هنا تحت ثرى مقبرة “وادي السلام” لا فرق بين غني وفقير أو ملك وخادم أو رجل وامرأة. هنا الكل يرقد في سلام وهدوء في واحدة من أكبر مقابر العالم التي تقع في مدينة النجف (161 كم جنوب غرب بغداد). تمتد المقبرة على امتداد البصر. وفيها بحسب التقديرات أكثر من ستة ملايين ميت. يدفن فيها موتى من مختلف بقاع الأرض معظمهم من المسلمين الشيعة.
يقول حفّار القبور كرار علي: “أعمل في مهنة الدفن منذ 20 عاماً في واحدة من أهم المقابر الإسلاميّة على الإطلاق. بدأت العمل فيها منذ دفنت شقيقي الذي توفي بمرض عضال، ولم أكن أملك المال لدفع أجور الدفن أو شراء مساحة لدفنه. تبرع أحد المحسنين، وهو يتولى إدارة مكتب لدفن الموتى، بتكاليف الدفن. ومنذ ذلك الوقت عملت معه أحفر القبور أو ألحد الموتى”. يتابع: “يوماً بعد آخر يتضاعف عدد الراغبين بدفن موتاهم في المقبرة خصوصاً بعد ارتفاع عدد الشهداء في المعارك بين تنظيم داعش والقوات الأمنية من الجيش العراقي والحشد الشعبي حتى بدأنا نستقبل كل يوم 20 جثة من هذه القوات فحسب ممن قتلوا في ساحات المعارك مع التنظيم”.
يوضح علي لـ”العربي الجديد” أنّ ارتفاع عدد القتلى زاد من حجم التنافس بين الحفّارين، خصوصاً أنّ الكثير من حفّاري القبور وجدوا في هذه المهنة مصدر رزق لهم ولعائلاتهم، بعدما امضوا فترات طويلة عاطلين من العمل. يتابع أنّ “إقبال الناس على الدفن في المقبرة حتى من غير أبناء المذهب الشيعي، ومن جنسيات أخرى غير العراقية، زاد من حجم التنافس على مهنة الدفن”.
يوجد حول المقبرة نحو 500 مكتب للدفن. معظم العاملين فيها توارثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم ونقلوها عبر الأجيال، ولا يعرفون غير هذه المهنة في كسب العيش. وهناك من المكاتب من يقدم خدماته مجاناً للفقراء والمحتاجين، لنيل الأجر والثواب بدلاً من المكاسب المادية. كما استحدثت مكاتب جديدة للدفن بعد عام 2014 بالترافق مع الانفلات الأمني في البلاد وارتفاع عدد الشهداء.
يشرح علي طريقة دفن الموتى في المقبرة: “هناك قبور مبنيّة بالطوب المحروق والجص، والعديد منها تعلوه القباب. كما توجد خزائن خاصة للدفن تحت الأرض (سراديب)، يجري النزول إليها عبر سلّم خاص، ويتراوح عمقها بين خمسة أمتار وعشرة”. يتابع في ما يتعلق بقدرة المقبرة الاستيعابية: “معدل ما تستقبله المقبرة سنوياً يقدر بنحو 500 ألف ميت، البعض منهم موتى من إيران ولبنان”.
ظهرت عدة شكاوى من قبل أصحاب المكاتب والمواطنين العراقيين أنّ المقبرة أوشكت على الامتلاء وعدم القدرة على استقبال المزيد من الموتى، وهو ما تسبب بالكثير من السرقات والبيع بشكل غير قانوني للقبور أو بالاتفاق مع أشخاص غير مرخصين وليس لديهم مكاتب للدفن. وهؤلاء يستولون على مساحة من الأرض أو على قبور للدفن فيها بعد إزالتها، ويبيعونها بأسعار مرتفعة.
يشار إلى أنّ الحكومة المحلية في النجف وعدت بتنفيذ مشروع تسييج المقبرة. وأوضحت أنّ المشروع يهدف إلى تحقيق أمرين، أولهما حضاري كون المقبرة تقع وسط المدينة ولا بد من أن تكون واجهة حضارية لاسيما أنّ الكثير من العرب والأجانب يزورون أمواتهم فيها. وثانيهما أمني كون موقع المقبرة يطل من جهته الغربية على منطقة بحر النجف المفتوحة التي لا بد من تحصينها.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد وافقت على إدراج مقبرة “وادي السلام” في لائحة التراث العالمي فالمقبرة عدا عن كونها تعود إلى أكثر من ألف عام، تضم قبور العديد من الشخصيات التاريخية، من قبور أنبياء كنوح وهود وصالح، إلى ملوك بويهيين وحمدانيين وجلائريين وصفويين، بالإضافة إلى شيوخ عشائر ورجال دين ومثقفين.
أسعار قبور خيالية
يشير حفّار القبور في مقبرة وادي السلام كرّار علي لـ”العربي الجديد” إلى أنّ أسعار القبور اليوم باتت تراوح في ما بين 15 مليون دينار عراقي (13 ألفاً و550 دولاراً أميركياً) إلى 20 مليوناً (18 ألفاً و70 دولاراً)، في حين كانت تباع قبل عقد من الزمن بنصف مليون دينار (450 دولاراً) لا غير.
المصدر : صحيفة العربي الجديد – صحيفة الزمن العربي الجديد