في ذكرى وفاة أم المؤمنين خديجة الكبرى (عليها السلام)

257

4-8-2012-2

في العشر الأول من شهر رمضان من عام الحزن الذي سبق هجرة النبي المصطفی (صلی الله عليه وآله) وبعد أيام معدودات من وفاة سيد البطحاء وحامي سيد الأنبياء أبي طالب (سلام الله عليه) اشتد المرض بزوجة الهادي المختار مولاتنا خديجة الکبری الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، وفي أحد تلک الأيام دخلت عليها أمة الولاء الصالحة أسماء بنت عميس رضي الله عليها، فرأت الدموع تسيل من عينها وقد خنقتها عبرات الوجه فقالت لها: يا سيدتي، أتبکين وأنت سيدة النساء وزوج النبي (صلی الله عليه وآله)، وأنت المبشرة علی لسانه بالجنة؟

السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها.. ينبوع الكوثر

   خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصّي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، جدّها «خويلد» كان بطلاً مغواراً دافع عن حياض الكعبة المشرّفة في يوم لا ينسى. والدتها «فاطمة» بنت زائدة بن أصمّ بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر، كانت سيّدة جليلة مشهود لها بالفضل والبرّ، إذن فهذه السيّدة العظيمة خديجة الكبرى سلام الله عليها تنتسب إلى قبيلة قريش، ويلتقي نسبها بنسب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عند جدّها الثالث من أبيها، وعند جدّها الثامن من أمّها.

   للسيّدة خديجة عليها السلام ألقاب كثيرة تعكس عظيم نبلها وشديد قدسها، من هذه الألقاب: الصدّيقة، المباركة، أمّ المؤمنين، الطاهرة، الراضية، المرضية …إلخ.

   كانت تعطف على الجميع، وتحنو عليهم كأمّ رؤوم بأولادها، فكانت “أمّاً لليتامى”، و”أمّاً للصعاليك” و”أمّاً للمؤمنين”، وهي كوثر الخلق، وسمّيت أيضاً “أمّ الزهراء” أو ينبوع الكوثر.

   بعد عامين من بعثة الرسول صلى الله عليه وآله التي بدأت من بيت خديجة، وفي طريق عودته من معراجه في شهر ربيع الأول، جاءه أمين الوحي جبريل وقال له: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام، وعندما أبلغ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله زوجه خديجة عليها السلام سلامَ الله تعالى، قالت: إنّ الله هو السلام، منه السلام وإليه السلام.

   رويت عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أحاديث كثيرة في مناقب السيّدة خديجة عليها السلام، نسلّط الضوء على بعضاً منها:

 1. يا خديجة إنّ الله عزّ وجلّ ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارًا.

 2. والله ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتني إذ كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمنـي الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس.

 3. خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله.

 4. خير نساء الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم (امرأة فرعون).

 5. خديجة سبقت جميع نساء العالمين بالإيمان بالله وبرسوله.

 6. أحببتها من أعماق فؤادي.

 7. أحبّ من يحبّ خديجة.

 8. لم يرزقني الله زوجة أفضل من خديجة أبداً.

 9.لقد اصطفى الله عليّاً والحسن والحسين وحمزة وجعفر وفاطمة وخديجة على العالمين.

 10. وقال صلى الله عليه وآله يخاطب عائشة: لا تتحدّثي عنها هكذا، لقد كانت أوّل من آمن بي، لقد أنجبت لي وحُرِمتِ.

   ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض أصحاب السير والتراجم:

   يقول ابن هشام صاحب المصنَّف الشهير «السيرة النبوية»: خديجة صاحبة النسب الكريم، والشرف الرفيع، والثروة والمال، وأحرص نساء قريش على صون الأمانة والتمسّك بالأصول الأخلاقية والعفة والكرامة الإنسانية، فهي التي تربّعت على قمة الشرف والمجد.

الذهبي وهو رائد علم الرجال عند العامة يقول:

   خديجة، سيّدة نساء الجنة، حكيمة قريش، من قبيلة أسد، عظيمة القدر، ذات دين ومروءة وعزّة، من نساء الجنة وإحدى النساء اللائي تربّعن على قمة الكمال.

يقول ابن حجر العسقلاني فيها:

   لقد صدّقت خديجة بالرسالة في اللحظات الأولى لبعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكان رسوخ إيمانها وثبات قدمها نابعين من يقين تام، وعقل راجح، وعزم راسخ.

   قول السهيلي الذي له تصانيف كثيرة في السير والمغازي: خديجة سيدة نساء قريش، لقبّت بـ«الطاهرة» في الجاهلية والإسلام.

   لقد كان التاريخ مجرّد قلم بيد المتملّقين يخطّونه خدمة لأغراض المستبدين، فاستبيحت الكثير من الحقائق وزوّرت الكثير غيرها حتى اشتبه الأمر وأصبحت الأكاذيب كأنّها وقائع تاريخية، وبلغت حدّاً من السوء بحيث إذا ما أماط الباحث اللثام عن الوقائع بالاستناد إلى الحقائق العلمية، أثار عمله دهشة الجميع واستغرابهم.

   ومن ذلك ما قام به أحد الباحثين الذي قدّم أدلة دامغة على أنّ صاحب النبي الكريم صلى الله عليه وآله في الغار هو عبد الله بن أريقط بن بكر، حيث أنّ قصة الغار المعروفة تمّ تلفيقها في زمن معاوية وذلك بالمال، ليتمّ استبداله بشخص آخر.

   قد أثبت هذا الباحث على أنّ عبارة «الأنزع البطين» مختلقة وهي من اختلاق أصحاب معاوية.

   لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام على دين أبيها إبراهيم عليه السلام وذلك قبل أن يُبعث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وكانوا يُعرفون بالحنفاء، وقد آمنت في اليوم الأول من بعثة المصطفى صلى الله عليه وآله، كما جاء في الحديث الشريف: أوّل من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله من الرجال علي عليه السلام ومن النساء خديجة عليها السلام.

   عندما رجع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله من غار حراء وهو ينوء بثقل الرسالة العظيمة، كانت السيّدة خديجة عليها السلام في استقباله حيث قالت له: أيّ نور أرى في جبينك؟ فأجابها: إنّه نور النبوّة، ومن ثمّ شرح لها أركان الإسلام، فقالت له: “آمنت وصدّقت ورضيت وسلّمت”.

   كانت السيّدة خديجة أول سيّدة في الإسلام تصلّي، إذ أنّه لسنوات طويلة انحصر الإيمان بالدين الإسلامي بخديجة عليها السلام والإمام علي عليه السلام، وكان الرسول الأعظم يذهب إلى المسجد الحرام ويستقبل الكعبة وعلي عليه السلام إلى يمينه وخديجة خلفه، وكان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لأمّة الإسلام، وكانوا يعبدون معبودهم الواحد إلى جانب كعبة التوحيد.

   كانت السيدة خديجة عليها السلام تفيض بالحنان والعطف على الإمام علي عليه السلام، لدرجة أنّها قالت فيه: إنّه أخي، وأخو النبي، أعزّ الناس إليه، وقرّة عين خديجة الكبرى عليها السلام.

   نعم، إنّها أول سيّدة مسلمة تأكل من فاكهة الجنّة حيث ناولها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بيده الشريفة عنقوداً من عنب الجنّة.

   السيّدة خديجة عليها السلام هي الزوجة الوحيدة من بين أزواج النبي الكريم صلى الله عليه وآله التي أنسلها واستمرّ نسلها الطاهر حتى يومنا هذا. لقد ارتأت المشيئة الإلهية أن تكون السيّدة خديجة وعاءً لأنوار الإمامة وضيائها. والرسول الكريم صلى الله عليه وآله في معرض بيان عظم منزلة هذه السيّدة الجليلة، نجده يخاطب ابنته الأثيرة على قلبه الزهراء البتول عليها السلام بقوله: يا ابنتي، إنّ الله تعالى جعل خديجة وعاء لنور الإمامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*