المرجعية الشيعية بين العروبة والإسلام

180
علاء الخطيب

    حينما تنظر لرجل الدين أي كان, ومن أي ديانة كانت فإنه يوحي إليك بالاطمئنان والأمان لما يمثل الدين والعقيدة من جانب إنساني وأخلاقي يسمو على كل الانتماءات الإثنية والقومية والمناطقية، وربما يمكن إطلاق مصطلح عولمة الدين أو ( الأسلمة) وهي ثقافة تذويب الحدود وإزالة الجغرافيا, وصهر الخصوصيات بخصوصية الدين  هو الأقرب لموضوعة رجل العابر للقوميات. لذا رجل الدين لا يصنف على أساس قوميته أو عرقه بقدر ما يصنف على أساس ارتباطه بعقيدته.

   لأن الغاية التي ينطلق منها وإليها رجل الدين هو الإنسان الذي خصه الله بمنزلة عظيمة دون بقية الموجودات، فقال سبحانه وتعالى {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} 70/ الإسراء، ولكون الأنبياء والمصلحين هم للناس كافة, فقد غابت لديهم الانتماءات سوى الانتماء للإنسان {وما أرسلناك إلا للناس كافة بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون} 28/ سبأ ، من هنا فلا اعتبار للانتماء في المجال الديني بقدر ما هناك تواضعٍ ونكران ذاتٍ للهدف الأكبر .

    وهكذا كانت مرجعية النجف لا تعير أية أهمية لهذا الجانب، فمؤسس الحوزة العلمية في النجف هو الشيخ الطوسي، وهو إيراني وتلميذ الشيخ المفيد العربي والسيد المرتضى علم الهدى الهاشمي ، ولم يكن للقومية حساب على  القدرة العلمية والتقوى، إلا أننا سمعنا نغمًا نشازًا بدأ يرتفع هذه الأيام (وهي ظاهرة جديدة), وهي تقسيم المرجعية الدينية على أساس قومي أو عرقي ، فهناك مرجع عراقي ومرجع إيراني وآخر هندي، وهلم جرّا .

    وتنعكس هذه الثقافة  اليوم على الشارع الشيعي وهي بداية التمزق والانحطاط . لقد بدأ هذه الثقافة مجموعة ضالة غير قادرة على إقناع الشارع بأنها الأجدر والأفضل.

    ويقفز هنا سؤال: هو هل نحن بحاجة لمرجعية عراقية؟ وهل مشاكل العراق تحل من خلال مرجعية عراقية ؟.

    وهل نحتاج إلى مرجعية تمتلك بلطجية ينزلون إلى الشارع كي تثبت أن المرجعية العراقية هي الأقوى .. أو الأعجمية هي الأقوى .. وهل نحن أمام صراع الديكة ؟.

    ثم هل المرجع هو من يفاخر بعلمه وقوة حجته ؟ ويدعو العلماء من مذهبه للتناظر.. أم إن المرجع هو من يظهر للناس علمه من خلال الوسائل المتاحة؟.

    وهل غاية المرجع إقناع الناس أم رضى الله ؟

    والشاعر العربي يقول :

                  ومهما تكن عند امرِىء من خليقةٍ    وإن خالها تخفى على الناس تعلم

   ولعل في تاريخ المرجعية الدينية في النجف نماذج ننحني لأخلاقها وتقواها, كالشيخ حسين الحلي أستاذ السيد الخوئي، هذه الشخصية التي لم يعرفها العامة، وهو جهبذ من جهابذة العلم , وكان يعيش حالة الكفاف ولم يفاخر يوماً بعلمه،  ولم يعلم أحد أنه أستاذ المراجع ومعلمهم.

    لأن الرجل كان يتحلى بأخلاق العقيدة التي كان يعتنقها, وهو يعلم أن ميزان الأفضلية للتقوى وليس لشيء آخر.

    وأين هذه المرجعية من الإسلام ومن الإمام الرضا عليه السلام الذي يقول : عشرة من كن فيه كمل عقله يعددها الإمام حتى يصل إلى. ((وما رأى أحدًا إلا وقال خيرٌ مني))./تحف العقول لآل الرسول – باب الإمام الرضا.

    وبالتأكيد الواضحات لا تحتاج إلى إيضاح، وهذا يذكرني بقصة جميلة لحسام كيالي وهي لعجوز مصرية سألت وهي ترى مصر كلها تخرج للقاء القاضي ابن تيمية,  قالت: من يكون صاحب كل هذا الهناء ؟ فقالوا لها ((ضبّي لسانك يا ولية)) , هذا ابن تيمية الذي ألف عشرة كتب للبرهان على وجود الله . فقالت : ((يقطعه , لو لم يكن إيمانه ضعيفًا لما ألف الكتب في مسألة واضحة مثل الشمس)) .  فالأفضلية في المرجعية لا يحسمها منْ يتظاهرون مع هذا المرجع أو ذاك , لأنها أصلًا ليست محلًا للتفاضل. فالغاية رضى الله و ليس القبول الجماهيري. لكون الله هو من وضع القواعد للتفاضل بين البشر حسب المنطق القرآني.

    فهناك من يروج لفكرة المرجعية العراقية والمرجعية الإيرانية والأفغانية وغيرها متناسيًا أن الإسلام بُنيَ على قاعدة { إن أكرمكم عند الله اتقاكم} مستغلاً المغفلين من خلال تكريس الخرافة في عقولهم، وبأنه يلتقي بالإمام المهدي، وأن الإمام هو من يرشده إلى ما يقول ويفعل، ولا أدري هل الإمام أوحى له بفكرة المرجعية العراقية؟ ربما لأن الإمام عربي ويسهل عليه التفاهم مع المرجعية العراقية، ولعل البعض يقول هذا محض افتراء على المرجع العراقي، فأقول إن أحد الأخوة من الإعلاميين نقل لي، أنه في العام 2005 أراد أن يلتقي بالمرجع العراقي، فأدخله الحرس بعد الموعد المقرر مسبقاً، ولكن المرجع لم يكن حاضرًا في مكانه، واعتذر حرسه لأخينا الإعلامي، وأشار بأنه كان مشغولًا مع الإمام المهدي، وأشاروا إلى أقداح القهوة الاثنين التي كانت موضوعة على الأرض .

    إن ما يحصل اليوم من ترهات في الساحة الشيعية العراقية يدل على عدم فهم للفلسفة الشيعية المبنية على الصهر القومي لإعادة إنتاج الفرد الشيعي بطريقة مغايرة لما ينتج في معامل المذهبية الأخرى, لأن التشييع أساسا متهم بأنه من صنع الموالي, وأنه مذهب طارئ على الإسلام, فهل يعقل أن يساهم من يدَّعون الانتساب له في ترسيخ هذه الفكرة.

   فمن يروج لهذه الفكرة إنما يثبت حقيقة  أعجمية التشيع على حساب إسلاميته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*