السرقات الأدبية .. انحطاط ثقافي وبلطجة فكرية
هناك خيط رفيع بين الحقيقة والخيال والعبقرية والجنون وبين السرقة الأدبية وادعاء ملكية الأفكار والنصوص، وتكشف الوقائع اتهام العديد من الكتاب والأدباء العرب بسرقة أفكار ونصوص الآخرين، من أشهرهم المتنبي وطه حسين ومحمد مندور وإبراهيم ناجي
وإذا كانت شبكة الإنترنت ساهمت في نشر السرقة الأدبية واتساع مجالها لتشمل مختلف المجالات الأدبية والفكرية والعلمية، فإنها ساهمت أيضًا في كشف اللصوص بالبحث الواسع عن أصل النص على الشبكة، ويتوقع اختفاء السرقات الأدبية في المستقبل بعد ظهور برامج جديدة.
ويطالب أدباء ونقاد بضرورة مراعاة الأمانة العلمية بالإشارة إلى المصدر في الهامش بعد تنصيص النص ذاته، كما طالبوا بالتفريق بين السرقة والدسيسة، وعقد مؤتمر أدبي موسع يناقش أبعاد الظاهرة.
المتنبي أشهر اللصوص
الكاتب والمفكر الدكتور محمد الجوادي يؤكد أن السرقات الأدبية ظاهرة قديمة منذ الأزل، ووصل الأمر إلى قول البعض أن المعاني واحدة ملقاة على الطريق والمهم صياغتها، وأوضح في تصريح لـ”العربية.نت” أن الكثير من الكتاب والأدباء العرب اتهموا بالسرقة في الماضي، وأشهرهم المتنبي الذي اتهم بسرقة أفكار الآخرين ولكنه أعاد صياغتها بشاعريته الجميلة والكبيرة، كما كثرت السرقات في العصر الحديث في ظل كثرة الأسماء وعدم التمييز.
وحول مستقبل السرقات الأدبية قال الجوادي، أتصور أنه لا مستقبل للسرقات الأدبية لأن الكمبيوتر نفسه أنتج برامج تكتشف السرقات، ويتم تطبيق هذا الأسلوب الآن في البحث العلمي، بحيث أستطيع من خلال هذا البرنامج اكتشاف أصل مادة البحث في المجلة الطبية التي أرأس تحريرها، وبالتالي تقع على رئيس التحرير المشاركة في السرقة إن نشر البحث.
مليشيات الأفاقين
وعن السرقة الأدبية والعلمية في الشرق والغرب، تعجب الجوادي من قضاء السرقة على اسم صاحبها في الغرب فلا يصبح له مكان بين العلماء، أما في مصر فإن السرقة ترفع من شأن أصحابها تحت شعار كثرة الكلام عنهم واتساع حلقة معاركهم، ومن الطريف أن نجوم السرقات الأدبية يحظون في مصر بتكريم وتبجيل واحترام لم يحظ به المبدعون الحقيقيون، بل إنهم ينالون استحسان النقاد والصحفيين بفضل العطايا والمنح التي يقدمونها لهم، يضاف إلى ذلك أن عددًا كبيرًا من الذين يعرفون سرقات هؤلاء يفضلون الصمت على اللصوص، حتى لا تتقطع ثيابهم على يد المليشيات التي تدافع عنهم، ولم يعد في مصر الآن شخصية بوزن (عباس العقاد) يستطيع أن يرفع رأسه في وجه اللصوص والأفاقين والقوادين.
وحول أشهر السرقات الأدبية في القرن العشرين أوضح الجوادي: اتُهم الناقد محمد مندور بنشر نصوص آخرين مدعيًّا أنه قام بترجمتها، كما نسب طه حسين بعض كتابات المستشرق (مارجيلوث) إلى نفسه في كتابه الشهير “الشعر الجاهلي”، أيضًا عندما تم تحقيق ديوان الشاعر ابراهيم ناجي اكتشف أن بعض القصائد ليست له ولكنها من كتابات شاعر مغمور، ولو نظرنا إلى الداعية عمرو خالد نجد أنه يقلد الوعاظ الإنجيليين.
قضية خطيرة
وفي ذات الاتجاه يذكر الناقد الدكتور مدحت الجيار أن السرقات الأدبية من الآفات التي ابتلي بها الوسط الثقافي في مصر والدول العربية، وقال في تصريح :”لقد اهتم الناقد العربي القديم والحديث بقضية السرقات الأدبية، ووضع لها النقاد خصائص ومستويات، بمعنى أنهم اعترفوا أنه قد يقع الحافر على الحافر ولايسمى ذلك سرقة، وأكد أن السرقة الأدبية هي أن تنقل نصًّا كاملًا يؤثر في بنية النص ولا تشير إلى المصدر الذي نقلت منه، وحتى لا يقع المحظور لابد أن يكون هناك تضمين واقتباس
وإشارات إلى النص”.
وحول السرقة الأدبية في عصر الإنترنت، قال الجيار إن السرقة الأدبية أصبحت أكثر سهولة بعد اختراع الكمبيوتر، ولكن في ذات الوقت، كما سهلت “الإنترنت” السرقة سهلت أيضا اكتشاف السارق، حيث تسأل لمن هذا النص؟ فتجيبك أنه منقول، وعن كذا، أو تتولى البحث على الشبكة حت تصل إلى السارق الحقيقي، وبالتالي أصبحت الشبكة العنكبوتية سلاحًا ذا حدين، فهي تقدم المعلومات وتكشف مصدرها أيضًا.
السرقة والدسيسة
وعن الدسيسة الأدبية أوضح الجيار أن الدسيسة هي أن تتهم شخصًا بسرقة كتاب أو نص أو قصيدة وهو بريء من السرقة، كأن يسقط نص سهوًا في الطباعة، والحل الأمثل حتى لا تقع في المحظور أن تشير إلى مصدر المعلومة، وكثير من قضايا السرقات الأدبية في المحاكم انتهت بالبراءة لأن المحكمة اكتشفت أن المدعي والمدعى عليه كلاهما سارق من مصدر ثالث،
فأصبحت القضية بلا سند قانوني.
وحول مكافحة السرقة الأدبية، يطالب الجيار بضرورة مراعاة الأمانة العلمية بأن تضع في الهامش إشارة إلى المصدر الذي نقلت عنه مع تنصيص النص نفسه ووضع علامة عليه، واقترح إقامة مؤتمر عربي تحت عنوان “السرقات الأدبية والتضمين” لدراسة الظاهرة وكشف أبعادها وخطورتها.
سرقة الرسائل
ويتناول الدكتور عبد السلام الشاذلي أستاذ الأدب العربي جامعة القاهرة ظاهرة سرقة الرسائل العلمية في مصر والوطن العربي، وأكد في تصريح أن الظاهرة انتشرت كثيرًا قبل ثورات الربيع العربي مما أدى إلى انحطاط وتخلف الجامعات العربية عن سلسلة أفضل الجامعات في العالم، وأوضح أن السرقة الأدبية والعلمية بدأت بسرقة فصول أو أبحاث ثم انتهت إلى سرقة كتب بأكملها من الغلاف إلى الغلاف، وساهم في ذلك للأسف بعض أساتذة الجامعات المشرفين على الرسائل الجامعية، بتسترهم على بعض الدخلاء على الحقل العلمى نظير المال، وتدريجيًّا تحول الأمر إلى عصابات منظمة يمكن أن نسميها بلطجة فكرية وأدبية.
وأضاف: لقد بلغ الأمر مدى خطيرًا حتى إن الكاتب فهمي هويدي كتب مقالًا بعنوان “دكتوراه للبيع”. كما تناول الانحطاط والسرقات بالجامعات الكاتب لبيب السباعي بالأهرام في سلسلة مقالات، ووجدنا كاتبة تكتب قبل الثورة سلسلة مقالات مستقاة من الأفكار السلفية والأجهزة الأمنية، وأذكر أن الناقد الدكتور شوقي ضيف (رحمه الله) سرقت العديد من مؤلفاته ونسبها آخرون إلى أنفسهم في أبحاث جامعية علمية، وبالتالي لم يكن غريبًا أن تهوى الجامعات المصرية إلى الحضيض بسبب اعتماد الكثير من أساتذتها على النصب والاحتيال وسرقة أبحاث الآخرين، وبالنسبة لي فقد ألفت كتابًا عن “التغريب والتجريب في الأدب العربي المعاصر” ووجدت بعض الأدباء يسرقونه وينشرون أجزاء منه على حلقات في مجلة القاهرة، وشكوت فاعتذر رئيس التحرير الدكتور إبراهيم حماده في العدد التالي لاكتشاف السرقة وكتب مقالا بعنوان “لعن على السارقين”.
ويأمل الدكتور الشاذلي في اختفاء ظاهرة السرقات الأدبية في الحقل الثقافي والعلمي مع عصر الصحوة العربية والربيع العربي لنشهد ربيعًا أدبيًّا بعد الخريف الطويل الذي عاشته الجامعات ومعاهد البحث العلمي منذ الانفتاح الاقتصادي في منتصف سبعينات القرن الماضي.
المصدر: طلعت المغربي ، العربية نت