فاجعة بقيع الغرقد.. جرح إنساني وإيلام ضمير متجدد

352

جنة الغردق في المدينة المنورة
جنة الغرقد في المدينة المنورة

يسألون عنهم، إنهم أحفاد أبرهة، بعثتهم أحقادهم، من جوف القرون، ليطلبوا الثأر من أبابيل، في عتمة الليل، جاء المتأسلمون، لينصبوا أوثان الأنانية في العقول الجاهلية، انحدروا من بين الرمال الصدئة وغلظة البداوة، على رؤوسهم اثر السجيل، ليعلنوا الشر، جاءوا يقرعون طبول الحرب، على الحضارة والإنسان، تسلل الأجلاف من بين الظلام، وعيونهم تقدح شرا، يقطعون مسافات البغض لاهثين، تكاد ألسنتهم تلامس إقدامهم، يسيل من أفواههم ولوغ السموم، جاء سلالة الطلقاء، يترنحون في الصحراء، بيمينهم حراب الذبح وبشمالهم معاول التهديم، ليحزوا نحور الضمير، ويهدوا قلاع الإنسانية، تأبى نفوسهم كل شاهق، يهرعون من كل طهر ونقاء، وصلوا إلى مشارف البقيع، يمتطون أحقاد بدر، شاهرين خناجر الغدر، بوجوه عبوسة، فيها ملامح أراذل الأولين، سلوا سيوف الفراعنة، نحروا الضمائر، وحزوا رؤوس المنائر، وقطعوا أشلاء القباب، وكأن يوم الطف حاضر، واقفا على أطلال البقيع، يلثم جراحه، فراح الثرى يعانق الثرى، وارتفع صوت الشكوى لله، على ما حل وما جرى.

ويسألونك عنها، إنها بقيع الغرقد، جنة الفردوس في الأرض، وبيت الله والذكر، بابه المعصومين والحجر الأسعد، تناثر على أطرافها المجد، يفوح ثراها بعطر الرياحين والسؤدد، رسالة السماء مدى الدهور، على صفحاتها البهية كتب العهد المخلد، إنها واحة من الإيمان يتألق من عيونها الحق لا يحده مكان، تحف بها الأزمان، وأنفاس النبي الأمجد، إنها عرش الخالدين، في بلاط قدسي، قياسه العلياء، إنها براق الدعاء، على متونه أكف المظلومين تصعد، في قلبها ينبض القران، ويتجلى الإحسان، وجذور طوبى تتمدد، تقتبس من رحيق الشرف، إنها عروس الجنات، وقبلة الحياة على وجنات الزمن، إنها ارض المودة، والرسالة الممتدة من سيقان العرش إلى قلوب الأتقياء، إنها أحضان الوفاء لغرباء الأوطان تقطعت بهم السبلات، والتائهين في الفلوات، إنها الأرض النازفة بالدموع، بصعيدها تيمم الخشوع، ومن أفواهها تنطلق الحسرات، مكبلة بقيود التخلف، محاطة بأسوار الفجار، تحن لحجر السماء، امتلأت وديانها بدموع الولاء، لم تجففها حرارة الاشتياق ولا شمس السماء، إنها ارض بقيع الغرقد، تعيش ساعاتها تترقب العدل، عينها شابحة نحو الانتظار، ليطلع على فؤادها النهار، وليكحل عيون لياليها الدهماء ، ويمزق رايات السوء، ويقطع دابر الأدعياء، يوم يعلو فيه النداء، يا لثارات الأولياء.

المصدر: موسوعة الفراتين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*