الأنواع الصحفية هي شكل من الأشكال التعبيرية التي تملك في غالب الأحيان قاعدة أساسية يرتكز عليها كاتب صحفي يسعى من خلاله إلى تفسير ونقل واقعة مستهدفة. ويهدف الصحفي إلى إيصال رسالة واضحة للقارئ تمكنه من فهم واقعة أو حدث أي إنها :
صيغ تفسيرية تعبيرية ، أو لوحة من لوحات تأخذ شكلًا معينًا أو قاعدة واحدة وثابتة نسبيًا .
ذات بنية متناسقة و متسلسلة لإظهار الحقائق و تفسير الأحداث تتميز بالتنوع أي تساعد على ضمان تحقيق التنوع حول حادثة ما ،
والتحقيق الصحفي واحد من هذه الأنواع وسنحاول توضيحه من خلال اللحظة التالية.
فما هي عوامل ظهور التحقيق الصحفي ..و ما الفرق بينه و بين الأنواع الصحفية الأخرى ؟
و ما هي أشكال التي تأخذها عناوين التحقيقات الصحفي ..و ما هي كذلك العوامل المتحكمة في أسلوب تحقيق الصحفي؟.
الفصل الأول : بعض مفاهيم التحقيق الصحفي و عوامل ظهوره :
المبحث الأول: مفاهيم التحقيق الصحفي
بدأ التحقيق الصحفي من العبارة المشهورة: ” النشر لم يختف من العالم ” و بتعيين الاقتراب من التحقيق الصحفي لمزيج من الإحساس بالغضب المسيطر عليه بالشعور بالعدل البشري الممكن…”
يتضمن مصطلح التحقيق الصحفي الكثير من الإيحاءات، فإنها لم تساهم كثيرًا في تقريب ما يعكسه هذا النوع الصحفي، من الإيحاءات ، فإنها لم تساهم كثيرًا في تقريب ما يعكسه هذا النوع الصحفي ، وفي الكشف عن مضمونه ، وهذا ما تؤكده لنا بعض التعاريف :
التحقيق الصحفي عبارة عن أخبار بمفهومها العام . لكنها لا تلتزم بقاعدة المثلث المقلوب ، ولا بالأخوات الست ، وقد تحتوي أحيانًا على بعضها . والشيء الأساسي في التحقيق هو الحقائق التي يحتويها الموضوع، ومقتضياتها العامة. يعرِّف البعض التحقيق الصحفي بأنه تقرير عن خبيرة معينة، وذلك لأنه يحاول وصف الحادث بطريقة يظن القارئ معها أن كاتب التحقيق قد عاش تلك الأحداث، هو استطلاع للوقائع و الأحداث ولجميع الأشخاص الذين لهم صلة بهذه الوقائع و الأحداث، و العوامل المؤثرة فيها، و الحكم عليها، وتقديم الحلول المناسبة للمشكلة أو الواقعة التي يتناولها التحقيق.
هو تحليل واقعي للأحداث و المشكلات التي تواجه المجتمع، و تحليل نفسي للأشخاص الذين يتصلون بهذه الأحداث و المشكلات، و الاستقصاء للأبعاد و الظروف التي تحيط بها، و ما لها من امتدادات في الماضي و أثره في الحاضر، وما يكون لها من تأثير بالنسبة للمستقبل، ولا بد أن يكون هذا موضحًا ومدعمًا بالأرقام و الإحصائيات، حتى تكون الحقائق المؤكدة للاختلاف بين هذه التعاريف واضحة .
لكن رغم هذا الاختلاف، فالكثير من هذه التعاريف يتفق على شيء جوهري، يتمثل في أن معنى التحقيق الصحفي هو البحث و التقصي و التحري .
تشكَّل أية مادة صحفية من مجموعة من العناصر التي تتفاعل و تحور القسمات الخاصة التي تمكّنها من الانتماء لهذا النوع الصحفي أو ذاك، فإعادة إنتاج نفس القسمات في الكتابة الصحفية هو الذي يحدد لخصائص النوع الصحفي .
المبحث الثاني : الفرق بين التحقيق الصحفي و الأنواع الصحفية الأخرى
إذا كان التحقيق الصحفي يلتقي مع الأنواع الصحفية الإخبارية في نقطة خاصة بأشكال الإنجاز، وهي الانتقال إلى عين المكان ، فإنه يختلف عنهم، بأنه يهدف إلى تقديم أخبار و معلومات عن الوضعية أو المشكل، ولا يهدف ليوصِّفها بنوع من التأني و التفصيل ، وإن فعل ذلك فيظهره في إطار نظرة متماسكة ومتكاملة تصب في اتجاه طرح المشكل أو تقديمه قصد الدراسة والتحليل ، مجيبًا عن سؤال واحد ومركزي هو: ((لماذا ؟))، و تقديم الاقتراحات و الحلول.
فـ((الخبر الصحفي ((و ((التقرير الصحفي)) يقدمان ما يطفو فوق السطح، بينما يغوص التحقيق الصحفي في الأعماق.
((لماذا وصل محصول الجزائر من الحبوب إلى حوالي 36 مليون و نصف قنطار ؟)) . إن الخبر الصحفي يجيب عن السؤال)) لماذا كل هذه الوفرة في الإنتاج ؟))،(( لماذا انخفض مستوى التعليم في بلادنا ؟. ((
تؤكد لنا مثل هذه الأسئلة أن موضوع التحقيق الصحفي يختلف عن موضوع الأنواع الإخبارية المذكورة ، فهو لا يخبر عن حادثة بسيطة ، إنه يعالج واقعًا أكثر اتساعًا ، تصنعه قضية أو مشكلة ، فموضوع التحقيق الصحفي لا يكون ، بالضرورة مرتبطًا بالأحداث الآنية .
تنتمي بعض الأنواع الصحفية كـ((التعليق الصحفي)) و(( المقال الصحفي)) إلى ما يسمى بالأنواع الفكرية، و يمكن أن يتضمن التحقيق الصحفي بعض خصائص هذه الأنواع كعرض الحقائق و المعلومات، لكن مبرر و جوده يكمن في القضية المركزية، و في المشكل المحوري و الأساسي، فمهمة التحقيق الصحفي ليست إبراز وجهة نظر مثلما يفعل التعليق الصحفي، إن التحقيق الصحفي يستعين بوجهات النظر لتحليل الظاهر أو المشكلة و دراستها، و يكمن الاختلاف بين المقال الصحفي و التحقيق ، في أن النوع الأول ينطلق من موقف واضح ،(كدت أن أقول “جاهزًا”)، ويسعى إلى اختيار بعض الوقائع و تقديمها للأمثلة و لشواهد خدمة الموقف المذكور و لتعزيزه أكثر ، بينما يسعى التحقيق الصحفي إلى البحث عن الأمثلة و الشواهد حتى المتناقضة منها ، ليبني منها معماره و يشيد بها لحمته . إنه يقدمها كمادة للدراسة و التحليل التي تفضي إلى اقتراح حلول، أو رسم آفاق تطور القضية أو المشكلة التي يعالجها .
أما عن ((الريبورتاج )) فالفرق يكمن أولًا في الجانب العام ، ويتجسد الاختلاف القائم بين الوظيفة التحليلية الفكرية التي يقوم بها التحقيق الصحفي، و الوظيفة التعبيرية التي يؤديها الريبورتاج .أما الجانب الثاني فهو خاص ، ويتمثل في سمات كل نوع من الريبورتاج يظهر و التحقيق يبرهن ، أي إن الريبورتاج يعرض مجموعة من السلوكيات من الزاوية الذاتية التي يراها الصحافي ، وهذا لا يعني خلو هذا النوع من الموضوعية، و ذلك بالإجابة عن السؤال كيف؟ بينما يحلل التحقيق الصحافي الحقائق و الوقائع على سؤال لماذا ؟ يمكن الاختلاف أيضًا في طبيعة الموضوع الذي يتعرض لكلا النوعين الصحفيين ، فموضوع الريبورتاج هو استعراضي، بينما موضوع التحقيق الصحفي هو إشكالي. بعد كل ما سبق عرضه يتضح أن التحقيق موضوع صحفي ثقيل ، يستوعب مختلف الخصائص والأنواع الصحفية الأخرى دون أن يفقد استقلاليته كنوع، حيث نجد عنصر الاستجواب، كمصدرالمعلومات، أو كعنصر لتقويم تجربة أو عرضها، ونجد فيه التعليق على الحقائق و الوقائع ، ونجد فيه إعلانًا وإخبارًا عن بعض الأحداث المنسية و المستجدة، ونجد فيه الوصف و السرد لبعض المواقف و الآراء ، فالتحقيق الصحفي يساهم في تفسير الظواهر و المشاكل المعقدة، وتبسيطها لتستوعب من طرف الجمهور العريض، وإنه يرصد التطور الحاصل في المجتمع بشكل مرن فيبرز سلبياته و إيجابياته، ويرفع من عزيمة الفرد وتحسسه بإمكانايته التي يفضلها للتغيير.
المبحث الثالث: عوامل ظهور التحقيق الصحفي
من الصعوبة تحديد عوامل ظهور التحقيق الصحفي، لانعدام البحث المؤرخ للأنواع الصحفي، خاصة في الدول العربية من جهة ، ولقلة الفحص العلمي و التأكد من عوامل تطور التحقيق الصحفي المعروفة و بقائها كافتراضات فقط من جهة أخرى، يمكن أن نصادف في بحثنا وفي تنقيبنا عن الأنواع الصحفية بعض المحاولات و الشهادات عن ميلاد هذا النوع الصحفي أو ذاك وتحوله في هذا المجتمع أو ذاك ، لكنها تبقى بين قوسين ، لأنها تحتاج إلى التحري و التدقيق فيها، إن الأنواع الصحفية المعروفة الآن، والتي يمكن أن تحمل أسماء مختلفة من مجتمع إلى آخر، تكون قد تعرضت هي الأخرى إلى تغيير في التسمية ، ينسب الأستاذ (( عبد اللطيف حمزة (( التحقيق الصحفي إلى ((ديفو)) الذي اهتدى إلى هذا التعبير في الصحافة الإنجليزية، و إلى الصحفي))نور تكليف)) 1896 الذي جعل منه ركنًا خاصًا في صحيفته “ديلي ميل”، و يُعتقد أن هذا الصحفي توصل لتلبية حاجة و رغبة القراء أكثر من تلبيتها عن طريق القصص، و يرى أنه وجد مناخًا ملائمًا لظهوره ساهمت في خلقه عدة عوامل : انتشار التعليم ، وانتصار الديمقراطية ، وارتفاع الوعي ، وتقدم علم النفس، و سعي الكتاب إلى إضفاء البعد النفسي على كتاباتهم .
الفصل الثاني : موضوعاته وأنواعه وبنيته ومصادره
المبحث الأول: موضوع التحقيق الصحفي
موضوع التحقيق الصحفي لا يتطلب دائمًا أن يكون ذا صلة مباشرة بالأحداث الطارئة ، فنشر التحقيق الصحفي يكون في بعض الأحيان ، وراء ميلاد أحداث آنية ؛ فمن المحتمل أن يؤدي إلى رد فعل معارض لما جاء في التحقيق ، أو مؤيد له. إذ يشترط في موضوع التحقيق الصحفي أن يتضمن مسألة أو إشكالًا هامًّا يتطلب التفكير و المعالجة.
مثلًا أن يكون (الدخول الجامعي) لا يعد موضوعًا لتحقيق الصحفي، إلا إذا طرح إشكالًا، مثل أن يتأخر الدخول المذكور عن موعده. إذ يرى البعض أن التحقيق الصحفي لا يختلف كثيرًا عن التحقيق البوليسي، لذا يرى على أنه لابد من توفر شرطين أساسيين خاصين بالتحقيق البوليسي في التحقيق الصحفي و هما:
وجود واقعة ما أو عمل غير شرعي أو غير سوي.
وجود من يكتمون هذا العمل غير الشرعي لمصلحتهم و يقاومون كل من يريد الاستفسار و النبش فيه.
كما أن التحقيق الصحفي لا يرتبط بموضوع محدد وخاص بالمخالفات أو بسلبيات في المجتمع، بل يمكن أن يكون موضوعه أيضًا إيجابيًّا.
المبحث الثاني: أنواع التحقيقات الصحفية.
تصنف الأنواع الصحفية حسب موضوع، ليس بالشيء الهيِّن، فيصنف إلى: تحقيق سياسي، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي ورياضي.
كما نجد تقسيمًا آخر للدكتور “أديب خضور” وهو كالآتي :
التحقيق الإيجابي : وهو النوع الذي يبحث عن ظاهرة إيجابية في الواقع ، ويكثف عن الأسباب التي تجعلها إيجابية .
التحقيق النقدي : وهو النوع الذي يرصد الظاهرة السلبية و يحاول تفسيرها و معرفة الأسباب التي جعلتها سلبية، وكذا علاقتها بغيرها.
كما يسعى إلى رسم آفاق التغيير نحو الأمن من خلال تجاوز السلبيات والقضاء عليها و تحسين الجمهور.
التحقيق المختلط : وهو يركز على ما هو سلبي و إيجابي في آن واحد. إذ يكون غالبًا أقرب إلى الحقيقة المجتمع.
المبحث الثالث: بنية التحقيق الصحفي ومصادره.
بنية التحقيق الصحفي
يتضمن التحقيق الصحفي الكثير من الخصائص و السمات المرتبطة بالأنواع الصحفية الأخرى، لذا يحتاج في صياغته إلى قدرة كبيرة لبناء النص الصحفي المطلوب، و إلى هضم جيد لمعطيات المشكلة قيد المعالجة.
تتكون بنية التحقيق الصحفي من العناصر التالية :
المشكلة، الاحتمالات، التحري و المراجعة، الخاتمة.
هذه العناصر مستوحاة من طريقة البحث العلمي بما فيه الترتيب و التسلسل.
إذ تشكل هذه الصيغة الهيكل الهضمي للتحقيق الصحفي، ولكي يكون على أفضل شكل ، يكون كالآتي :
1- المقدمة : من الصعوبة تقديم نموذج جاهز لمقدمة التحقيق الصحفي، لأنها تخضع لمجموعة من الاعتبارات من حيث: طبيعة الموضوع، طبيعة الجمهور، الحجم، و الأسلوب، وأهم الشروط التي تخضع لها المقدمة: طرح الإشكال بشكل واضح و قوي وجذاب.
2- العرض و التحليل:
إذ يمثل العنصر المركزي في التحقيق الصحفي، الذي تعرض فيه الوقائع و الأحداث وتحلل بشكل منهجي و منطقي لتوضح المشكلة للجمهور و تفسرها لها.
3- الحلول و النتائج و الأفاق:
يجسد هذا الجزء الغاية من القيام بالتحقيق الصحفي، لأنه يتضمن تصورًا لحل المشكلة و رسمًا لآفاق تطورها.
4- الخاتمة: لا تضيف شيئًا جديدًا للتحقيق الصحفي، بل تقوم بالتذكير بموضوعه فقط ، وتثبت في ذهن الجمهور التصور الذي توصل إليه التحليل.
مصادر التحقيق الصحفي:
من الصعوبة بمكان حصر مصادر التحقيق الصحفي نظرًا لتعددها وتنوعها، لكن يمكن ذكر أهمها فقط وهي : ملاحظة الصحافي وحدسه في النظر للأشياء و الواقع و كذا تجربته الاجتماعية .
– تعليمات المسؤولين و أوامرهم عن الهيئات التي تتبع لها الوسيلة الإعلامية.
-ما تنشره و سائل الإعلام المختلفة و ما تقدمه من أخبار عن الأحداث و الوقائع التي تخفي وراءها قضايا شائكة .
تقارير الهيئات الرسمية حول الإنتاج و التوزيع و النقل و المواصلات و السكن والعمل، و البطالة و التعليم والصحة، والجرائم وغيرها.
-انشغالات و اهتمامات جمهور وسائل الإعلام المعبر عنها في البريد أو في المكالمات الهاتفية أو في الحصص الإذاعية و التلفزيونية.
– ما تنشره مراكز الدراسات و البحوث العلمية .
نموذج لتحقيق صحفي
حول ظاهرة التخريب التي تمس وسائل خدماتية داخل الإقامة الجامعية 1000سرير
تعتبر ظاهرة التخريب التي تمس الوسائل الخدماتية للإقامة الجامعية ظاهرة خطيرة جدًا، و هذا ما يظهر جليًّا في إقامة 1000 سرير التي أخذناها كمثال في دراساتنا هذه وحاولنا معرفة أسباب ذلك من خلال التحقيق الصحفي الذي أجريناه مع مجموعة من الطلبة المقيمين بالإقامة، و مع ممثلي المنظمات الطلابية و المدير. وكانت أغلب الإشكالات تتمحور حول الأسباب الفعلية التي دفعت بالطلبة لارتكاب هذه السلوكات ؟ من المسؤول عن هذه السلوكات ؟ ما هي الحلول الناجعة لتفادي هذه الظاهرة ؟ كل هذه الإشكالات سوف نحاول الإجابة عنها من خلال عرضنا لمجموعة من الآراء.
بداية بالطلبة حيث اعتبر جلهم أن هذه الظاهرة سلوك سيئ لا تعكس ثقافة الطالب بالدرجة الأولى لا من بعيد ولا من قريب إلا أنهم أقروا أن هناك جملة من الأسباب دفعت ببعض الطلبة إلى انتهاج مثل هذا سلوك الفاسد بالتخريب، ومن أهم هذه الأسباب هي الأوضاع المزرية التي يعيشها كل طالب في الإقامة ، بداية من انعدام أدنى مستويات المعيشة مثل المرافق الحيوية كالنوادي و الملاعب و مقاهي الانترنت و غيرها، و انعدام وسائل النقل و النقص الكبير في التجهيزات، فالكثير منهم أشار إلى خطورة هذه الظاهرة ، ولفت انتباهنا من خلال هذا التحقيق عدم وجود تجهيزات، و الطاقم الإداري الذي يحضن مشاكل الطالب . أضف إلى ذلك المشاكل التي يتلقاها الطالب في التعامل مع جل العمال داخل الإقامة، بداية بالبيروقراطية و التسيب في الإدارة وصولًا إلى التعامل غير اللائق داخل المطعم . فالطلبة يلجؤون إلى التخريب لأخذ حقوقهم بأيديهم لعدم وجود آذان صاغية لمطالبهم، و في ظل انعدام التطبيق للقانون الداخلي للإقامة، و الذي يبقى حبرًا على ورق بغياب الصرامة و الجدية في تطبيقه، ما جعل الطالب يقوم بمثل هذه الأعمال، و أرجع الطلبة الحل في تطبيق القانون الداخلي وتوفير وسائل ضرورية .أما في ما يخص مدير الإقامة فقد اعتبر أن هذه الظاهرة هي سلوك انحرافي يلجأ إليه الطلبة من أجل الإخلال بالنظام داخل الإقامة، وإحلال الفوضى، وأرجع المدير أسباب هذه الظاهرة إلى أن الطالب الذي يقوم بهذه الأعمال لم يتلقَّ تنشئة اجتماعية كما ينبغي، و بالتالي انعكست على ثقافته، كما أكد لنا المدير أنه سوف يفرض عقوبات صارمة في حق كل مرتكب لمثل هذا السلوك، لأن الإقامة حسب تعبيره تنفق أموالًا باهظة في سبيل توفير هذه الوسائل، بينما الطالب يتغافل عن هذا و يقوم بمثل هذه الأعمال ، وحمَّل المدير مسؤولية هذه الأعمال إلى الطلبة، و اعتبر الطالب هو الضحية في آخر المطاف .أما في ما يخص حجم الخسائر التي تتكبدها الإقامة من جراء عمليــات التخريب، فلم يستطع المدير تقديرها لأنه اعتبر أن هذه العملية مستمرة دائمًا و تشمل جميع مرافق الإقامة، وبالتالي لا نستطيع تقدير حجم الخسائر، وأرجع المدير حل هذه الظاهرة إلى دور المنظمات الطلابية داخل الإقامة، وذلك من خلال حملات التوعية و الإرشاد، إلى جانب التناسق و التعاون في ما بينهم من أجل القضاء على هذه الظاهرة، أما في ما يخص ممثلي المنظمات الطلابية، فاعتبرت المنظمة الوطنية الجزائرية أن الطالب هو المسؤول بالدرجة الأولى عن هذه الظاهرة، لأنه في الأخير سوف يكون هو الضحية، كما أكد لنا رئيس المنظمة أنه حاول عدة مرات إجراء حملات توعية وإرشاد في أواسط الطلبة، إلى جانب ذلك أجرى عدة اجتماعات و ملتقيات حاول فيها معالجة هذه المشاكل لكن لاتزال هذه الظاهرة منتشرة وبحدة، ويرجع سبب انفعال الطلبة وقيامهم بمثل هذه السلوكات إلى الأوضاع المزرية وعدم تطبيق قانون داخلي للإقامة الجامعية، ما جعل الطالب يتعدى الحدود، أي إن القانون الداخلي حسب رأيه ليس له هيبة ونفوذ بالنسبة للطلبة، حيث إنه إلى يومنا هذا لم يُحَل أو يمتثل طالب إلى المجلس التأديبي الخاص بالإقامة، و لهذا ترى المنظمة الوطنية للطلبة أن الحل يكمن في تطبيق القوانين الداخلية وإنشاء مجلس تأديبي تطبق فيه القوانين بصرامة وجدية، وأن يتعامل المدير مع جميع المنظمات الطلابية، أي خلق جو يسوده التعاون و التناسق للحد من هذه الظاهرة، أما الاتحاد العام للطلبة الجزائريين أرجع هذا السلوك الانحرافي الذي يمس الوسائل الخدماتية إلى رد فعل الطلبة تجاه الأوضاع المزرية، واعتبره ضرورة أو حتمية بالنسبة للطالب لأن جميع هذه المشاكل و الجرائم التي ارتكبت ناتجة عن إهمال الطاقم الإداري للإقامة و انشغاله بمصالحه الخاصة، إلى جانب ذلك نقص في عدد العمال وتسجيل حالات السرقة لوجبات الطلبة وكذا الصراع الإداري بين المسؤولين جعل الطلبة مهمشين ومهملين، ولهذا اعتبرالاتحاد العام للطلبة أن حملات التوعية و الإرشاد لا تكفي، بل يجب أن نعمل على تطبيق القوانين وتوفير الوسائل والحاجيات الضرورية للطلبة، يجعلهم بطريقة أوتوماتيكية يبتعدون عن مثل هذه السلوكات .أما في ما يخص الاتحاد العام الطلابي الحر، فقد أرجع أسباب هذه الظاهرة إلى البدايات الأولى للإقامة حيث إن موعد تسليم الإقامة لم يكن في أوانه، و بالتالي عندما التحق الطلبة بالإقامة لم يجدوا الطاقم الإداري متوفرًا ( غياب العمال و المدير) مما أدى بهم إلى اتخاذ عدة سلوكات من أجل أخذ حقوقهم ، وبالتالي انطبعوا على هذه السلوكات إلى يومنا هذا، أما في ما يخص الطلبة الجدد فقد تقمصوا هذا السلوك من الطلبة الذين سبقوهم (قدامى) واعتبروا هذا السلوك الوحيد من أجل أخذ حقوقهم، لأنهم لم يجدوا آذانًا صاغية تستمع لمشاكلهم، إلى جانب ذلك اعتبر اتحاد العام الطلابي الحر أن التغيير المستمر للمديرين، ولد صراعًا داخل الإدارة، مما انعكس سلبًا على الطلبة، وجعلهم يسلكون سلوكات غير أخلاقية .كما اعتبر أن ضعف أو عدم تطبيق القانون في حق الطالب كان دافعًا للقيام بهذه الأعمال، و أرجع الحل في تطبيق القانون، وعلى الطلبة أن يلجؤوا إلى سلوكات أو أساليب سلمية وحضارية في أخذ حقوقهم . وعلى المدير أن يفي بوعوده، و لا يلجأ إلى الحلول البسيطة للهروب من المسؤولية .
من خلال عرضنا لهذه الآراء نستنتج أن حقيقة هذه الظاهرة ترجع إلى ثقافة الطالب، و إهمال الطاقم الإداري لأوضاع الطلبة، وبالتالي يجب أن نكثف من حملات التوعية والإرشاد في صفوف الطلبة، كما يجب أن نسهر على تطبيق القانون في حق كل طالب يقوم بهذه الأعمال، دون تعاطف وحل مشاكل الطلبة بطرق سلمية.