شيخ الأزهر .. أليس التشيّع من حُرية الاعتقاد؟

195
بقلم عالم الاجتماع المصري

سعد الدين إبراهيم

أكتب هذا المقال صباح يوم الأربعاء 23/5/2012، وهو اليوم الأول للانتخابات الرئاسية، وفي طريقي من منزلي بالمعادي إلى مكتبي بمركز ابن خلدون في المقطم، مررت بعدة مواقع توجد بها مراكز لجان انتخابية. وكما كُنا قد شهدنا في استفتاءات وانتخابات ما بعد ثورة يناير 2011، انتظم المواطنون في صفوف طويلة للإدلاء بأصواتهم.

وحينما وصلت إلى مركز ابن خلدون، وجدته مثل خلية نحل، حيث نحو خمسين مُتابعًا في غرفة العمليات، على صلة مستمرة بعدة آلاف من المُراقبين في 25 مُحافظة من الإسكندرية إلى أسوان. وخلال الساعات الأربع الأولى لم تقع، أو لم يتم الإبلاغ عن تجاوزات حادة. وربما كان أبرز تلك التجاوزات هو استمرار الدعاية الانتخابية من أنصار د.محمد مرسي، في أفنية المدارس بمحافظتي الدقهلية والبحيرة، بالمخالفة لتعليمات اللجنة العليا للانتخابات، وكذا وجود عدد أكبر من المندوبين في داخل غُرف الاقتراع. ولكن عموم المشهد هو شيء تفخر به مصر والمصريون. إنها المرة الأولي التي يختار فيها المصريون حاكمهم بإرادتهم الحُرة، خلال ستة آلاف سنة من تاريخهم المُسجل.

تزامن ذلك مع قراءتي لتصريح في الصفحة الأولي لـ«المصري اليوم»، لفضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بمُعارضته القاطعة لدعوات ومُمارسات التشيّع في مصر، حفاظًا على الوحدة المذهبية لأهل السُنة والجماعة في الديار المصرية. واستغربت هذا التصريح للأسباب الثلاثة التالية:

١- أنه صدر من رجل اشتهر بين الخاصة من أقرانه، والعامة من أقراني، بسعة العقل وسعة الصدر، وتصريحه ينم عن عكس ذلك.

٢- أن مصر، والجامع الأزهر الذي يؤمه هو تحديدًا، بناه خليفة فاطمي شيعي، لنشر تعاليم المذهب الشيعي، وهو المذهب الذي اعتنقه المصريون طواعية خلال القرون الأربعة التالية، إلى أن أعادت الدولة الأيوبية فرض المذهب السني على عموم المصريين. ولكن كما لاحظ عالم الاجتماع المصري الكبير الدكتور سيد عويس، فإن المصريين مالؤوا صلاح الدين الأيوبي بوجوههم، ولكنهم ظلّوا «شيعة» بقلوبهم. ولا أدل على ذلك من كثرة المُقدسات والمزارات الدينية «لآل البيت» (الحُسين- السيدة زينب- السيدة عائشة- السيدة نفيسة- السيدة سكينة). بينما لا توجد مثل هذه المزارات، لا من حيث العدد، ولا من حيث الأهمية، لأهل السُنّة والجماعة.

3- أليس من حق أي مواطن حُر، أن يختار دينه، ومذهبه، وأن يُغير كلا منهما، حيثما يتغير قلبه أو عقله؟ إن هذا الحق أقرّته الأديان. ألم نتعلم من قرآننا الكريم ومن رسولنا الأمين، أن حُرية الاختيار هي أساس «الإيمان»، فمن أراد منكم أن يؤمن، فليؤمن، ومن أراد أن يكفر فليكفر؟ ثم إن هذا حق أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مادته السادسة.

فإذا كان ذلك كذلك، فليت لفضيلة الشيخ الأكبر، أن يُطلق تصريحًا ينم عن مشاعر رفض للاختلاف، بينما خالقنا سبحانه هو الذي أراد لنا أن نكون «شعوبًا وقبائل» لنتعارف، وأن أفضلنا عند الله أتقانا. ويتأكد نفس هذا المعنى بالحديث النبوي الشريف، أنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.

والمبدأ نفسه هو الذي خلّده أمير الشُعراء في بيت واحد من إحدى قصائده:

الدين للديّان جل جلاله … لو شاء ربُك وحد الأقواما

فإذا كان الشيخ لا يقبل الاختلاف المذهبي في نفس دينه، وهو الإسلام، فكيف له أن يقبل أديانًا سماوية أخرى، مثل اليهودية والمسيحية؟ فإذا كان رافضًا لهما، فقطعًا هو رافض للأديان الإنسانية الأخرى، مثل الهندوسية والكونفوشية والبوذية والطاوية. وهو ما يعني أن الرجل يرفض ثلاثة أرباع البشرية. فالمسلمون لا يصلون إلى أكثر من ربع البشرية.

وفي ضوء ذلك، كيف يستقبل شيخ الأزهر زعماء الطوائف والأديان الأخرى؟ وكيف يبتسم في وجوههم؟ بل ويعانقهم ويحتضنهم أحيانًا؟ ألا ينطوي ذلك على نفاق بوّاح؟

إن من يعتنقون المذهب الشيعي هم ثلث مُسلمي العالم، أي نحو خمسمئة مليون، معظمهم في إيران، وشبه القارة الهندية، وتركيا، وجمهوريات آسيا الوسطي. ومعظمهم مثل شيخ الأزهر نفسه، توارثوا اعتناق دينهم ومذهبهم عن آبائهم. وقِلة قليلة منهم فقط، هي التي اختارت مذهبها بإرادتها الحُرة.

أكثر من ذلك، أن بعض طوائف الشيعة، وتحديدًا الطائفة «الإسماعيلية» هم أكثر المسلمين تعليمًا ودخلًا وتنظيمًا. وهم الأكثر مُشاركة في الأعمال التطوعية في البُلدان التي يعيشون فيها، سواء في شبه القارة الهندية، أو شرق وجنوب إفريقيا، أو أوروبا أو الأمريكتين.

أي إنه فضلًا عن أنه لا فضل لمسلم سُني على مُسلم شيعي إلا بالتقوى، فإن لكل المسلمين أن يفخروا بإنجازات إخوانهم المسلمين الشيعة. ومن ذلك أن أول مُسلم حصل على جائزة نوبل في العلوم في أوائل سبعينيات القرن الماضي كان شيعيًّا من مسلمي باكستان، من الطائفة الأحمدية، وهو الدكتور عبد الستار خان.

لقد اتصل بي صباح يوم 24/5/2011 الأخ محمد غُنيم، من محافظة الشرقية، وهو مصري مُسلم شيعي، ليُبلغني عن حادثة اعتداء مجموعة من المُتشددين علي أحد إخوته من الشيعة، بل والتهديد بهدم منزله، لإجباره على إما التخلي عن مُعتقداته الدينية، وإما مُغادرة القرية.

ولا أظن أن ذلك كان ليحدث في هذا التوقيت إلا بسبب تصريحات فضيلة شيخ الأزهر، التي أطلقها منذ ثلاثة أيام. كذلك من المُفارقات أن يأتي اضطهاد بعض الناس لإخوة مواطنين في لحظة تاريخية فارقة يحتفي المصريون فيها بأول اختيار حُر لحاكمهم، لأول مرة، في تاريخهم المُسجل، منذ الملك مينا، موحّد القُطرين.

فكيف بالله عليك  يا فضيلة شيخ الأزهر أن تنكر على المسلمين من أبناء مصر أن يختاروا مذاهبهم ومُعتقداتهم؟

إنني لا أتصور أن شيخ الأزهر سيعتذر لثلاثة ملايين مصري شيعي عن تصريحاته العدائية ضدهم. ولكن أضعف الإيمان أن ينتهز أول فُرصة سانحة لإعادة تأكيد احترامه لحُرية المُعتقدات والمُمارسات الدينية لكل المصريين.

سامح الله فضيلة الشيخ .. وعلى الله قصد السبيل

المصدر: التحرير نيوز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*