إبادة في سورية: وجهة نظر ألمانية مغايرة في مجزرة الحولة تنطلق من (الهوية المذهبية) للضحايا

206

16-6-2012-1

تقرير: راينر هيلمان

صحيفة: فرانكفورتر ألغيماينة

ترجمة: مرهف المير محمود

الضحايا ينتمون إلى المذهب الشيعي بعد تحولهم من مذهبهم الأصلي (مستبصرون)

تعتبر مجزرة الحولة نقطة تحول في الصراع الدائر في سورية. وسائل الإعلام الغربية اتهمت الجيش السوري النظامي بارتكاب المجزرة مستندة في ذلك على مراقبي الأمم المتحدة. هذه النسخة من الرواية قابلة للتشكيك بحسب أقوال شهود العيان والتي تفيد بأن مسلحين سنّة قاموا بقتل المدنيين.

كانت مجزرة الحولة نقطة تحول في الدراما السورية. وكان غضب العالم كبيرًا عندما جرى في 25 أيار / مايو قتل 108 من المدنيين بينهم 49 طفلًا. تعالت النداءات المطالبة بالتدخل العسكري لوضع حد لسفك الدماء في سورية، ومنذ ذلك الحين يتصاعد العنف في سورية بشكل مطرد. الرأي العام العالمي، وبشكل شبه إجماعي، حمّل الجيش السوري النظامي وميليشيات الشبيحة الموالية للنظام مسؤولية المجزرة، مستندًا في ذلك على تقارير قنوات إخبارية عربية وعلى زيارة مراقبي الأمم المتحدة في اليوم التالي لوقوع المجزرة.

صحيفة (فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ) شككت في الأسبوع الماضي في هذه الرواية على أساس تقارير واردة من شهود عيان. وقالت إن المدنيين القتلى كانوا من العلويين والشيعة، وجرى قتلهم بشكل متعمد على يد مسلحين سنّة في مدينة تلدو الواقعة في سهل الحولة، بينما كانت معارك شرسة تدور عند الحواجز حول البلدة بين الجيش النظامي ووحدات الجيش السوري الحر. هذه الرواية للأحداث تعرضت لهجوم من العديد من وسائل الإعلام في العالم ورفضتها وسائل أخرى واعتبرتها غير قابلة للتصديق. لهذا السبب هناك أسئلة أربعة تطرح نفسها: لماذا يعتمد الرأي العام العالمي رواية مختلفة حتى الآن؟ ولماذا يجعل سياق الحرب الأهلية الرواية المشكك بها قابلة للتصديق؟ ولماذا يتمتع الشهود بالمصداقية؟ وما هي الحقائق الأخرى التي تدعم هذه الرواية؟

أولاً: لماذا يعتمد الرأي العام العالمي رواية مختلفة؟ لا جدل بأنه خلال الأشهر الأولى من الصراع، عندما كانت المعارضة عزلاء ولا تملك أية أسلحة، كانت جميع الفظائع المرتكبة توضع في حساب النظام ويتم تحميله وحده المسؤولية عنها. وهذا يعزز الافتراض بأن هذا الوضع سيستمر على هذا النحو. إضافة إلى ذلك فإن وسائل الإعلام الرسمية في سورية لا تتمتع بأية مصداقية. فمنذ بداية الصراع وهي تستخدم صياغات جامدة ومتكررة من قبيل “عصابات إرهابية مسلحة”. لذا لم يعد يصدقها أحد، حتى عندما تكون هذه هي الحقيقة فعلاً. في المقابل تحولت الجزيرة والعربية، المملوكتان من قطر والسعودية الدولتان المشاركتان بفعالية في الصراع، إلى وسائل الإعلام الرئيسية ومصدر الخبر الرئيسي. ومن هنا يمكن أن نفهم العبارة المعروفة في ألمانيا: “في الحرب تموت الحقيقة أولاً”.

ثانياً: لماذا يجعل سياق الحرب الأهلية الرواية المشكك بها قابلة للتصديق؟ جرى في الأشهر الأخيرة تهريب الكثير من الأسلحة إلى سورية، والمتمردون يمتلكون الأسلحة المتوسطة منذ فترة طويلة. في كل يوم يقتل في سورية أكثر من 100 إنسان، وهم يسقطون من الطرفين. الميليشيات التي تعمل تحت راية الجيش السوري الحر تسيطر بشكل كبير على مناطق حمص وإدلب، وتمتد هذه السيطرة إلى أجزاء أخرى من سورية. انعدام القانون أدى إلى موجة من عمليات الخطف الإجرامية، مما يسهل تسديد الحسابات المفتوحة. من يتصفح الفيسبوك أو يتحدث إلى السوريين سيجد أن كل شخص يعرف قصصاً من الحياة اليومية عن “التطهير الطائفي” وعن أشخاص تم قتلهم لمجرد أنهم علويون أو سنيون.

سهل الحولة الذي تقطنه غالبية سنية يقع بين حمص السنية وجبال العلويين، ويحمل تاريخًا طويلًا من التوترات الطائفية. المجزرة وقعت في تلدو، إحدى البلدات الكبيرة في الحولة. أسماء 84 من المدنيين القتلى معروفة. إنهم آباء وأمهات و49 طفلاً من عائلة السيد ، وفرعان من عائلة عبد الرزاق. يقول سكان المدينة إن القتلى هم علويون، ومسلمون تحولوا من الإسلام السني إلى الإسلام الشيعي( مستبصرون). وعلى بعد كيلومترات من الحدود اللبنانية يجعلهم هذا موضع شبهة كمتعاطفين مع حزب الله المكروه في أوساط السنّة. كذلك كان من بين القتلى أقارب عضو البرلمان الموالي للنظام عبد المعطي مشلب، والذين يعيشون في تلدو.

تقع منازل العائلات الثلاث في أجزاء متفرقة في تلدو. جرى بشكل مستهدف قتل أفراد العائلات الثلاث جميعاً، باستثناء فرد واحد. لم يتعرض أي من جيرانهم [ المعارضين للسلطة ] إلى أية إصابة. المعرفة الجيدة بالمكان كانت شرطاً لعملية “الإعدام” المخطط لها جيداً. وكالة أسوشيتد برس (AP) نقلت عن الطفل علي ابن الحادية عشرة والناجي الوحيد من عائلة السيد قوله : “كان القتلة حليقي الرأس بلحى طويلة ” . هذا مظهر الجهاديين المتزمتين وليس ميليشيات الشبيحة. يقول الصغير إنه نجا لأنه تظاهر بأنه ميت ولطخ نفسه بدم أمه.

المتمردون السنّة يمارسون “تصفية” جميع الأقليات

في الأول من نيسان/أبريل قامت الراهبة أغنيس مريم من دير مار يعقوب الواقع في بلدة قارة إلى الجنوب من حمص بوصف أجواء العنف والخوف في المنطقة في رسالة مطولة. وهي توصلت إلى نتيجة بأن المتمردين السنة يمارسون تصفية تدريجية لجميع الأقليات؛ وتحدثت عن طرد المسيحيين والعلويين من بيوتهم واحتلالها من قبل المتمردين، وعن اغتصاب الفتيات الشابات اللواتي يجري تسليمهن للمتمردين “كغنيمة حرب” [ سبايا]؛ وكانت شاهدة عيان عندما قام المتمردون في شوارع حي “وادي السايح” بقتل تاجر بواسطة سيارة متفجرة لأنه رفض إغلاق محله ، ومن ثم قالوا أمام كاميرا “الجزيرة” إن النظام هو من ارتكب هذه الجريمة. وفي الختام ذكرت الراهبة كيف قام متمردون سنّة في حي الخالدية في حمص باحتجاز رهائن من العلويين والمسيحيين في أحد المنازل ومن ثم تفجير المنزل فيهم ليعلنوا بعدها بأن النظام هو من ارتكب هذا العمل الوحشي.

لماذا ضمن هذا السياق يعتبر شهود العيان السوريون ذوي مصداقية؟ لأنهم لا ينتمون إلى أي من أطراف الصراع، وإنما هم يقفون بين الجبهات وليست لديهم أية مصلحة أخرى سوى إيقاف تصعيد العنف. سبق وأن قتل عدة أشخاص من بين هؤلاء الشهود. لذا لا يريد أحد الكشف عن هويته. التأكد من أن جميع التفاصيل حصلت كما جرى وصفها ، أمر غير ممكن في مرحلة ليس متاحاً فيها إجراء فحص مستقل وفوري لجميع الحقائق على الأرض. وحتى لو أن مجزرة الحولة حصلت وفق الرواية المذكورة هنا، لا يمكن استخلاص استنتاجات فيما يتعلق بالأعمال الوحشية الأخرى التي حصلت. وكما حصل في كوسوفو من قبل، يجب بعد هذه الحرب التحقق من كل مجزرة على حدى.

ما هي الحقائق الأخرى التي تدعم هذه الرواية؟ لم تكن صحيفة (فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ) (FAZ) الأولى التي تحدثت عن رواية جديدة لمجزرة الحولة. لكن التقارير الأخرى لم تتمكن من منافسة وسائل الإعلام الكبيرة وفرض نفسها في مواجهتها. الصحفي الروسي مارات موسين الذي يعمل لوكالة الأخبار الصغيرة (ANNA)، زار الحولة في 25 و 26 أيار/مايو، وإلى حد ما كان نفسه شاهد عيان ونشر أقوال الشهود الآخرين. كذلك قام مارتين يانسن، الصحفي الهولندي المستقل المقيم في دمشق، بالاتصال بعد المجزرة بدير مار يعقوب في بلدة قارة، والذي سبق له أن استقبل الكثير من ضحايا الصراع وتقوم راهباته بتقديم أعمال إنسانية جليلة.

المتمردون أبلغوا مراقبي الأمم المتحدة بروايتهم عن المجزرة

أبلغته الراهبات كيف أنه في 25 أيار/مايو قام أكثر من 700 مسلح أتوا من الرستن بمهاجمة وتدمير حاجز للجيش النظامي قبل تلدو، وكيف قام هؤلاء بعد المجزرة بتكويم جثث الجنود والمدنيين أمام المسجد، ثم قاموا في اليوم التالي أمام كاميرات القنوات الصديقة للمتمردين بإخبار مراقبي الأمم المتحدة بروايتهم عن المجزرة المزعومة للجيش السوري النظامي.

 في 26 أيار/مايو أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجلس الأمن بأن الظروف الدقيقة لما حدث غير واضحة. لكن الأمم المتحدة استطاعت تأكيد حصول “قصف بالمدفعية وقذائف الهاون”. كذلك حصلت أشكال أخرى من العنف، من بينها إطلاق النار من مسافة قريبة وانتهاكات أخرى خطيرة.

يمكن إعادة بناء التسلسل التالي للأحداث: بعد صلاة الجمعة في 25 أيار/مايو هاجم أكثر من 700 مسلح بقيادة عبد الرزاق طلاس ويحيى يوسف في ثلاث مجموعات أتت من “الرستن” و”كفرلاها” و”عقرب” ثلاثة حواجز للجيش النظامي متوضعة حول تلدو. حصلت معارك دامية بين المتمردين المتفوقين عددًا والجنود (الذين أغلبهم من السنّة أيضاً)، وقتل على إثرها قرابة عشرين جندياً أغلبهم من المجندين. أثناء المعارك وبعدها قام المتمردون بدعم من سكان تلدو بإبادة عائلتي السيد وعبد الرزاق اللتين رفضتا الانضمام إلى المعارضة.

المصدر : الحقيقة السورية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*