الإساءة إلى الإسلام: أصلٌ في السُّنَّة وفرعٌ في المجتمعات المسلمة
لقد اشتهر الشارع المسلم بكونه من أشرس الشوارع في العالم دفاعاً عن مقدساته عندما تتم الإساءة إليها. فكل مرة تقوم جهة بالإساءة إلى الإسلام ينزل الناس للشارع وتكثر دعوات المقاطعة للمنتوجات وتطلق التهديدات وردود أفعال أخرى. ومن الأمثلة ذات الصلة المشهورة بالإشارة ذلك الكتاب البريطاني السخيف والفيلم الهولندي والكاريكاتير الدنماركي. والباحث في ظاهرة الإساءة إلى الإسلام ورد الفعل عليها يذهل من شيئين: أولهما وجود أصل الإساءة في كتب السنة النبوية، وثانيهما وجود الإساءة بالممارسات التعبيرية في المجتمعات المسلمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا يتظاهر المسلمون ضد البخاري مثلاً أو ضد العبارات المحلية التي تستعمل الدين في قاموس الشتائم؟ في هذا المقال سوف نبرز كل قضية على حدة في محاولة لفهم الموضوع بطريقة غير متعصبة.
الإساءة إلى الإسلام وأصلها في السنة
ماذا لو قال قائل اليوم أن الصحابي فلان كان يقضي حاجته أمام الناس ؟ ماذا لو قال قائل اليوم أن الصحابي فلان كان ينام مع زوجاته الواحدة تلو الأخرى دون أن يغتسل وأنه له قوة جنسية خارقة؟ ماذا لو قال قائل اليوم أن الصحابي فلان كان يعاشر زوجته وهي حائض ؟
الجواب الذي لا يكاد يختلف عليه إثنان هو أن القائل بهذا في حق الصحابة لن يسلم من التكفير والإخراج من الملة والإتهام بالتشيع بل وبالتأيرن، وبالتالي بالعمالة من جهة والهرمسة من جهة أخرى.
لكن أن تقول ذلك وأكثر منه في رسول الله ص فلا أحد يلومك بل وقد تكون بقولك هذا سلفياً صالحاً ! والسبب هو ورود كل هذه الإساءات في صحاح كتب السنة. ففي البخاري* تجد أن الرسول ص كان يرى وهو يقضي حاجته في حديث: ” عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : إن ناساً يقولون : إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس فقال عبد الله بن عمر : لقد إرتقيت يوماً على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله (ص) على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته” ١.
وفي البخاري نفسه تجد أحاديث جنسية مخجلة إلتقطها بعض النصارى للهجوم على الدين مثل حديث أنس بن مالك الذي قال : “كان النبي ص يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة، قال : قلت لأنس : أو كان يطيقه قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وقال سعيد ، عن قتادة : إن أنساً حدثهم تسع نسوة” ٢.
ومن بين الأحاديث الأخرى المسيئة للإسلام والتي لا يخفى تلفيقها في عهد الخلفاء الأمويين خصوصاً تلك التي تنزل بمقام الرسول ص في مقابل الإرتقاء بمقام بني أمية والذين ركنوا اليهم من الصحابة. ومن هذه الأحاديث ما روي عن عائشة أنها قالت : “سحر النبي ص حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله” ٣. فالنبي يسحر ويسيطر الشيطان عليه في حين أن عمر إبن الخطاب مثلاً كان الشيطان يخاف منه وحتى الجن نظمت فيه شعراً ونعته قبل مقتله بثلاث ٤ !
فهذا بالإختصار الشديد ضرب من أشكال الإساءة إلى الدين الإسلامي من خلال الكتب المتعبد بها. فلماذا لا تكون هنالك مظاهرات في جميع البلدان الاسلامية ضد البخاري وضد التراث الإسلامي الذي سنه بني أمية وكعب الأحبار؟
إن إدانة الدانمارك وعدم إدانة الدولار البترولي الذي يروج لكتب فيها هذه الأحاديث لهو الكيل بمكيالين. وتجدر الإشارة إلى أنني ممن يدينون ظاهرة الإساءة إلى الأديان عموماً دون مصادرة حقوق الآخرين في تناول القضايا الدينية بطرق علمية.
الإساءة إلى الإسلام وتفرعها في المجتمعات المسلمة
مع غياب دراسات متخصصة في اللهجات المحلية ورمزية تعابيرها عند المجتمعات المسلمة، أجد نفسي مضطراً لحصر هذه الفقرة فيما هو شائع ومعروف من مصاديق الإساءة للإسلام المتداولة في الشارع المسلم. وهنا سوف أستعمل بعض العبارات الشائعة في الشارع -وإن كان بنحو منعزل – في المغرب والجزائر وتونس تحديداً. ففي المغرب والجزائر مثلاً، تجد أكثر العبارات المستعملة للسب -في الشارع- تحمل عنوان الدين، وذلك على نحو إطلاق لفظة اللعن تتبعها لفظة الدين مضافة إلى إسم أو ضمير المخاطب المشتوم. وفي الجزائر وتونس تجد ظاهرة تعبيرية للسب غريبة من نوعها إكتسبت من كثرة تداولها إسماً مصدراً يعرف بكلمة ” التربريب “. وهذه الكلمة تعني السب مع إستعمال إسم الجلال -والعياذ بالله- الدال على الربوبية بنحو المضاف إلى المخاطب المشتوم.
ومع وجود هذه الظواهر في المجتمعات المسلمة الأخرى كذلك نقف أمام سؤال شرعي وهو: ماذا فعل العلماء في هذه البلدان لإدانة هذه الظواهر؟ هل ألفوا كتباً ؟ ثم أين السياسيون الذين اتخذوا من قضية الدنمارك السخيفة سبباً لإبراز إسلاميتهم عبر تنظيم ندوات وفعاليات ؟ لماذا لا يتحركون بهذا المعنى في التعاطي مع ظاهرة سب الدين المحلية والإستثمار في توجيه المجتمع من الناحية الأخلاقية؟
هذه التساؤلات تبقى قائمة وبقيامها تضع جدية المسلمين في الدفاع عن مقدساتهم في محل الشك، إذ كيف يطلع رجل يسب الدين ليل نهار في تظاهرة على كاريكاتير سخيف؟
من حكمِ الإمام علي ع قوله: “الإنصاف يرفع الخلاف” ٥. ولا شك أنه ما كان لأحد أن يتجرأ على إهانة المسلمين في دينهم لو كانوا منصفين في قراءة التاريخ و منصفين في أقوالهم وأفعالهم. بل كيف يمكن لأجنبي أن يشكل أمراً ما في الدين على مسلم منصف؟ وحتى إذا أشكل الأجنبي فلا يصل اشكاله إلى حد الإهانة. فالإنصاف طريقة لرفع الخلاف حتى مع غير المسلمين لأنه يسلك طريق العقل والحكمة وليس طريق الخرافة والتقليد الأعمى والعناد.
ياسر الحراق الحسني/ شبكة النبأ المعلوماتية
هوامش
*تنبيه: البخاري له عدة طبعات محرفة تحت عناوين التنقيح والتهذيب والإختصار. لهذا تمت الإشارة إلى رقم الحديث من أصل البخاري وليس النسخ المذكورة مثل :”مختصر صحيح البخاري “. فالبخاري الأصلي عدة مجلدات وليس كتاب من ٥٠٠ صفحة
١. صحيح البخاري – الوضوء – من تبرز على لبنتين – رقم الحديث: ١٤٢
٢. صحيح البخاري – الغسل – إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد – رقم الحديث : ٢٦٠
٣. صحيح البخاري – بدء الخلق- صفة إبليس وجنوده – رقم الحديث : ٣٠٢٨
٤.العلامة المحدث بدر الدين عبد الله الشّبلي، آكام المرجان في أحكام الجان. صفحة ١٢١
٥.غرر الحكم للآمدي رقم ٩١١٦ تحت عنوان آثار الإنصاف وعيون الحكم والمواعظ للواسطي رقم ٣٠٠