منزله، وفعلاً ذهب إلى هناك وشاهد صدام عن قرب حيث لم يتواجد من الجمهور إلا القليل، بخلاف زيارته المعتادة، ويؤكد أنه شاهد مساء وبعد مضي أكثر من خمس ساعات على لقطة أبو تحسين سقوط الصنم بالرافعة الأميركية في ساحة الفردوس ويعد ذلك بأن “أبو تحسين” فعلاً هو من أطلق البيــان الأول لســــقوط الطـــاغية. في الأخير أبو تحسين يعد لقطته هي إحدى اللقطات الوطنية التي تمر نادراً في تاريخ الذاكرة الوطنية، وأنه يقدم ذلك هدية لشعبه الذي قدم الكثير من التضحيات قرباناً لحرية العراق الجديد.