معوقو الحروب والعنف والأرامل يتسولون في مدن العراق
ما يميز ظاهرة التسول في العراق أن عددًا كبيرًا من المتسولين من معوقي ومتضرري الحروب أو من الارامل اللاتي فقدن ازواجهن في الحروب الخارجية والداخلية والتفجيرات.
بغداد: تستفحل ظاهرة التسول في شهر رمضان في العراق، إذ يستغل اصحاب الحاجة الاجواء الدينية لاستدرار عطف الناس للحصول على المال. لكن ما يميزها في العراق أن المتسولين في اعداد كبيرة منهم من معوقي ومتضرري الحروب او من الارامل اللاتي فقدن ازواجهن في الحروب الخارجية والداخلية والتفجيرات التي شهدها العراق، بل أن التحقيقات ومشاهدات المواطنين تشير إلى أن البعض يتخذ من التسول مهنة له في رمضان كأحد أساليب الكسب، في ظل ظروف امنية واجتماعية قاسية تجعل من التعاطف مع ضحايا الحروب ذو أهمية خاصة.
أسلوب جديد
يشكو اغلب ضحايا الحروب في العراق من عدم الاهتمام الرسمي بهم، وشحة المعونات التي يتلقونها وغياب برامج التأهيل الاجتماعي مما يجعلهم مشروعا محتملا للتسول. وبحسب النائب عن العراقية طلال الزوبعي، فإن التخمينات تشير إلى أن عدد ذوي الاقامة يبلغ نحو 3 ملايين معاق.
وأضاف لـ “إيلاف”: “اغلبهم يعانون من ظروف معيشة قاسية بعد أن تنوعت معاناتهم بين فقدان البصر والأطراف او الشلل الجزئي او الكلي”. وغالبًا ما يشوه منظر مدن العراق كثرة المتسولين عند إشارات المرور وفي تقاطعات طرق رئيسية حيث تزدحم الحركة التجارية الواسعة بالمتسولين المرابطين طوال الوقت يستعرضون في الكثير من الاحيان عاهات جسمية لكسب العواطف، بل أن بعضهم يتصنع عاهة أو إعاقة جسمانية غير موجودة في بدنه في الأساس لكي يوهم الناس بعجزه عن العمل لكسب لقمة العيش.
لكن الاسلوب الجديد الذي لم يألفه العراقيون من قبل هو اقتراب نساء في غاية اللباقة والشجاعة من المارة يشرحن قصتهن طالبات المساعدة. وبدا المعلم احمد الجبوري مندهشًا حين اقتربت منه فتاة في غاية الهندام واللباقة، وطلبت منه التوقف للحظات لغرض التحدث اليه. اعتقد احمد أن المرأة تعرفه، لكنه تفاجأ يها تشرح له قصة حياته كامرأة من عائلة معروفة لكنها فقدت معيلها وبيتها في هجوم ارهابي لقي فيه كل افراد اسرتها حتفهم، وإنها اليوم عزيز قوم ذل يحتاج إلى المساعدة.
ويقول احمد: “منحتها مبلغًا بسيطًا من المال لتضعه في حقيبتها الجديدة، لتختفي بسرعة فائقة بين الجمهور”. وام سعد تقول إن المتسولات على أبواب المنازل يتناوبن الأدوار يرفض بعضهن المواد الغذائية او الملابس او السلع كهدية ويطلبن المال.
لا اهتمام بضحايا الحروب
في منطقة العلاوي في العاصمة بغداد تتبعك متسولة بالدعوات، تسعى إلى سد حاجتها إلى مبلغ من المال لمساعدة ابنتها المعوقة والمريضة والتي تحملها على كتفيها بينما الفتاة الصغيرة تغط في نوم عميق. وفي ساحة الطيران، حيث يزدحم المكان بالباعة والمارة، يعرض متسول اطرافه المقطوعة امام المارة.
وعلى رغم من أن اغلب المتسولين يرفضون الحديث عن ظروفهم الشخصية والأسباب التي جعلتهم يلجئون إلى التسول، الا أن ابو علي يقول انه فقد اطرافه في السبعينيات من القرن الماضي في شمال العراق، حين اصابه لغم اثناء حرب الجيش العراقي والمتمردين الاكراد كما يسميهم.
ويتابع الحديث: “أُخرِجت من الجيش ولم يتم تكريمي او مساعدتي، رغم أن شهداء قادسية صدام كرموا جميعًا، الا ان القانون لم يكن يشمل وقتها المشاركين في الحرب في شمال العراق، وأمارس التسول منذ عشر سنوات. في السابق كنت لا اخرج من بيتي حيث تصلني مساعدات اصحاب الخير إلى البيت، لكن بمرور الزمن اضمحل ذلك، واضطررت إلى التسول العلني”. ويؤكد أن اغلب المتسولين من حوله ليسوا معاقين بل تصنعوا العوق والمرض كوسيلة محتالة لكسب المال.
تحت خط الفقر
بحسب التقارير العراقية، 20 إلى 25 بالمئة من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل المليون ونصف المليون شخص, وتصل نسبة الأمية في بعض المحافظات إلى 40 بالمائة، وكلها اسباب تساهم في ارتفاع معدل اعداد المتسولين. ضابط الشرطة حميد جاسم يشير إلى عدم وجود آلية لتنظيم عمل المتسولين أو التحقق من هوياتهم، مؤكدًا أن القانون العراقي يحرم التسول. ويؤكد جاسم أن من مهام الشرطة إبعاد المتسولين عن الاماكن العامة لأن ظاهرة التسول تخل بالمظهر العام، “والمفروض نقل المتسولين إلى مراكز اللجوء والمراكز الاجتماعية لتنظيم مساعدتهم الا أن هذا لا يحدث في غالب الاحيان الا في الحالات التي تتطلب التدخل العاجل”.
ويتابع: “في الغالب نكون على اهبة الاستعداد لمكافحة ظاهرة التسول في المناسبات لاسيما الدينية، حيث يحرص الناس على افعال الخير في هذه الظروف”.
الناشطة النسوية والمدرسة ربيعة حاتم تؤكد فقدان الثقة التي تزرعها تصرفات البعض في النفس. فقد لمحت ذات مرة بنت جيرانها تتسول في مكان عام مدعية اصابتها بعاهة في قدمها. تقول: “انتابني الشك لأول مرة لكن تأكد لي ذلك حيث تخرج الفتاة من منزلها طوال نصف نهار، فسألتها اكثر من مرة عن غيابها ، اجابت انها تعمل في معمل للسجائر”.
وتتابع ربيعة: “لا تعرف الفتاة انها اصبحت حديث الناس في الحي، فالجميع على ما يبدو يعرف انها تتسول، وانا كنت آخر من يعلم”. وبحسب ربيعة، فان الظاهرة الاكثر خصوصية في ما يتعلق بالعراق وتميزه عن باقي الدول أن الكثير من المتسولين، هم من ضحايا الارهاب أو من ضحايا الحروب التي شهدها العراق منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وتتابع القول: “المشاهدات الميدانية تشير إلى أن بعض المتسولين يستعرضون عاهة مستدامة لحقت بهم جراء انفجار قنبلة او مفخخة والبعض الاخر يقول أن ما لحق به من ضرر كان اثناء الحرب العراقية الايرانية، والنسبة الاكبر من المتسولات يزعمن انهن ارامل فقدن المعيل بسبب الحرب او التفجيرات او الاختفاء القسري”.
وتنتقد ربيعة خطط وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لأن الفئة الأكثر عوزًا والأقل قدرة على العمل لا تنال الدعم والاهتمام. وقالت: “تتركز المعالجات على إبعادهم عن الامكان العامة من قبل الجهات الأمنية والرقابية في حين تغيب اجنة تأهيلهم لإيجاد عمل خاص بهم”.
وسيم باسم – إيلاف