الأنهار الملوثة ملاذ العراقيين مع ندرة المسابح وموجة الحر
298
شارك
وسيم باسم
يعاني العراق كما دول الجوار الخليجي من موجة حر شديدة يزيدها معاناة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طوال، خاصة خلال النهار، مما يضطر الشباب للهرب نحو الأنهار لكسر حدة الحر التي تضرب الأجساد.
تؤدي موجة الحر في عموم مناطق العراق، مع ندرة المسابح، إلى اتجاه العديد من الفتيان والشباب إلى شواطئ الأنهار تخلصًا من التأثيرات الصحية الجسدية والنفسية، التي يسببها ارتفاع درجات الحرارة، التي تصل إلى حوالى خمسين درجة مئوية في الكثير من الأوقات.
وتحوّل نهر الحلة (وهو فرع من الفرات، 100 كيلومتر جنوب بغداد) إلى بركة سباحة يلوذ بها الشباب من حر الصيف. يقول الشاب أحمد المتوكل لافتًا إلى فوضى المكان: حتى الحيوانات تشاركنا السباحة في النهر، مشيرًا بإصبعه إلى عدد من الجواميس، التي فضل أهلها إبقاءها في وسط النهر لأطول فترة ممكنة.
يعترف أحمد بأن رؤية جثة حيوانات طافية لا تمنع البعض من الاستمرار في السباحة، موضحًا أن النهر يتحول كل صيف إلى (حمام سباحة) مفتوح للأطفال والكبار على حد سواء.
ورغم أن العراق يتمتع بجو حار متطرف في غالبية أيام السنة، لاسيما في الصيف، إلا أن السمة البارزة في مدن العراق هي غياب المسابح الكافية، بل وانعدامها في الكثير من المدن. ومما يزيد من نفاد صبر الناس أمام الحر، انقطاع التيار الكهربائي المستمر.
غياب الاستثمار
مكي حسين عضو مجلس بلدي يرى أن غياب الاستثمار في هذا القطاع يحتاج تفسيرًا، رغم أن مشاريع مثل هذه ستكون مربحة بكل تأكيد. ورغم أن بابل تضم مسبحًا، إلا أنه وفق المعايير الحديثة لا يفي بالغرض. وبحسب النقيب علي حسين فقد حدثت في الصيف الماضي 38 حالة غرق.
وانتهت حياة شابين غرقًا في نهر الهاشمية (29 كم جنوب مدينة الحلة) في شهر تموز/ يوليو من العام الماضي.
ويقول الخبير الرياضي جعفر حسن إن معدل ما تحتاجه كل مدينة عراقية كبيرة يقدر بنحو اثنين إلى ثلاثة مسابح على الأقل. لكن حتى السباحة في الأنهار أصبحت صعبة بالنسبة إلى الكثيرين، لاسيما أبناء المدن الصغيرة والقرى والأرياف، بسبب جفاف الكثير من الأنهار الصغيرة التي اعتاد الناس طيلة عقود السباحة فيها.
واعتاد حيدر حسن (معلم) منذ طفولته على السباحة في نهر (روبيانة) في جنوب بابل، إذ يتحول النهر إلى مقصد للكثيرين ممن يسعون إلى ( تبريد) أجسامهم. ويبين: “ترى العشرات من الناس وهم يقضون ساعات طويلة في مياة النهر، لكن هناك غيابًا لافتًا للنساء لأن التقاليد الاجتماعية لا تسمح بذلك”.
يفضل الناس، الذين تقع بيوتهم ومزارعهم عند الأنهار، السباحة في مياهها، لكن جفاف الكثير من الأنهار ترك هؤلاء في حيرة أمام موجات الحر القاسية. لكن المقاول في المشاريع الإنشائية كريم كتاب يعترف بأن معظم المستثمرين لا يفضلون الاستثمار في هذا القطاع بسبب قلة التخصيصات في هذا الاتجاه من قبل الجهات الحكومية المعنية.
في ما يتعلق بالقطاع الخاص فإن ذلك يمثل مجازفة أيضًا، لأنه يتطلب إجراءات روتينية معقدة، رغم أنها مشاريع ناجحة على المدى البعيد إلا أن المقاول يفضل المشاريع التي يحقق فيها أرباحًا أكبر في فترة قصيرة. ورغم أن الجهات الصحية تحذر من خطورة السباحة في الأنهار والبرك، إلا أن ذلك لا يمنع الرغبة لدى الكثيرين في السباحة فيها.
المخاطر الصحية
يقول الطبيب سعد صاحب إن غالبية الناس تدرك المخاطر الصحية للسباحة، لكن ليس هناك من خيار آخر. وبحسب “صاحب” فإن أمراضًا جلدية، مثل البلهارسيا والصدفية والبهاق، تنتشر بين الكثيرين ممن يسبحون في الأنهار.
يؤيد “صاحب” تشريع قانون يمنع المواطنين من السباحة في مياه الأنهار من دون إذن مسبق، في ظل تزايد حالات الغرق، إضافة إلى الحالات المرضية الناتجة من السباحة في مياه الأنهار الملوثة.
لم يثمر الاستياء لدى كثيرين من عدم توافر المسابح عن نتيجة لدى السلطات المحلية التي تركز في مشاريعها على البنى التحتية من تبليط شوارع وبناء مدارس. في هذا الصدد يؤكد المستثمر ليث الجنابي أنه سعى إلى بناء مسبح جديد في مدينة الحلة، لكنه تراجع عن ذلك، لأنه لا يحقق أرباحًا بمستوى المقاولات التي يتعاقد حولها مع الدولة، إضافة إلى تكاليف بناء المسبح الباهظة.
ويتابع: يحتاج المسبح بعد إنشائه إدارة وموظفين، ومتابعة يومية، وهو ما لا يحبذه الكثير من المقاولين. ويرى الجنابي أن الحل الأمثل يكمن في إنشاء مسابح مفتوحة ومغلقة من قبل الدولة، عبر جعل هذه الخدمات الترفيهية في أوليات خططها السنوية.
وكان مصدر في شرطة محافظة بابل أفاد في الأسبوع الماضي بانتشال جثث ثلاثة أطفال قضوا غرقًا في ناحية الكفل (16 كم جنوب الحلة)، حيث تمكنت الشرطة النهرية من انتشال الجثث الثلاث.
ويعتقد الخبير الصحي رؤوف حسن أن الغرق لا يمثل تهديدًا مباشرًا بقدر التهديد الذي يمثله التلوث، لاسيما وأن التوجه إلى الأنهار لا يقتصر على السباحة فحسب، ففي القرى والأرياف تقصد النساء الضفاف لملء الأواني والجرار بالماء الملوث، الذي يستخدم لأغراض الحاجة المنزلية، ومن بينها الشرب.