ليالي محرم في النجف الأشرف ( ليلة الثامن)

483
3-12-2012-2
النجف الأشرف ، الحكمة خاص : محمد الشريفي

اليوم نخوض مع زوار موقع مؤسسة الحكمة في الليلة الثامنة من ليالي شهر المحرم الحرام في النجف الأشرف، ولهذه الليلة خصوصيتها الكبيرة جدًا والتي تنفرد بها النجف بحدود علمنا عن أي مكان آخر في العالم ! تلك الخصوصية تتمثل بما يعرفه النجفيون بالـ (مشاعل) وهي جمع (مشعل) والمشعل عبارة عن لوح حديدي في أسفله من الوسط مقبض حديدي يبلغ طوله حوالي40 سم، ينتهي بقطعة حديدية مدورة سميكة تستخدم عند تثبيت المشعل على الأرض، في القسم العلوي من اللوح هناك أحواض حديدية يبلغ قطرها حوالي 8 سم وعمقها حوالي 20سم تستخدم لإشعال النار فيها بصب الزيت القديم في داخلها، ويتفاوت عدد الأحواض من مشعل لآخر بحسب كبر المشعل وطوله بالإضافة إلى تفاوت قدرة حاملي المشاعل من شخص لآخر، فتلك الأمور لابد أن تؤخذ بالحسبان .

ما الذي يرمز إليه المشعل ؟

سؤالٌ توجهتُ به للسيد محسن عبد الأمير الدباغ مسؤول موكب آل الدباغ: ما الذي يمثله المشعل.. وما هي الرسالة التي تودون إيصالها من خلاله فأجابني قائلًا :  في الحرب التي شنها الطاغية الملعون يزيد على الإمام الحسين (عليه السلام) خرجت جيوشه حاملةً مشاعل النار بيدها في إشارة إلى نيتهم حرق الخيام على نساء الحسين (عليه سلام الله)، وهو ما قام به بالفعل بنو أمية عقب قتلهم للحسين، ونحن اليوم نحمل المشاعل هذه ونتوجه بها إلى حرم الإمام علي(عليه السلام) عند الصحن الخارجي لنوصل رسالتنا إلى أتباع يزيد (لعنهم الله) بأننا مستعدون للحرب والقتال دون سبط النبي مهما تكالب الأعداء علينا، لذا فهي رسالة حرب ضد من يحارب أهل البيت(عليهم السلام)، أو يحاول الإساءة إليهم، وهي في ذات الوقت رسالة إلى إمامنا الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) من أننا مستعدون للخوض معك في مواجهة الكفرة ومن أجل إصلاح أحوال المسلمين ، وهذا ما توارثناه في عقائدنا، أقصد في ما يتعلق بالمشاعل فقد توارثناها أبًا عن جد، وخذ مثلًا آل الدباغ، فهم يحملون المشعل منذ أكثر من خمسين عامًا خلت، وحتى مع محاولات اللعين  صدام، طمس هذا الموروث إلا أنه بقي شاخصًا إلى يومنا هذا كما ترى، وليت من يعادي آل البيت يتعظ من هذا الموقف ويفهم أن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) قضية إلهية تستمد خلودها من الإرادة الإلهية التي لا راد لها .

3-12-2012-6

التعلم في الصغر كالنقش في الحجر

طفلٌ صغير في العاشرة من عمره (اسمه مرتضى علي حسين) راح يحمل في يده الصغيرة مشعلًا صغيرًا مقلدًا الكبار في حملهم إياه، بل ومقلدًا إياهم في الحركة جيئةً وذهابًا، واللافت في الأمر هو تجاوب الجميع معه بما فيهم كبار السن.. دنوت منه وسألته :

ما الذي تفعله ؟

كما ترى أحمل مشعلًا بيدي .

لماذا تحمل هذا المشعل ؟

كي أسير على ما سار عليه آبائي وأجدادي وأصبح مثلهم عندما أكبر .

ألا تخشى أن تحرقك النار في المشعل ؟

ليت ذلك يحصل كي أذهب فداءً لأبي عبد الله الحسين وأنال الشهادة وأُحشر معه يوم القيامة مع الشهداء الأخيار .

وماذا تعرف أنت عن الحسين وأنت بهذا العمر الصغير ؟

الإنسان لا يقاس بعمره ومعرفة الحسين لا تستلزم أن يكون الإنسان كبيرًا في العمر أو صغيرًا لأننا ولدنا ونحن نحب الحسين .

عجبًا ما فعلت بمحبيك يا أبا الأحرار ؟ فحتى الطفل الصغير يتمنى أن يحترق بالمشعل كي يُحشر معك، فهل يا ترى بعد هذا الكلام من هذا الطفل الصغير يحق لنا أن نستغرب من عداء بني أمية للحسين وشيعته ؟! بالتأكيد ليس لنا الحق في ذلك لأن أسبابهم معروفة ويكفيهم هذا الطفل الصغير بعمره والكبير بعقله وقلبه قولًا وفعلًا ….

3-12-2012-3

جولتنا معكم مستمرة أحبتي زوار موقع مؤسسة الحكمة، وعودتنا بكم هذه المرة إلى المواكب من جديد، فالليلة هي ليلة القاسم (سلام الله عليه) الذي يسميه الشيعة (العريس) وقصته معروفة للجميع، وكذلك شهادته مع الإمام الحسين (عليه السلام)، لذا فأصحاب “المشق” هذه الليلة حملوا في أثناء مسيرتهم الشموع، والبعض حمل الفوانيس في دلالة على مظلومية القاسم عليه السلام واستشهاده دون الحسين .

شبيه القاسم

عندنا نحن الشيعة من العادات والمواريث التي سار عليها من سبقنا، وواصلنا نحن من بعدهم المسير فيها (الشبيه)، وهو أن يقوم شخص ما بالتشبه بأحد الأئمة (عليهم السلام) ممن يحمل بعض الصفات القريبة من الإمام الذي يتشبه به، كالبنية الجسمانية ولون البشرة وما إلى ذلك، والليلة يسير مع الكثير من المواكب شبيه القاسم الذي عادةً ما يظهر ممتطيًا الجواد، حيث يتم تزيين الجواد أو الفرس بما يوحي وكأن راكبه متوجه إلى عروسه. في ذات الوقت هو يرتدي لامة الحرب حيث يوصل الرسالة التي سبق وأشرنا إليها، إنه بدلًا من الذهاب إلى عروسه توجه إلى نصرة الإمام الحسين (عليه السلام)، فالسلام على القاسم الشهيد، والسلام على الحسين وآل الحسين،  ولعنة الله على من قاتلهم إلى قيام يوم الدين.

3-12-2012-5

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*