في ذكری استشهاد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

239

وقد استشهد الإمام الصادق (ع) مساء يوم (25) شهر شوال سنة (148) للهجرة وله من العمر (65) سنة، متأثرًا بسم دسه إليه المنصور العباسي على يد عامله على المدينة محمد بن سليمان بعد أن أحضره المنصور الدوانيقي سبع مرات إلى بغداد لقتله وقد عجز عن ذلك لذا عمد المنصور إلى وسيلة دنيئة لقتل الإمام (ع) فقد بعث إلى والي المدينة المنورة أن يدس السم إلى الإمام الصادق عليه السلام فدس إليه السم في طعامه، بقي إمامنا يومًا أو يومين يعاني الألم الشديد بسبب السم إلى أن حضرته الوفاة ودفن عليه السلام في البقيع وهي مقبرة المدينة المنورة في العهد النبوي الشريف وفيها دفن جمع كثير الصحابة منهم ابن النبي إبراهيم وأم النبي وكذلك الأئمة الأربعة من أهل البيت عليهم السلام. 

أسماؤه وألقابه     

الاسم: اسمه جعفر، وقد نسب إليه الشيعة الاثنى عشرية، فيقال لهم أيضًا “الجعفرية”.

النسب: هو بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد بن الإمام الحسين السبط الشهيد عليهم السلام. أمه فاطمة المكناة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر. والقاسم أبوها هو من ثقات الإمام زين العابدين وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة وجدها محمد بن أبي بكر كان بمثابة ولد من أولاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

الكنية: منها أبو عبد الله، وهي الكنية الأشهر، وأبو إسماعيل، وأبو موسى.

اللقب: منه: الصادق، والفاضل، والطاهر، والقائم، والصابر، والكافل، والمنجي.

مولده

كانت الأمة الإسلامية تحتفل بالذكرى الثمانين من مولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، في السابع عشر من شهر ربيع الأول، وكانت تسير في بيت الرسالة موجة كريمة من السرور والابتهاج، ترتقب مجدًا يهبط في تلك الليلة، وفي ذلك الجو الميمون ولد الإمام الصادق عليه السلام شعلة نور بازغة سخت بها إرادة السماء لتضيء لأهل الأرض، وتنير سبلها إلى الخير والسلام.

نشأته

حيث كانت حياة الإمام ما بين عام 83 و148 هـ فقد قارنت شطرًا من حياة الإمام السجاد وأيام إمامته، حيث كانت إمامته ما بين عام 61 و95 هـ، فقد عاش معه إثنى عشر سنة. ثم عايش إمامة أبيه الباقر عليه السلام التي شرعت عام 95 هـ وامتدت إلى عام 114هـ.

أما بالنسبة لحياة زين العابدين فقد كانت تزخر بعبادته ومن هنا لقب بزين العابدين، وقد كان الصادق عليه السلام يعايش هذه الحقيقة ويشاهدها من جده عن قرب، وقد أثرت فيه واقتدى بها، فهذا مالك بن انس يقول: اختلفت إلى الصادق زمانًا، فما كنت أراه إلاّ على إحدى خصال ثلاث: إما مصل، وإما صائم، وإما يقرأ القرآن. ويقول أبو الفتح الأربلي وقف الصادق نفسه على العبادة وحبسها على الطاعة والزهادة واشتغل بأوراده وتهجده وصلاته وتعبده.

وأما بالنسبة لأبيه فقد كان الصادق كثير الملازمة له ويظهر هذا المعنى حيث يقول عن نفسه: كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وأنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وأنه ليذكر الله إلخ.

كما تظهر ملازمته للإمام الباقر عليه السلام جليًّا حين اصطحبه معه إلى الشام حيث أشخصه هشام بن عبد الملك الحاكم الأموي.

وقد تميزت إمامة الباقر عليه السلام بتصديه لنشر العلم، ولذا يقول الشيخ المفيد: ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين عليهما السلام من علم الدين والآثار والسنة وعلم القرآن والسيرة وفنون الأدب ما ظهر عن أبي جعفر.

وكان الصادق عليه السلام في هذه الأجواء المشحونة بالنتاج العلمي وقد انعكست في شخصيته، فقام بدور أبيه بعد وفاته على أفضل نحو، فقد قال أحمد بن حجر الهيثمي: جعفر الصادق نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان.

ظروف عصره

في تاريخ الأمة الإسلامية عبر القرون الستة الأولى نلاحظ ثلاثة عناصر أساسية هي:

قدرة الإسلام على التجديد والإبداع والعطاء في كافة المجالات.

انحراف الحكام وحدوث هوة سحيقة بين المبادئ الإسلامية وبين السلطة الحاكمة.

حيوية الأمة الإسلامية وقدرتها على التحرك ضد الحكام المنحرفين عن الإسلام.

ولقد عايش الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام هذه الحقائق الثلاث كأشد ما يمكن أن تكون ظهورًا وتجسيدًا، ولمدة أربعين سنة وشاهد الظلم والإرهاب للحكام الأمويين ضد أبناء الأمة بصورة عامة والعلويين بصورة خاصة.

فقد ولد الإمام الصادق عليه السلام في عهد عبد الملك بن مروان بن الحكم ثم عايش الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار، حتى سقوط الحكم الأموي (سنة 132هـ)، ثم آلت الخلافة إلى بني العباس فعاصر من خلفائهم، أبا العباس السفاح وشطرًا من خلافة أبي جعفر المنصور تقدر بعشر سنوات تقريبًا، إلاّ أن الإمام عليه السلام لم يكن يملك القدرة على التحرك خلال هذه الفترة لأسباب عديدة أهمها:

أنه كان محط أنظار المسلمين لذا فقد كان تحت الرقابة الأموية والعباسية، ممّا هدد حركته وحال بينه وبين الإعداد لعمل سياسي ضد الحكام المتعاقبين في عصره.

التجربة التاريخية المرة لقيادة آل البيت عليه السلام مع جمهور الامة، وتيارات الثورات ضد الحكام الأمويين بقيادة الإمام علي عليه السلام، وولده الإمام الحسن ومن بعدهما ثورة الإمام الحسين عليه السلام السبط عليه السلام، وزيد بن علي بن الإمام الحسين عليه السلام. نظرًا لتخلف الناس عن الرقي إلى المقام السامي، والأسلوب الرفيع الذي كان يمارسه أهل البيت عليهم السلام.

ولهذه الأسباب ولغيرها، كان الإمام الصادق عليه السلام منصرفًا عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء المقاومة بناءً علميًّا وفكريًا وسلوكيًّا يحمل روح الثورة، ويتضمن بذورها لتنمو بعيدة عن الأنظار وتولد قوية راسخة.

وبهذه الطريقة راح يربّي العلماء والدعاة وجماهير الأمة على مقاطعة الحكام الظلمة، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في أحكام الشريعة ومفاهيمها، ويثبت لهم المعالم والأسس الشرعية الواضحة. كقوله عليه السلام:(من عذر ظالمًا بظلمه، سلّط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته) (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم).

انطباعات عن شخصية الإمام الصادق(عليه السلام)

أشاد الإمام الباقر (عليه السلام) أمام أعلام شيعته بفضل ولده الصادق (عليه السلام) قائلًا: هذا خير البريّة. وأفصح عمُّهُ زيد بن علي عن عظيم شأنه فقال: في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتج الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر لايضلّ من تبعه ولا يهتدي من خالفه.

وقال مالك بن أنس: ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً.

وقال المنصور الدوانيقي مؤبّنًا الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ جعفر بن محمّد كان ممّن قال الله فيه:  وكان ممن اصطفى الله وكان من السابقين بالخيرات.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت 327 هـ): سمعت أبي يقول: جعفر بن محمّد ثقة لا يُسأل عن مثله.

وقال: سمعت أبا زرعة وسئل عن جعفر بن محمّد عن أبيه وسهيل بن أبي صالح عن أبيه والعلاء عن أبيه أيّما أصح؟ قال: لا يقرن جعفر بن محمّد إلى هؤلاء.

وقال أبو حاتم محمّد بن حيّان (ت 354 هـ) عنه: كان من سادات أهل البيت فقهًا وعلمًا وفضًلا.

وقال أبو عبد الرحمن السلمي ( 325 ـ 412 هـ ) عنه: فاق جميع أقرانه من أهل البيت (عليه السلام) وهو ذو علم غزير وزهد بالغ في الدنيا وورع تام عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة.

وعن صاحب حلية الأولياء (ت 430 هـ): ومنهم الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع وآثر العزلة والخشوع ونهى عن الرئاسة والجموع.

وأضاف الشهرستاني (479 ـ 548 هـ) على ما قاله السلمي عنه: وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ثمَّ دخل العراق وأقام بها مدَّة، ما تعرّض للإمامة قط، ولا نازع في الخلافة أحدًا، ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ.

وذكر الخوارزمي (ت 568 هـ) في مناقب أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمَّد. وقال: لولا السنتان لهلك نعمان. مشيرًا إلى السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق.

وقال ابن الجوزي (510 ـ 597 هـ): جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين كان مشغولا بالعبادة عن طلب الرئاسة.

وقال محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 هـ) عنه: هو من عظماء أهل البيت (عليهم السلام) وساداتهم، ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجايبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكّر الآخرة، واستماع كلامه يزهّد في الدنيا، والاقتداء بهديه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع أنه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمة وأعلامهم.. وعدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها.

وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوت عدّ الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتَّى إنّه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه وتروى عنه.

وقد قيل إن كتاب الجفر الذي بالمغرب ويتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه (عليه السلام)، وإن في هذه لمنقبة سنيّة، ودرجة في مقام الفضائل عليّة، وهي نبذة يسيرة مما نقل عنه.

وفي تهذيب الأسماء (631 ـ 676 هـ) عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمّد علمت أنه من سلالة النبيين.

وقال ابن خلكان (608 ـ 681 هـ): جعفر الصادق… أحد الأئمة الاثني عشر على مذهب الإمامية، وكان من سادات أهل البيت عليهم السلام، ولقّب بالصادق لصدقه في مقالته، وفضله أشهر من أن يذكر وله كلام في صنعة الكيميا، والزجر والفال … ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه وجدّه وعمّ جده .. فلله درّه من قبر ما أكرمه وأشرفه.

وقال البخاري في فصل الخطاب (756 ـ 822 هـ): اتفقوا على جلالة الصادق (عليه السلام) وسيادته.

وقال ابن الصبّاغ المالكي (784 ـ 855 هـ): نقل الناس عنه من العلوم ماسارت به الركبان، وانتشر صيته وذكره في سائر البلدان، ولم ينقل من العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث.

وروى عنه جماعة من أعيان الاُمة.. وصّى إليه أبو جعفر(عليه السلام) بالإمامة وغيرها وصيّة ظاهرة، ونصّ عليها نصّاً جليّاً

استشهاده

إن المكانة التي كانت للصادق عليه السلام، علمًا وإمامة، جعلته ـ كآبائه وأهل بيته عامة ـ عرضة للحسد والعداوات بل وللخوف من قبل الخلفاء والحكام بصورة عامة؛ وقد تحمل الإمام الصادق عليه السلام بخاصة من بعض معاصريه ومن مدعي الإمامة ومدعي العلم والفضل في زمانه، أذايا وبلايا كثيرة، ولاسيما من بعض أرحامه وأقاربه وفيهم إخوة وأبناء عم وأنسباء.

ولكن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور الدوانيقي، كان أشدهم في تطلب فرصة للبطش بالإمام والبحث عن ذريعة لقتله، حتى إنه أشخصه أربع مرات من مدينة جده عليه السلام، إلى الكوفة ليقتله، فكانت تظهر من الإمام آيات ومعجزات تمنعه عن الإقدام على جريمته، إلى أن بعث إلى الإمام عليه السلام بسم أجبروه جبرًا على شربه، فاستشهد سلام الله عليه مظلومًا بسم المنصور، وكان ذلك في المدينة في شهر شوال، على المشهور ( وقيل أيضًا الاثنين منتصف رجب) من سنة ثمان وأربعين ومائة للهجرة، وله من العمر خمس وستون سنة، ودفن بجانب أبيه الباقر عليه السلام، وجده السجاد عليه السلام، عم جده الإمام الحسن المجتبى عليه السلام في بقيع الغرقد في المدينة المنورة، فيا له من قبر ما أعظمه، ويا لها من تربة ما أكرمها عند الله عز وجل، وقد حوت أربعًا من الحجج المعصومين والخلفاء الراشدين، سلام الله عليهم أجمعين.

 

المصدر : وكالة أهل البيت (ع) للأنباء – أبنا –

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*