شهر رمضان في النجف : عبادات وعادات
تحقيق : سعدون الجابري
ما أن يحل شهر رمضان في النجف حتى تغادر المدينة حركتها الدؤوبة ونشاطها العملي المختلف، فمعظم المحال مغلقة، وحركة الناس تكاد تكون معدومة، خصوصًا وشهر رمضان هذا العام صاحبته درجات الحرارة العالية، ولا تستفيق المدينة عادة إلا قُبيل صلاة الظهر بقليل، لتستعيد نشاطها بقوة حتى تفتح الأسواق أبوابها ليتهافت المتسوقون لاقتناء ما تزدان به موائد النجفيون الرمضانية الشهيرة، والتي لا تخلو عادةً من “الدولمة” و”القيمة” أو مرق “الفسنجون” الشهير، إضافة إلى الحلويات كحلاوة الحليب والقطايف بالدهن الحر ناهيك عن الزلابية والبقلاوة .
ويقول فلاح كلو الباحث في التراث النجفي: “إن النجف اعتادت ومنذ عشرات السنين أن يصيبها السبات في أيام رمضان نهارًا، والذي لا ينتهي إلا بعد صلاة الظهر، حيث تشهد أسواقها حركة تجارية قوية، تبدأ بالتلاشي تدريجيًّا مع بدأ العد التنازلي لقرب موعد الإفطار، والذي تبدأ أولى طقوسه بتجمع العائلة على مائدة الإفطار (السفرة)، ووجوب شرب القنداغ (وهو الماء الدافئ المخلوط بالسكر)، والذي طالما اعتادت الأسر النجفية أن يكون الأول على موائد الإفطار التي تختلف حسب قوله عن مثيلاتها بالأيام الاعتيادية، بوجود الأكلات النجفية الشهيرة مثل (مطبك الباكلة على ضلوع غنم) و (الشوربة بالتوابل الهندية) أو (أكلة الملوك) وهي (الفسنجون) يضاف إليها الرز.
موضحًا : إن الحياة تعود لشوارع المدينة بعد فترة الإفطار حيث تنقسم وجهات النجفيين كلٍّ حسب رغبته، فمنهم من يتوجه إلى الحرم العلوي المطهر لقراءة دعاء الافتتاح المأثور، وأداء أعمال الليالي الرمضانية، فيما يتوجه آخرون إلى المجالس النجفية وهي مجالسُ الأدب والفن والشعر والنكتة، ولا تخلو عادة من المدائح النبوية .
فيما يؤكد المؤرخ الدكتور حسن الحكيم أن المجالس الرمضانية في النجف عادةً ما تكون عبارة عن صالونات أدبية ودينية وثقافية تحتضنها بيوت المراجع في معظم الأحيان، خصوصًا في المناسبات الدينية، كليلة النصف من شهر رمضان، حيث ولادة الإمام الحسن (عليه السلام)، والتي نطلق عليها “ليلة الماجينة” وهي ليلة يقدم فيها المسلمون عامة والنجفيون خاصة التهنئة إلى حضرة الإمام علي (عليه السلام )، وتزدان المجالس بالتواشيح والمنولوجات الدينية، والتي من أشهرها: (ماجينة يا ماجينة لولا الحسن ماجينه).
وعن المجالس النسائية والأمسيات الرمضانية تقول الحاجة أم حاتم الجمالي: “قديمًا كانت تلك المجالس هي اجتماع لتلاوة القرآن وجمع الختمة في نهاية الشهر الفضيل، إضافة إلى حضور الملالي أي قارئات التواشيح و”القصخونيات”، وهن نسوه يسردن القصص التي تثير حالة الحماسة والشجاعة، إضافة إلى المأثور عن أهل بيت النبوة(عليهم أفضل الصلاة والسلام ) والتي عادة ما تزينها رائحة شاي الدارسين والزعفران بالإضافة إلى الزلابية والبقلاوة بالدهن الحر، ولا تنتهي تلك المجالس الفريدة إلا بطبل المسحراتي (أبو السحو) الذي يبدأ بالنداء للسحور بصوته، والطبل الكبير، حيث يتجول في جميع شوارع الحي ولا يقف صوته إلا مع فترة الإمساك” .
وعن السحور وطبيعته في النجف يقول الشيخ وصفي الكعبي: “إن فترة السحور في شهر رمضان هي ملتقى آخر للعائلة على المائدة، وهي إحدى الفوائد الأسرية التي يحملها شهر رمضان بين أهدافه الربانية”.
مشيرًا إلى أن أكثر ما يفضله النجفيون في موائد سحورهم هو القيمر وحلاوة الشعرية وخبز الشكر، إضافة إلى شاي السنكين، أو عصير التمر الهندي، ثم تبدأ بعدها أعمال السحور العبادية، كدعاء السحر وصلاة الفجر جماعة، لتعلن المدينة سباتها مرةً أخرى إلى منتصف نهار اليوم التالي، إلى أن ينتهي شهر رمضان أعاده الله على العراقيين بألف خير .
وكالة فنار الإخبارية