الآثار العراقية منهوبة .. من سوقٍ سريَّة إلى إسرائيل

267

13-11-2012-2

آثار عراقية مسترجعة

يتحدث عراقيون عن سوق سريّة محلية وأوروبية للقطع الأثرية موجودة في البلاد، ومرتبطة بشبكات تهريب عبر الحدود، توصلها إلى “إسرائيل”، إضافة إلى تجار اتخذوا من تهريب الآثار وسيلة لزيادة الثروة.

يعكف عراقيون على التنقيب عن الآثار بشكل عشوائي وبصورة غير شرعية، مستغلين ضعف الرقابة الأمنية وابتعاد الأماكن الأثرية والتاريخية عن التجمعات السكانية، مستفيدين من ظلام الليل والظروف البيئية الاستثنائية ليقوموا بعملياتهم بصورة مخفية..

على بعد 25 كم من مدينة كيش الأثرية التي يرجع تاريخها إلى نحو خمسة آلاف سنة، يشير أبو حاجم، وهو من سكان المنطقة، إلى الكثير من الحفر والأخاديد التي يحفرها منقبو الآثار بصورة غير شرعية. ويصف أبو حاجم هؤلاء بالسراق، الذين ينتهزون الفرص المناسبة لحفر الارض بحثًا عن القطع الأثرية..

التنقيب مستمر

يعترف أبو حاجم بأن بعضًا من سكان القرى المجاورة متورطون في عمليات التنقيب غير الشرعية، مؤكدًا أن بعضًا منهم يملك عملات تاريخية وقطع أثرية وذهبية، حصلوا عليها عبر فعاليات التنقيب غير الشرعية..

تتخذ هذه العائلات، بحسب أبو حاجم، من نبش الآثار مصدرًا للعيش، تبيع الآثار لجهات معينة تتعامل معها بطريقة سرية. يؤكد الصائغ جعفر حسن استمرار عمليات التنقيب الفردية، ودليله على ذلك أن الكثير من سكان تلك المناطق ومن البدو يعرضون عليه، بين الفينة والأخرى، قطعًا ذهبية وآثارًا لكنه يرفض التعامل معهم..

وبحسب حسن، فإن بعض الصاغة ومهربي الآثار يعقدون صفقات مع هؤلاء لاقتناء القطع الثمينة والمتاجرة بها. يقول: “في الغالب، يتفق هؤلاء مع البدو كأدلّاء لهم لأن الآثار موجودة في الصحراء.”.

ويؤكد الباحث الآثاري رباح السعدي هذه الحقيقة، مشيرًا إلى أنه يعرف بعض الأشخاص ممن يقتنون قطعًا أثرية، حصلوا عليها بصورة غير شرعية. يتابع: “في الغالب، يحتفظ هؤلاء بتلك القطع لفترة طويلة حتى تحين ساعة بيعها بطريقة حذرة خوفًا من انكشاف الأمر”.

بالمعاول.. وبالجرافات!

يتحدث عراقيون عن سوق سرية للّقى الأثرية موجودة في العراق، ومرتبطة بشبكات تهريب عبر الحدود، وبتجار اتخذوا من تهريب الآثار وسيلة لزيادة الثروة. وتشير تقارير رسمية عراقية إلى فقدان قرابة 150 ألف قطعة أثرية ثمينة منذ العام 2003، في حين بلغ عدد قطع الآثار التي استردها العراق بين أربعة آلاف وسبعة آلاف قطعة.

البدوي أبو سعيد من جنوب الديوانية، حيث آثار نيبور، يشير إلى مئات الحفر والخنادق مؤكدًا أن كل المواقع الأثرية التي تُرى قطعها الأثرية بالعين المجردة قد نهبت عبر سنوات طوال، وحتى تلك التي تقع على أعماق بعيدة نهبت أيضًا عبر الحفر بالمعاول والوسائل الأخرى.

ويشير الباحث سعيد كامل إلى  أن الفترة بعد العام 2003 شهدت استخدام الجرافات للحفر في المواقع الأثرية واستخراج الآثار وبيعها في السوق السوداء إلى تجار ومهربين، جازمًا بأن أغلب العمليات تتم على أيدي أبناء المناطق أنفسهم أو شبكات لها علاقة بهم، نافيًا صحة ما يقال عن أيدي أجنبية وراء ما يحدث.

ويستخدم الباحثون عن الآثار طرقًا تقليدية لاكتشافها، عبر السير على الأقدام بعد ركن سيارات البيك – أب في مكان بعيد، والاستعانة بالأدلاء أو سكان المناطق، حيث تقع العمليات ليلًا.

ويتباعد الباحثون عن الآثار بعضهم عن بعض بمسافات معينة، ثم تبدأ مجموعة بحراسة المكان بينما يحفر الآخرون. وفي مدينة بابل الأثرية وفي آثار سومر وكيش ومناطق أخرى يلاحظ المرء الكثير من التلال التي نُبشت جوانبها.

تهريب وجهل

شهدت المتاجرة بالآثار المهربة رواجًا واسعًا بعد العام 2003، وتوسعت بشكل كبير لتصبح ذات ارتباطات بشبكات تهريب واسعة في الدول المجاورة.  يقول كريم حسن، المهتم بالآثار، إن الكثير من القطع “لا يقع ضحية التهريب فحسب بل ضحية الجهل، إذ تقع في الكثير من الحالات في  يد اناس يجهلون قيمتها التاريخية، وفإنها تتعرض للتلف اثناء عمليات الخزن غير الصحيح او اثناء عمليات النقل.

يؤكد ضابط الشرطة أحمد كاظم ذلك وهو يروي حكاية عثور الشرطة على لوحات حجرية نقشت عليها كتابات سومرية على الطريق العام في الديوانية. يقول: “تبين في ما بعد
أنها سقطت من مهربي آثار بعدما لاحقتهم الشرطة”.

يضيف كاظم: “حدثت في الكثير من الحالات نزاعات ومعارك بين المنقبين انفسهم وبينهم وبين المهربين، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى في الأعوام التي تلت العام 2003”. ويقول إن التحقيقات الأمنية تشير إلى أن فكرة الثراء السريع هي في الغالب السبب الرئيسي للتنقيب عن الآثار والمتاجرة بها. ويوضح: “في الغالب، يجري التنقيب غير الشرعي في المناطق غير المنقب عنها أثريًا، وهي ضمن مشاريع تنقيب مستقبلية، أما النبش والبحث في الأماكن الأثرية الرئيسية فيكون بدرجة أقل”.

الآثار المنهوبة

يرجع مدرس التاريخ محمد مصطفى بعضًا من أسباب ذلك إلى الدولة. فطيلة عقود من الزمن، لم يجري التنقيب في مئات المواقع الأثرية، وتركت عرضة للتعرية والظروف الجوية السيئة وعمليات التهريب.

ويتابع: “يلقي المسؤولون باللائمة على الحروب التي انشغلت بها الدولة وفترات الحصار الاقتصادي، إذ ندرت التخصيصات المالية لعمليات التنقيب الشرعية”. ويرى أغلب العراقيين أن وقف عمليات التنقيب غير القانونية واجب وطني لا تقع مسؤوليته على الدول فحسب بل على المواطنين أيضًا.

وصرحت وزارة السياحة والآثار العراقية أخيرًا أنها حصلت على وثيقة من الشرطة الدولية (الإنتربول) تظهر وجود آثار عراقية مهربة في “إسرائيل”. وتشير الوثيقة إلى أن دول أوروبية، لعبت دور الوسيط في نقل الآثار العراقية إلى “إسرائيل”. وكشفت وزارة الداخلية العراقية هذا العام أيضًا أن الأردن يمثل مركزًا أساسيًا لتهريب الآثار إلى جميع الدول.

 المصدر: إيلاف – وسيم باسم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*