ليلة السابع من شهر المحرم الحرام في النجف الأشرف

288
1-12-2012-3
الحكمة خاص: محمد الشريفي – الحكمة

ليلة العباس

جدرانٌ وأجسادٌ غطاها السواد ووجوهٌ علاها الحزن، هذا هو المشهد في مدينة النجف الأشرف في شهر المحرم الحرام! كيف لا والمدينة بل والعالم الإسلامي برمته يعيش ليالي الحزن، الليالي العشرة الأولى من شهر المحرم الحرام، هذا الشهر الذي اٌستُشهِدَ فيهِ سبط النبي الأكرم وسيد شباب أهل الجنة وسفينة النجاة الإمام الحسين (سلام الله وصلواته عليه) على يد الطاغية يزيد عليه لعائن الله ومن تبعه إلى قيام يوم الدين ، ولأننا عودنا زوار موقع مؤسسة الحكمة على نقل ما يجري من أحداث في مدينة النجف الأشرف نأمل أن نوفق في ذلك، سائلين الله سبحانه أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال،  مع مراعاة أننا اخترنا الليالي الأربعة الأخيرة من عشرة عاشوراء لما لها من طابعٍ خاص لدى كل شيعي في العالم الإسلامي بالإضافة لأهميتها الاستثنائية  في مدينة النجف الأشرف كما سيتبين لاحقًا ….

مجالس حسينية

الليلة هي ليلة السابع من المحرم، وهي المعروفة عند عامة الناس (ليلة العباس) عليه السلام. المجالس الحسينية في هذه الليلة لها خصوصية كبيرة جدًا، كيف لا؟ ولا حديث لخطباء المنبر هذه الليلة إلا عن العباس (عليه السلام)، وبطولاته في واقعة كربلاء وإيثاره بالنفس دون أخيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وامتناعه عن شرب الماء وهو على نهر العلقمي لعلمه بعطش أخيه الحسين (عليهما السلام) ، المجالس الحسينية الليلة تتحدث عن العباس (سلام الله عليه)، وقد وقع اختيارنا على منزل سماحة السيد عبد الحسين القاضي أمين عام المؤسسة الذي يقيم مجلس عزاء طيلة الليالي العشرة الأولى من المحرم ويعتلي المنبر فيه الخطيب الحسيني الشيخ جعفر الدجيلي ، المجلس كان مكتظًا بالمؤمنين الذين حضروا بأعداد غفيرة مواسين الإمام  الحسين باستشهاد أخيه العباس (عليهما السلام) ، حتى إن البعض اضطر للجلوس على السلم المؤدي إلى داخل الدار حيث مكان المجلس والقسم الآخر بقي واقفًا، وقسمٌ ثالث لم يسعه المكان بقي جالسًا خارج الدار في (صيوان) خاص أُعد لهذا الغرض، قبل وصول الشيخ جعفر إلى المجلس أُذنَ لرجل كبير في السن في قراءة قصيدة عن العباس، والذي قرأ قصيدته بصوته المتعب وكلماته المؤثرة وعبرته المخنوقة فأبكى الناس .

1-12-2012-1(1)

في هذه الأثناء كان هناك بعض الشباب المؤمن يقومون بتوزيع الشاي والطعام على الحاضرين وهي من التقاليد المعتادة في المجالس الحسينية، ثم كان قرأ السيد أحمد القاضي بعض (النواعي والمرثيات) بحق العباس(عليه السلام)،  وأعقبه الشيخ جعفر بمحاضرة امتدت قرابة أربعين دقيقة تقريبًا، وكانت محاضرة رائعة بحق العباس (عليه السلام) ضجَّ على إثرها المجلس بالبكاء والنواح مواساةً للزهراء ولأم البنين (عليهما السلام) ثم كان ختام المجلس.

في مسجد الهندي

في هذا الجامع لم يختلف الأمر كثيرًا فالمكان مكتظ بالناس والمسجد ممتلئ عن آخره بل إن البعض بقي خارج المسجد لعدم وجود مكان خالٍ هناك ليجلسوا على الأرصفة في الشارع العام (شارع الرسول) وهناك أيضًا أبدع الشيخ في قراءته وأجبر الحاضرين على التفاعل معه خصوصًا في اللحظات التي يخلع فيها عمامته بشكلٍ يقشعر له البدن فالسلام على الحسين وعلى العباس ولعنة الله على الظالمين .

من أفغانستان إلى العراق

لا لوم على عابس (رضوان الله عليه) حين قال جملته المأثورة حب الحسين أجنني، فمن يذوب في الحسين عشقًا لا يتوانى عن فعل أي شيء، ولعل هذا الأمر، بل هذا السر الإلهي هو الذي يغضب ويثير حنق بني أمية من ذلك الوقت إلى يومنا هذا.

1-12-2012-9

  بعد انقضاء المجلس آثرنا وفريق العمل البحث عن الاستثناءات في شوارع المدينة وبين المواكب، والصدفة وحدها قادتنا للقاء رجل جاء من أفغانستان خصيصًا لزيارة الحسين (عليه السلام)، وقضاء العشرة الأولى من المحرم متنقلًا بين النجف وكربلاء، سألته عن اسمه ومنذ متى وهو في العراق،  فأجاب:

– علي جمعة ، وصلت يوم الثالث من شهر المحرم الحرام، وسأبقى إلى ما بعد العاشر من الشهر لأعود أدراجي إلى إيران، ومنها إلى أفغانستان .

* ما لذي جعلك تتجشم عناء السفر؟

– حب الحسين هو الذي أتى بي، وهو الحلم الذي طالما حلمت به؛ أن أقضي الليالي العشرة الأولى من المحرم في النجف الأشرف وليلة العاشر تحديدًا في كربلاء، تحت قبة الإمام الحسين (عليه سلام الله). وتسألني لماذا كل هذا ؟ كي أبحث عن الجنة، والحسين هو الجنة.

* أراك تشرب الشاي في الموكب؟ ألا تخشى الأمراض؟ البعض يقول إن جو العراق مملوء بالأمراض؟

– من يقول هذا مجنون، ففي هذه المواكب شفاء للعليل، ولي الشرف لوجودي في هذه البقعة الطاهرة.

1-12-2012-8

(المشق) والرايات

ودعنا (علي جمعة) وواصلنا طريقنا وسط جموع المؤمنين، وهذه المرة اخترنا أصحاب (المشق)، وهي التسمية التي تطلق على مجموعة كبيرة من الأشخاص ينتظمون في صف واحد وحركة واحدة والمشق قد يكون مشق تطبير أو مشق زنجيل ولكل منهما أسلوب خاص وطريقة منفردة لكن المشترك بينهما هو وجود حملة الرايات حيث يقوم حامل الراية بتحريكها بطريقة معينة من أجل بث الحماسة في نفوس رفاقه، وأحيانًا يقوم حامل الراية بالهرولة وسط (المشق)، والرايات ألوان متعددة منها الأحمر، وهو الذي يرمز للدم ويعني الاستعداد للحرب، ومنها الأسود ومنها الأخضر الذي يشير إلى لون بني هاشم، كما أخبرنا بذلك أحد الأشخاص الذين سألناهم عن ذلك ، قلنا إن المشق أنواع، فمشق التطبير يحمل المنتظمون فيه في أيديهم سيوفًا يحركونها بتناسق مع صوت ضارب (الدمام)، ونافخ البوق بالإضافة إلى بعض الآلات الأخرى التي تستخدم لنفس الغرض، وفي نهاية كل حركة يصيح الجميع بصوتٍ واحد (حيدَاااااااااااااااااار )، أما مشق الزنجيل فيحمل المنتظمون فيه بأيديهم زناجيل خاصة  يضربون بها على ظهورهم بحركة واحدة، وعلى صوت الرادود الذي يسير مع المشق، أو على صوت ردات حسينية معينة، فلا تتماشى كل ردة مع مشق الزنجيل، بل إن هناك ردات خاصة وذات طابع معين هي التي تستخدم في مشق الزنجيل، وهذه المشقات تضم في صفوفها رجالًا كبار السن وشبابًا وأطفالًا يتدرجون في وقوفهم من الأكبر إلى الأصغر.

1-12-2012-1(1)

1-12-2012-2

1-12-2012-4

1-12-2012-5

1-12-2012-10

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*